المشاهد نت

دوامة يمنية وسلام منزوع المياه

جمال حسن

جمال حسن

كاتب صحاقي يمني


بلغت الحرب في اليمن عامها السابع، ومازال المشهد يزداد تعقيدًا، فالنزاع أصبح مجموعة نزاعات وتدخلات لقوى إقليمية ودولية، يتوالد فيها أكثر من طموح. فالفراغ الناشئ عن انهيار السلطة يسيل لعاب كل أولئك اللاعبين، في الداخل تحاول أطراف مسلحة تعزيز نطاق سيطرتها أو تأكيد نفوذها المحلي بإجراءات تنزع للتفرد بشكل من الحكم الذاتي والنفوذ السياسي، وهناك سواحل طويلة وجزر تفتح شهية قوى متصارعة على التحكم في ممرات مائية في غاية الأهمية. بينما تلوح قضية إنهاء الحرب، كمسعى يتداوله خطاب المجتمع الدولي.

أن الأرضية الهشة المبقية للصراع تفتح مجالًا للخارج في إحكام السيطرة على الممرات المائية التي شغلت الإمبراطوريات عبر التاريخ. ويستحضر المشهد نفسه مع تواجد قوات أمريكية وبريطانية في المهرة


فهل تكون قاعدة السلام الهشة المزمع دفعها تقوم على النسيج المهترئ لتجربة التقاسم الطائفي في لبنان أو العراق. بمعنى أن الأرضية الهشة المبقية للصراع تفتح مجالًا للخارج في إحكام السيطرة على الممرات المائية التي شغلت الإمبراطوريات عبر التاريخ. ويستحضر المشهد نفسه مع تواجد قوات أمريكية وبريطانية في المهرة، جاءت بذريعة مراقبة أو حماية طريق الملاحة الدولية. وفي خليج عدن تكتظ البوارج الحربية لجنسيات مختلفة، وهذا يحملنا على القول بأن أمد الصراع سيطول، وما يطرح حول السلام في اليمن غايته الحفاظ على أطراف يشكلون رأس حربة لكل نزاع قادم.
باشرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عملها وفق أولويات، منها إنهاء الحرب في اليمن، وإعادة إيران للاتفاق النووي الذي ألغاه الرئيس السابق دونالد ترامب. ويبدو أن الملفين متصلان ببعضهما، ومضمون الحل يراهن على شكل من المحاصصة الطائفية والمناطقية، أي أن كل اتفاقية ينبغي أن تضمن لكل طرف دورًا سياسيًا. ومثل هذا الرهان لا يمكن أن يكون مخرجًا، فترسيم الوضع كهويات تمثلها سلطات يتم تقاسمها بين أطراف النزاع، سرعان ما سيفضي إلى أزمات، واليمن لن توفر استقرارًا خادعًا، كالذي عاشه لبنان بعد اتفاقية الطائف. لكن من المحتمل أيضًا إيجاد حدود تماس وقواعد سياسية تشغلها التدخلات، فاليمن أرض مفتوحة لصراعات ومصالح أكثر تعقيدًا مما نظن، ولو أن هناك شكلًا من التبسيط العام تثيره مواقف الدول المختلفة، فهناك يرتسم طريق تتداخل فيه سياسات إقليمية ودولية، تنظر لليمن ومعاناتها الإنسانية كهامش. وعملت الحرب على تصديع البنية الهشة لليمن كوطن، من خلال ميزان تتقاسمه قوى ضعيفة، بحيث لا يمكن لطرف حسم معركة، أو أن يكون حاسمًا.
وإذا لاحت إمكانية لأي طرف، بتحقيق نصر يقلب المعادلة، تحضر أكثر من مساندة، في مأرب يتدخل الطيران بصورة فعالة، وفي الحديدة تعمل آلية ضغط دولية على تفعيل اتفاقية. وبما أن دعوات إيقاف الحرب في مارب أخفقت، تشكلت عجلة استنزاف تدور بين المتحاربين. ولعل خارطة كتلك تسمح لمزيد من التدخلات، لكنها تتعسف على مصير اليمن كمجتمع وقضية سياسية، وتعطل سنواته في رؤى عقيمة لن تفضي لشيء، وكلما طال أمد الصراع، استمرت ذرائع إرسال قوات إلى المنطقة، وظلت الجزر والسواحل الممتدة رهنًا تتصرف به دول. هل هذا ما يؤكده تداعيات الهجوم على ناقلة نفط إسرائيلية قبالة عمان. وتشكلت ذرائع بموجبها لتواجد قوات أمريكية وبريطانية في المهرة.
تجردت الأزمة اليمنية من بعدها المحلي، فكانت مشكلًا إقليميًا ثم دوليًا، أو كانت كل ذلك، لتفتح شهية قوى من هنا وهناك، ويبدو أن الصورة تفسخت في الحرب لتصبح دمى متحركة بغايات مختلفة، بحسب ما أعلنه بيان للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، أن الناقلة تعرضت لهجوم بثلاث طائرات مسيرة، مؤكدًا أن تحليل الخبراء لبقايا الطائرات المسيرة أثبت أنها مصنوعة في إيران. وتأتي التطورات بعد صعود الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي المرتبط بالجناح المتشدد في نظام طهران.
بلغ التصعيد بين واشنطن وطهران ذروته على خلفية الحادثة، ويبدو أن اليمن تتشكل كمرفأ لهذا اللغط المحتشد بتصعيداته كما في انفراجاته، أي أنها ستكون علامة سيميائية بين النصوص، كان هناك تصادم أو اتفاق.
من وجهة نظري، لن تذهب الأمور إلى حرب ‏على خلفية ما توصل إليه الجيش الأمريكي، أرسلت لندن 40 من عناصر القوات الجوية إلى المهرة، ستتعاون مع قوة عمليات خاصة أمريكية، في تدريب قوات

لن تذهب إدارة بايدن إلى تصعيد عسكري شامل مع طهران، رغم تأكيد البنتاغون الرد على ما سمته الاعتداء الإيراني، أقله على المدى القريب.

كوماندوز ضمن الجيش السعودي. وبحسب موقع Express البريطاني، فالاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية تعتقد أن الطائرات المسيرة تم إطلاقها من اليمن. وهو ما أكدته نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي دانا سترول، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، بأن الهجوم جاء من اليمن، وأضافت أنه هجوم مدعوم من إيران. لكن البنتاجون عاد بعد ساعات لينفي ما قالته المسؤولة بأن الطائرات المسيرة جاءت من اليمن.
ربما تراجع البنتاجون، القصد منه تخفيف الضغط على أحد أطراف النزاع في اليمن، ضمن مساعٍ تقودها إدارة بايدن من أجل جمع المتقاتلين في طاولة لإنهاء النزاع اليمني. وبتصوري لن تذهب إدارة بايدن إلى تصعيد عسكري شامل مع طهران، رغم تأكيد البنتاغون الرد على ما سمته الاعتداء الإيراني، أقله على المدى القريب.
‏لكن إنزال القوات الأمريكية والبريطانية في مطار الغيضة، يحمل دلالات أخرى. فاللافت أن شرق اليمن أصبح مقرًا لنشاط عسكري غربي، فحواه حماية خط الملاحة في خليج عمان وبحر العرب، من هجمات إيرانية أو جماعات موالية لإيران. وضمن القوات البريطانية وحدة مختصة بالمعدات الإلكترونية، من أجل قطع الاتصال. ولا نعرف كم من الوقت ستبقى تلك القوات.
تحضر كذلك إشارة لافتة في الحدث، هناك نوع من إزالة رمزية الحكومة اليمنية في المشهد، أي أنه تم بتفاهم مع الرياض، كما أن التدريب يقتصر على قوات كوماندوز سعودية، مع أن الحكومة اليمنية أيضًا بحاجة لتدريب قوات لها على القيام بمهام كتلك. فهناك تصرف سعودي كلي في المهرة، كما نرى تصرفًا إماراتيًا في سقطرى. ونرى أيضًا أطرافًا مسلحة تعمل كأذرعة لقوى أجنبية. على أن اللعب المباشر والتصرف الكلي في أراضٍ يمنية، يحملنا على التكهن بأن سياسة التحالف في اليمن تتماهى مع إبقاء الحكومة خارج اليمن. على الأقل تلك الدوافع ستعمل على إبقاء معادلة النزاع اليمني تتقاسمها الأطراف الحالية لعدة سنوات، ما لم تحدث متغيرات.
أثار التواجد الأمريكي والبريطاني في المهرة انزعاجًا عبرت عنه لجنة اعتصام المهرة، بدعوة أبناء المحافظة للكفاح المسلح ضد التواجد الأجنبي. وكما يبدو الأمر تعاون لوجستي بين حليفين في أرض يمنية، لا بد أن ذلك يثير تعقيدات جديدة.
‏من جهة أخرى، ستعمل جماعة الحوثي على تعزيز خطابها ضد ما تؤكد أنه احتلال في الجنوب اليمني، أو ما تعتبر أنها تتعرض لحرب صهيونية أمريكية.
مع ذلك، تدور تصورات من أجل التهيئة لاتفاقية سلام، في وقت تم الإعلان عن الدبلوماسي السويدي هانز غروندبرغ كمبعوث أممي إلى اليمن، خلفًا لمارتن غريفيث. وهو المبعوث الرابع في اليمن منذ 2011، وسبق لغروندبرغ العمل كسفير للاتحاد الأوروبي لدى اليمن. ولن تكون مهمته أسهل من سابقيه، وفي الوقت نفسه، لن تتغير التصورات الجوهرية في أي بنود جوهرية يتم التحضير لها لتوقعها أطراف النزاع.
إنها نفس الفكرة المستهلكة، بتوزيع أدوار سياسية ثابتة، على خلفية طائفية أو مناطقية، تكون محاصصة ثابتة لا تتغير. ونقل الصراعات من سطح يمكن معالجته بترسيخ عملية سياسية تضمن للجميع حقوقًا سياسية وقانونية متساوية، إلى تشريع الانقسامات ضمن تمثيلات سياسية ذات وعي طائفي أو مناطقي. هل هيأت الحرب لهكذا طريق وكان للفاعلين فيها دور في استقرارها على تلك الماهية، أحزاب ربما ما يحدث في المهرة والممرات المائية، وما يحدث في الجزر، وكذلك ما تمارسه أطراف النزاع، يجيب على ذلك. واشتركت المقاصد والمطامع في تبديد اليمن كشظايا، ستعمل الأغراض على ترميمها في نصوص وعلامات لا أكثر، بينما على الأرض ستبقى المعاناة الإنسانية، كهامش يتم تحديد مصيره وفق مصالح يتم توزيعها وتحديد أدوارها لقوى تمثلها أذرع داخلية، وقوى أخرى تمثلها دول إقليمية.

الأكثر قراءة