المشاهد نت

عمل المرأة في صنعاء ما بين الواقع المعاش والواقع الافتراضي..!

سامية عبدالمجيد الأغبري

سامية عبدالمجيد الأغبري

كاتبة صحافية يمنية

منذ حوالي أكثر من أسبوعين تداول صحافيون وصحافيات وناشطون وناشطات في مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة “فيسبوك”، ما سمي قرار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لجماعة أنصار الله، مفاده منع المرأة من العمل، وخصوصًا في المطاعم والمحلات التجارية، لمبررات دينية واجتماعية.
فتشت حينها عن القرار، ولكنني لم أجده إلا في ما تم طرحه من قبل الصحافيين والناشطين، من ردود أفعال مختلفة إزاء القرار، ما بين مؤيد ومتحفظ ومعارض تجاه القرار الذي -كما قيل- يجرم عمل المرأة.
وقد احتدم الصراع والجدل والخلاف، وتبادل الاتهامات بين المفسبكين، حول أحقية عمل المرأة خارج المنزل من حيث المبدأ، وكأننا رجعنا إلى نقطة الصفر بشأن عمل المرأة. وقد تابعت تلك الردود والجدل العقيم، وتلخصت آراء وتبريرات المؤيدين لقرار منع عمل المرأة، وهم نسبة لا يستهان بها، بأن القرار يحترم عادات وتقاليد المجتمع، ويحمي المرأة، مؤكدين أن اليمنيين لا يشغلون بناتهم وزوجاتهم في المطاعم من قبل أن يولد الحوثيون.
والمضحك في الأمر أن أحدهم علق بالقول: إنه لم يرَ في حياته امرأة يمنية تشتغل في مطعم، فقد كانت خارج التغطية، والبعض الآخر ينفي وجود قرار من السلطات بمنع المرأة من العمل في المطاعم، ويعتبر هجوم منظمة العفو الدولية مؤامرة خارجية.
فيما يرى المتحفظون أن الحديث عن عمل المرأة في اليمن، وفي هذا الظرف، ليس له أولوية، فالأولوية للحصار والعدوان. ويؤكد بعضهم بالقول إن الجهة المخولة للمرأة بالعمل هي الأسرة، ولم يسبق لحكومة يمنية أن منعت توظيف المرأة، فهناك يمنيات يملكن مطاعم ويعملن فيها، موضحًا أن دور المنظمات أصبح سياسيًا، وليس إنسانيًا.
ويعلق أحد المفسبكين ردًا على أحد المؤيدين للقرار بمنع عمل المرأة، بتهكم: مافيش مشكلة، يعتمد لهن مرتبات ومصدر رزق لهن ولمن يعُلنهم، وهن سيتوقفن عن العمل. ويقول آخر: يا جماعة الأهم حقوق المرأة في التعليم والصحة، أهم من الشغل في المطاعم.
فيما المعارضون للقرار يربطونه بضرورة عمل المرأة في أي مجال، حتى لا تتحول للتسول أو لممارسة الدعارة، وبعضهم يرى أن عمل المرأة أصبح واقعًا ملموسًا في مجالات عدة، وأن الحرب والحصار فرضا عليهن العمل في المطاعم والمحلات التجارية وما شابه ذلك، لإعالة أسرهن والعيش بكرامة.
كما أن البعض يعلق معارضًا للقرار: “نعم للحرية… أتضامن مع نساء اليمن، أدين كل الانتهاكات لحقوقهن من قبل الحوثيين، وأطالب المنظمات والمؤسسات الدولية بحماية نساء اليمن، كما أنه على نساء اليمن الصمود من أجل حريتهن ستنتزع بالأخير، ويتمتعن بالحرية والسلام”.
فيما يتم توظيف قضية منع المرأة من العمل سياسيًا، إذ يؤكد أحد المفسبكين قائلًا: ارتكب الحوثيون الكثير من الجرائم بحق النساء والأطفال وكبار السن وكل مكونات المجتمع، وهذه واحدة من آلاف الجرائم بحق اليمنيين”.
لا أخفيكم سرًا بأنني كنت غير مصدقة لصدور قرار بهذا الشكل، لأنه غير منطقي، وعندما كتبت د. رضية المتوكل منددة بالقرار، كأكاديمية وناشطة، ظننت أن القرار فعلًا رسمي، ولكن عندما صدر تكذيب لصدور قرار بمنع عمل المرأة من قبل حسين العزي، نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ، بدأت أشك في الأمر.
وكان لزامًا عليَّ كصحفية أولًا وأكاديمية ثانيًا، أن أستطلع آراء عدد كبير ممن تابعوا الموضوع، سواء علقوا عليه أم لا، وسألتهم من أين عرفوا بقرار منع أنصار الله لعمل المرأة، فأجابوا جميعهم من مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ثم أعقبتهم بسؤال آخر: هل فعلًا شاهدتم ذلك بأم أعينكم، أو تعرفون امرأة واحدة ممن تم إيقافهن أو طردهن من العمل؟ فكانت إجابتهم جميعًا: لا، بل إن معظمهم يؤكد أن كل المطاعم والمحلات التي يرتادها موجود فيها نساء عاملات.
فكان الأحرى بالصحافيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمرأة، أن يتأكدوا من صدور قرار رسمي من عدمه، أم أنها محاولة من سلطة الأمر الواقع في صنعاء جس النبض ومعرفة ردود الأفعال، أم الهدف من إثارة تلك القضية في مواقع التواصل الاجتماعي، هو إلهاء المواطنين عامة والصحافيين والناشطين بصفة خاصة، بهذه القضية المفتعلة، وذلك حتى يصرفوهم عن قضايا أكثر خطورة على البلد، منها الفساد المالي والإداري وما نتج عنه من الارتفاع الفاحش للأسعار، والمتاجرة بالبترول والديزل في السوق السوداء، وانقطاع المرتبات، وانعدام فرص العمل للشباب من الجنسين، ومعاناة النازحين… وغيرها.
وما أود التنبيه إليه في هذا السياق، أن الإشكالية الأساسية التي أود طرحها على طاولة النقاش، تكمن في أننا كصحافيين وناشطين، نسهم بوعي أو دون وعي منا، بالتسرع في نقل ونشر كل ما يصلنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن نتوخى الحذر والدقة والمصداقية.
فإذا كان المواطنون بشكل عام يصدقون كل ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ويقومون بعملية نسخ ولصق، فيتعاطفون وينفعلون، ثم يعبرون عن رأيهم وسخطهم بشكل انفعالي دون أي محاذير أخلاقية أو مسؤولية اجتماعية، فإن الصحافيين بالذات يفترض أنهم أكثر الفئات الاجتماعية إحساسًا بالمسؤولية الاجتماعية، فلا ينشرون أي موضوع قبل أن يتحروا المصداقية فيه.
لقد تفاجأت من خلال استطلاع بسيط لعدد من الصحافيين اليمنيين من الجنسين، أنهم لا يعرفون شيئًا عن القرار، ويؤكد بعضهم بالقول: لا يوجد قرار أصلًا، كلها فبركات في مواقع التواصل الاجتماعي.
كنت أتوقع من الصحافيين والناشطين، بدلًا من الجدل العقيم حول عمل المرأة من عدمه، أن ينزلوا لأرض الواقع كي يتحروا الحقيقة، ولا يعتمدوا بشكل كامل على مواقع التواصل الاجتماعي.
فمسؤولية الصحفي الاجتماعية والأخلاقية تحتم عليه الاستقصاء والتحري، كالتأكد من صدور قرار أم لا من قبل سلطة الأمر الواقع، أم أن جماعة متطرفة منتمية لأنصار الله قامت من تلقاء نفسها بابتزاز وتهديد أصحاب المطاعم، ومنعهم من تشغيل النساء دون مسوغ رسمي، ومعرفة موقف السلطة من ذلك إن وقع بالفعل.
والأهم أن النساء العاملات في المطاعم والمحلات التجارية بالذات، يعانين من النظرة السلبية من المجتمع، ويواجهن تضييقًا من العاملين الذكور وأصحاب العمل، وليس هنا مجال للخوض فيه.
كما أن هذه القضية التي أثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي، كانت تتطلب من الصحافيين مقابلة أصحاب المطاعم وبعض العاملين والعاملات فيها، لمعرفة الحقيقة، وهل تم إيقافهن عن العمل بالفعل، وسبب إيقافهن،
وكذلك محاولة الوصول للجهات المعنية التي يقال إنها أصدرت القرار بمنع عمل المرأة، وبالذات في المطاعم والمحال التجارية، فالواقع الافتراضي للأسف أضحى بديلًا لدى الكثير من الصحافيين والناشطين، عن الواقع الحقيقي.
فما توصلت إليه سواء من خلال استطلاعي حول هذه القضية، أو نزولي للعديد من المطاعم، تؤكد زيف الادعاءات في هذه القضية، ولذلك فالحاجة ماسة لوجود ميثاق شرف صحفي لمواقع التواصل الاجتماعي، يعده الصحافيون أنفسهم، ويلتزمون به طواعية كي يتمكنوا من تفنيد ونقد أي منشورات لا تنقل الحقيقة، وتزيف الواقع، ويكون الصحفي حذرًا في ما يقرأ وما ينشر.

الأكثر قراءة