المشاهد نت

من يكتب السطر الأخير؟

حسن العديني

حسن العديني

كاتب صحافي يمني

لا أريد أن أقول إنني أشعر بالقرف. سأقول إنه شعور بالسأم وسوء المزاج يعتريني كلما اقتربت من موضع الحرب الدائرة في اليمن. ففي سنتها السابعة كما في قبلها تتكرر الأخبار من الأطراف المتناحرة عن الخسائر والغنائم، وعن التقدم والتراجع، وإن اختلفت أسماء المناطق والمواقع.
الموت هو المقيم الدائم في هذه البلاد، ومعه ضفيرة عريضة من البلايا، الإفقار والنهب والإذلال لغالبية الشعب لصالح طبقة جديدة يتزايد ثراؤها من تجارة الدم والخراب يومًا بعد آخر.
ولا تترفع هذه الطبقة وتنأى بنفسها عن الأكل في الموائد كلها، وعن أن تمد يدها بالسؤال من الدول المتصادمة في مواقفها من الحرب. وهي تأخذ مكرمات تلك الدول من أجهزة تتخذ مسميات لا تستر حقيقة نشاطها الاستخباراتي. وبعد ذلك، فإن قيادات وكوادر في هذه الطبقة المتعفنة توزع الأدوار بين حليف للشرعية قابع في الرياض، وبين غاضب من الإمارات متنقلًا بين تركيا وقطر. ولا ينقص رجال هذه الطبقة -حتى نساءها- الخيال في استثمار الموت، فقد بدا محل تعجب الخبر المعزز بلوحة تذكارية لقائد المقاومة السابق في تعز (هكذا اطلقوا عليه) لتطوير مقبرة الشهداء. لم ينسَ صاحب المشروع أن يجعل القائمين عليه يدوّنون التكلفة على اللوحة التذكارية (350 ألف دولار).

أن الشعور بالسأم والقرف استبد بي وأنا أتابع التطورات العسكرية في الآونة الأخيرة. ولا بد أن أقول إنني لم أتحمس عندما قرأت خبر الحرب الخاطفة والهجوم المباغت الذي أسفر عن سيطرة مسلحين قبليين من البيضاء.


هذه إضافة جديدة إلى المألوف في بناء المساجد وكفالة الأيتام، وكل عناوين الخير التي يتخذونها أبوباً لجمع المال من الدول والمنظمات ومن المغفلين من الناس الذين يظنون أنهم ينفقون المال لكي يتقربوا إلى الله زلفى.
أعود إلى ما بدأت، وهو أن الشعور بالسأم والقرف استبد بي وأنا أتابع التطورات العسكرية في الآونة الأخيرة. ولا بد أن أقول إنني لم أتحمس عندما قرأت خبر الحرب الخاطفة والهجوم المباغت الذي أسفر عن سيطرة مسلحين قبليين من البيضاء ويافع مع قوات من العمالقة، على مديرية الزاهر في البيضاء وما أعقبها. كان مثار اشمئزاز احتفال منصات ووسائل إعلام الشرعية التي اعتبرت تطورات الحوادث انتصارًا استراتيجيًا من زاوية أن البيضاء تحادد 8 محافظات.
ولم يكن هذا الابتهاج غير شاهد آخر على أن أولئك الناس لا يفهمون بالستراتيجيا، ولا يعرفون فنون الحرب. كان واقع الحال أن المنتصرين في البيضاء مطوقون من كل الجهات، وأن ما قاموا به مجرد فقاعة سوف تنطفئ في وقت قريب. ولقد تبدى بأنصع الصور وأفصح المعاني، أن الذين أقدموا على اختراق هذه الجبهة مغامرون، خصوصًا وأنهم يدركون تمامًا أن وزارة الدفاع المتحيزة لحزب لن تسندهم بالتعزيزات، ولن تمدهم بالسلاح. وبالفعل جاءهم الرد المتوقع “اطردوا العمالقة أولًا”. والعمالقة هي القوة الرئيسية التي أحرزت الانتصار المحدود في أجواء الفشل على جميع الجبهات التي تتولاها وزارة الدفاع. ولو أن رموز قبائل البيضاء وافقوا وأبلغوا العمالقة بالاستغناء عنهم، والتخلي عن دورهم، لما تغير موقف الوزارة المتخاذل.
كذلك فعلت مع أهل حجور من قبل.

لا أظن الشرعية غافلة غير آبهة لأنها تواصل الانتحار، ولعلها كانت مدركة طوال السنوات الماضية أنها تدير الحرب على نحو سيؤدي إلى نتائج كارثية ومأساوية. وكانت حساباتها كلها تتصل بمصالح أفرادها وأحزابها بعيدًا عن مصالح الناس، وعن مصير البلاد.


وجاءت النتيجة في البيضاء سريعة وصاعقة، إذ استعاد الحوثيون جميع المواقع التي خسروها في أيام معدودات، ثم زحفوا نحو يافع لمعاقبة من جرؤ من أبنائها وتمادى وأصر على مؤازرة رجال البيضاء. ومن بعد فقد عادوا إلى ما كانوا في سياقه، وهو محاولة إسقاط مأرب، ولم يزالوا مصممين بينما تنتظر الشرعية شهقة الموت.
لا أظن الشرعية غافلة غير آبهة لأنها تواصل الانتحار، ولعلها كانت مدركة طوال السنوات الماضية أنها تدير الحرب على نحو سيؤدي إلى نتائج كارثية ومأساوية. وكانت حساباتها كلها تتصل بمصالح أفرادها وأحزابها بعيدًا عن مصالح الناس، وعن مصير البلاد.
والآن لم يعد لها ما تفخر به غير أن مدينة مأرب لم تسقط رغم أن المسألة في طي الزمان. وفي مأرب، على كل حال، لم تكن الإدارة زاهية وزاهرة. لقد كانت مقرًا لعصابة نهابة وبطاشة، وأقوى الأدلة أن الحميقاني الذي قاد المغامرة في البيضاء، كان خارجًا من الاعتقال الطويل في مأرب بتهمة انتمائه للمؤتمر الشعبي العام؛ الشريك القديم للتجمع اليمني للإصلاح.
كانت حسابات القابضين على الشأن العام في مأرب وما وراءها، تركز في صنع القرار ألا يشترك معها أحد، ووراء هذا ألا يشاركهم الغنائم والمكاسب. وهكذا فإن النظر للسياسة والحرب، وباعتبارهما مصدرًا للتكسب، قاد إلى هذا المآل المخيف.
ولقد يرى المتابعون أن الاستماتة في الدفاع عن مأرب وحدها، إنما تتصل بغناها بالنفط والثروة العقارية التي أقامها تجار الحرب خلال السنوات الست، لكنها في الواقع استماتة اليائس.
إن السؤال الجوهري الآن من يكتب السطر الأخير في الحرب؟ ومن يقرر نهايتها؟
كثيرون يكتبون ويخاطبون طرفي الحرب الرئيسية في الداخل؛ الحوثيون والحكومة المعترف بها دوليًا، رغم أنهم يدركون أن هذه لا تستطيع ولا تملك أن تقرر، فضلًا عن أن الحرب خلقت لأطرافها مصالح تدفعها إلى الاستمرار والانغماس فيها.
وإذن، من يملك القرار؟
ليس التحالف بالتأكيد. وليست السعودية على وجه التحديد، بعد أن ثبت أنها تمشي بعكازين لأن ساقها العسكرية مكسورة، وساقها السياسية ضامرة.
وليست الولايات المتحدة التي تتحكم بحياة ومستقبل ومصائر أمم عديدة، وتكاد تحتل مركز سيد العالم منذ تدحرج جليد الحرب الباردة، ووقع على رأس الاتحاد السوفيتي، وحيث تعزز الاعتقاد بأنها عقدت العزم على إنهاء الحرب في اليمن بناءً على إعلان “جو بايدن” بعد دخوله البيت الأبيض، وعين مبعوثًا خاصًا لبلاده في اليمن.
وليست بريطانيا التي يشدها الحنين إلى عدن، حيث ماضيها الاستعماري، وحيث تقبض الآن بمفاتيح الصراع على الموانئ والنفط والغاز.
وليست بريطانيا وأمريكا متحدتين، ولا الاتحاد الأوروبي الذي نجح في تسمية ممثله السويدي مبعوثًا للأمين العام.
ليس أغلب الظن، ولكنه ليقين أن إيران هي التي ستقرر وتكتب الجملة الأخيرة والنقطة الأخيرة في بيان الحرب.
نعم، قد تشترك مع بريطانيا، ولكن بصياغة إيرانية وبلغة فارسية.
ولايزال المطاف في أوله بالنسبة لإيران كمطلب أمريكي يرج الشرق الأدنى والوطن العربي بخاصة، بإحياء حروب الطوائف كي تستقر إسرائيل، وتمد طغيانها على البلاد العربية، حيث الحكام يعتقدون أن وجودهم أو فناءهم يقرر في تل أبيب وواشنطن.

الأكثر قراءة