المشاهد نت

برمجة التلاميذ في اليمن على القتال

عبدالعالم بجاش

عبدالعالم بجاش

كاتب صحافي يمني

أطفال اليمن هم الأكثر عرضة للخطر. تقول إيران إنها نقلت تقنية صواريخها إلى اليمن ولبنان وفلسطين. في الواقع، ليس علينا القلق تجاه هذا اكثر من القلق تجاه برمجة التلاميذ اليمنيين على القتال، الجارية بشكل نشط ومكثف وواسع النطاق. نقل النظام الإيراني أمورًا إلى اليمن أشد خطورة وفتكًا بالسلام المجتمعي، وهي الأفكار والمعتقدات وتجربة “باسيج التلاميذ”. بمعنى آخر، تم تلغيم مستقبل اليمن من خلال زراعة الأفكار المتطرفة في أذهان ملايين الأطفال باليمن، عبر التعليم والمنهج الدراسي، وبشكل رسمي. يتم ذلك عبر تطبيق تجربة مؤسسة باسيج التلاميذ الإيرانية، في اليمن، بوتيرة متسارعة. لم يحدث هذا في أكثر الدول تبعية لإيران، أن تفرض وصايتها ومنهجها على التلاميذ الصغار، وتعمل على برمجتهم وغسل أدمغتهم. مكمن الخطر في برمجة الأطفال على القتال، نسف إمكانية التعايش بسلام لعقود قادمة، وإطالة الحرب، واستمرار الزج بالمزيد من الأطفال إلى الخطوط الأمامية لجبهات الحرب، ومقتل المزيد من الجنود الأطفال.

كانت الحرب العراقية- الإيرانية حقل التجربة الأول للنظام الإيراني الذي دفع بآلاف الأطفال إلى خطوط النار، وقتل هناك قرابة 36 ألف طفل إيراني.

حاليًا، تدور الأحاديث عن تكرار محدود للتحربة في مأرب، حيث تدور أعنف المعارك، معظم القتلى الحوثيين من الأطفال. تدفع الجماعة بالأطفال إلى خطوط القتال الأمامية، يحدث هذا فيما تجري عمليات برمجة واسعة النطاق للمزيد من الأطفال على القتال، يتم تجنيدهم وإخضاعهم لدورات ثقافية وحماسية، ومن ثم الزج بهم إلى محرقة الحرب.

“باسيج التلاميذ” الخاص بجماعة الحوثي، في مرحلة نشطة للغاية، باسم المراكز الصيفية والدورات الثقافية في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم. نشاط منهجي على غرار مؤسسة “باسيج التلاميذ” أو تعبئة التلاميذ التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي تأسست عقب الحرب الإيرانية- العراقية التي انتهت عام 1988، وتحصل على تمويل كبير من النظام في إيران. هناك المئات من المراكز الصيفية الحوثية التي تتولى استقطاب الأطفال والشبان بهدف تعبئتهم وبرمجتهم على القتال.

تحذيرات نقابة المعلمين اليمنيين يتم تجاهلها غالبًا، لأنه ليس لدى الحكومة الشرعية فكرة واضحة حول ما ينبغي القيام به، بينما تترسخ يوميًا الأفكار الإيرانية في عقول الكثير من الصغار، ويستمر تجنيد المئات دون توقف، وبرمجتهم على القتال بشتى الطرق. كما أن الحكومة الشرعية، من جانبها، ليست بمنأى عن تجنيد الأطفال بنسبة ضئيلة، إذ تشمل قوائم الجيش الوطني أعدادًا من الأطفال المجندين، وفقًا لتقارير حقوقية.

هناك دراسة دولية تبين المدى الذي وصلت إليه عملية البرمجة للتلاميذ في شمال اليمن، حيث نفوذ إيران، في اتجاه يقوض السلام والتسامح، ويعزز الكراهية.

إمباكت- إس إم، هي منظمة دولية تراقب المناهج التعليمية والكتب المدرسية في العالم، وترصد قيم السلام والتسامح فيها. أجرت المنظمة دراسة حول التعليم والمناهج في مناطق سيطرة الحوثيين، وتوصلت إلى نتائج أبرزها أن الحوثيين “حولوا التعليم إلى أداة لنشر القيم والثقافة الإيرانية”، ونشر الكراهية ضد خصوم إيران، وأن “إيران متغلغلة من خلال الحوثيين في مراكز التعليم الابتدائي ومعاهد التعليم العالي في اليمن”.

توجد صور تعليمية في الكتب المدرسية للأطفال الصغار، تشمل أطفالًا قتلى (صور عنف)، وتستخدم لتعليم طلاب مراحل التعليم الأولى كيفية معارضة الهيمنة الصهيونية الأمريكية، وكذلك استخدام الأسلحة في دروس الرياضيات. هذه بعض أمثلة برمجة أطفال اليمن على القتال كجنود للمشروع الإيراني. وهي بعض مؤشرات تؤكد تغلغل تجربة باسيج التلاميذ في شمال اليمن، بينما المجتمع الدولي في موقف المتفرج. العجز ليس محليًا فقط، بل دولي أيضًا، تجاه استنساخ جارٍ لتجربة مؤسسة باسيج التلاميذ الإيرانية في اليمن. يوجد إدراك دولي للمشكلة وخطورتها، ففي أكتوبر 2018، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على شركات تقدم الدعم المالي إلى قوات “الباسيج”، لقيامها بعدة أنشطة خبيثة، منها تجنيد الأطفال وتلقينهم وتدريبهم ونشرهم للقتال في النزاعات التي يشعلها الحرس الثوري في جميع أنحاء المنطقة. لا يوجد تحرك دولي فعال ضد ظاهرة باسيج التلاميذ النشطة حاليًا، والتي تشكل أحد مصادر استمرار الحرب.

وليست الصرخة الإيرانية وحدها التي يتم تلقينها للأطفال الجنود وأطفال المدارس والمراكز الصيفية الحوثية، بل أخطر منها الفكر الإيراني المعزز لثقافة العنف والتطرف، والذي يعمل على برمجة الأطفال اليمنيين على الولاء المطلق لفكرة ولاية الفقيه، وما يسمى محور المقاومة، وتدريبهم على القتال، وتحفيزهم للجهاد والموت في سبيلها. ودون الخوض في تفاصيل التقارير الدولية عن تجنيد أطفال اليمن، يشهد اليمن استنساخًا متسارعًا لتجربة “باسيج التلاميذ” الإيرانية، عبر مراكز صيفية وبرامج دورات ثقافية، باعتبارها “أنشطة ذات طابع تعليمي ثقافي ضمن استراتيجية عسكرية أوسع نطاقًا، يتم من خلالها تدريب الأطفال ليكونوا قادرين عقليًا وجسديًا على المساهمة في جهود الحرب”.

برمجة أطفال اليمن على القتال والمشاركة في الحرب، أخطر مما تبدو عليه حاليًا. كثافة الأنشطة التي تستهدف الأطفال في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وزراعة الأفكار والمعتقدات الإيرانية في مناهج الدراسة، توحي أنها تجري لأهداف بعيدة المدى. نستطيع معرفة تلك الأهداف من خلال تتبع تجربة إيران في سوريا، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، عام 2018، جندت إيران أطفال اللاجئين الأفغان دون الـ14، وأرسلتهم إلى سوريا للقتال، بعد أن أوهمتهم أنهم ذاهبون لحراسة أضرحة شيعية مقابل حصولهم على تصاريح إقامة. ولأن لدى إيران مخططًا مستقبليًا لاستخدام أطفال اليمن الذين تقوم ببرمجتهم على القتال، وجب على المجتمع الدولي أن يتحرك.

الأكثر قراءة