المشاهد نت

حتمية الاندثار في تركيبة الظاهرة الحوثية

عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

كاتب صحافي يمني

لن تجد الحوثية -الظاهرة والحركة- في واقعها الراهن وفي تاريخها الظاهر منذ العام 2004، سوى هذا الاسم الدال على شخص بلقب عائلته، ومهما حاول الحوثيون الهروب من لعنة العائلة إلى مسميات لها طابع القداسة الدينية، كالمسيرة القرآنية أو أنصار الله، فإنها لن تفلح في الخروج من دائرة الحوثية اسمًا ومسمى، لفظًا ودلالة.
ولا يمثل الانتساب إلى شخص أو عائلة نقصًا أو عيبًا في أية ظاهرة حركية لها فضاء أيديولوجي مفتوح على ما يجمعها بالإنسانية في مجتمعها الصغير أو الكبير من سمات الشراكة في الانتماء والهوية وفي الأغراض والمصالح، غير أن الحوثية مختلفة عن كل ما يعرفه التاريخ عن مثل هذه الظواهر والحركات الخاصة والعامة، بما في ذلك المحيط التاريخي والاجتماعي الذي نشأت فيه الحوثية، وترعرعت في مساراته الثقافية والسياسية، سواءً الزيدية كمذهب فقهي أو الهادوية كمذهب سياسي وسلطة تاريخية.
ولعل هذا وحده ما يجعلني شخصيًا على يقين نسبي من حتمية اندثار الظاهرة الحوثية، وزوالها من الواقعيين: الاجتماعي والثقافي الملازمين لنشأتها، والمرتبطين بحركتها التاريخية، فهي ليست تجديدًا للزيدية، ولا امتدادًا طبيعيًا للهادوية، وليست حتى دعوة أصولية إلى العودة إلى الماضي أو سلفيته بالمعنى الحرفي لامتداد السلف في الحاضر.
فالحوثية ظاهرة مهما تطاولت بها الأعوام، ستندثر، لأنها في بنيتها وفي وظيفتها الخاصة والعامة، تحمل عوامل الاندثار وحتمية الانتماء إليه كمصير في وقت أقرب إليها مما تتصوره الجماعة أو يتوهمه غيرها من خصوم ورعاة، وليس في هذا ضرب من التمني، ولا رجم بالغيب، فالحوثية وإن ساد في الواقع أنها حركة محكمة التنظيم واسعة القدرة على التحكم في القرار ومساراته السياسية والعسكرية، إلا أنها محدودة الخيارات، ضيقة الأفق على المناورة في مجالات التوسع العملي القابل للشراكة والمشاركة مع الناس.
يمكن إيجاز العوامل التي تحتم اندثار الحوثية في الآتي:
الأول: السلالية:
وهو المبدأ العقدي الأهم لدى الحوثيين، ويقوم على ادعاء احتكار ولاية السلطة في أولاد علي: الحسين عند الجعفرية، والبطنين عند الزيدية والهادوية، غير أن الحوثية لم تظهر حتى الآن، إلى أي المذهبين تميل، وإن كانت قد حسمت خيارها على أنها ليست من الشيعة الإسماعيلية، وفي هذا نقطة ضعف قاتلة، لأن الغموض الحوثي حول أصول المذهب الفقهي يثير الشكوك حول ضلوع الحركة أو قل الجناح المرتبط فيها بإيران في مقتل رموز الزيدية السياسية أمثال جدبان والمحطوري وشرف الدين وحسن زيد.

حتمية اندثار الحوثية في التناقض الجدلي بين عامة الشعب وفئة الاحتكار والاستئثار, وهو التناقض الذي يحتم الصراع بين أغلبية ستنتصر لحقها ومصالحها وأقلية مها ظهر لها من سلطان قوتها


ولئن كان الغموض المذهبي للحوثية، يحافظ على تماسك الجماعة في هذه المرحلة، فإنه مستقبلًا يثير خلافات داخل الصف الهاشمي الذي يمثل النواة الصلبة للحوثية، من باب الاختلاف حول ولاية البطنين أو احتكار الولاية في نسل الحسين، وبعيدًا عن قبح الفكرة السلالية نفسها، وقبح الممارسات الظاهرة منها حتى الآن، فإنها مرتكز خلاف سلالي في المستقبل القريب بين الزيدية والتشيع الإيراني، أو بمعنى أدق بين ولاية البطنين وانفراد نسل الحسين في الولاية التي هي الآن سلطة وثروة، نفوذ ومصالح.
وإذا كانت الفكرة السلالية قبيحة نظريًا وعمليًا، ولو من باب الانتساب إلى ولاية علي بن أبي طالب وذريته، بين الأدعياء من نسله، فإنها أقبح حين تتوسع إلى محيطها المجتمعي لتكون معيارًا للحقوق والواجبات بين سلالة لها كل الحق وشعب عليه كل الواجبات، فالقول بأن الله أوصى بالولاية لعلي ونسله من فاطمة بنت محمد فقط، هو خرافة أصحاب الأطماع في التسلط على الناس والاستئثار بمكاسب السلطة من ثروة ونفوذ.
وهنا تظهر حتمية اندثار الحوثية في التناقض الجدلي بين عامة الشعب وفئة الاحتكار والاستئثار، وهو التناقض الذي يحتم الصراع بين أغلبية ستنتصر لحقها ومصالحها، وأقلية مهما ظهر لها من سلطان قوتها في الحاضر، فإنها لن تبقى قوية إمام زحف الجموع التي علمتها ثورتا سبتمبر وأكتوبر معنى الحق الإنساني في المواطنة، وما يترتب عليها من مصالح وحقوق مكتسبة بالأهلية والكفاءة، وليس بادعاء خرافي عن النسب والامتدادات الوراثية.
الثاني: الطائفية:
وهو المبدأ الذي يؤكد خروج الحوثية عن الوطنية اليمنية ومقتضبات السياق التاريخي لتجسدها الاجتماعي على الجغرافيا السياسية للجمهورية والوحدة والديمقراطية، وهي مبادئ ليست في مجال المناظرة مع الحق الديني، وإنما في صلب الصراع على المصالح والحقوق، وعلى المكاسب والنفوذ، وبمعنى أدق أن الناس، عموم الناس، في اليمن، بمن فيهم الهاشميون الذين ستقصيهم نزعة التشيع الإيراني، سوف يقاومون القهر الحوثي، ويعارضون سلطة الاحتكار والاستئثار بكل ما يمنحهم حق البقاء والتمتع بالحياة من قوة في مواجهة الاستعباد والاستعلاء العنصري للحوثيين.
والطائفية الحوثية لا تستدعي النقيض الطائفي لها في المجتمع اليمني فقط، وإنما تمتد إلى محيطه الخارجي، وما يعتمل فيه من تجاذبات الصراع بين السنة والشيعة، أو بين إيران وجوارها العربي. وهذه التجاذبات الخارجية ظاهرة الآن في مأساة الحروب التي فجرها الخروج المسلح للحوثيين على الشرعية الوطنية، وعلى التوافق السياسي الذي مثلته الفترة الانتقالية، وخرج به مؤتمر الحوار الوطني مطلع العام 2014.

الطائفية الحوثية لا تستدعي النقيض الطائفي لها في المجتمع اليمني فقط، وإنما تمتد إلى محيطه الخارجي، وما يعتمل فيه من تجاذبات الصراع بين السنة والشيعة، أو بين إيران وجوارها العربي


وهكذا تكون الطائفية الحوثية، حركة صراع بين قلة مناهضة في حركتها وفي أهدافها ومصالحها لأغلبية تجد في الوطنية اليمنية وحدها مصدر البقاء والمصير، والأمر هنا أن الحوثية ظاهرة خارج السياق الاجتماع والثقافي لتجسدات الوطنية اليمنية المعاصرة.
الثالث: السرية التنظيمية المسلحة:
وفي هذا، تمثل الحوثية في بقائها، وقبلًا في وجودها الذي نشأت به واستمرت عليه حتى الآن، حركة مغلقة على الذات عصبة على الانفتاح على الغير أو القبول بالشراكة معه أو المشاركة، فيما يجمع الكل على الحق في السلطة والثروة وفي القرار والإدارة، وهنا تعتمد الحوثية، أو هي تستند في إحكام سيطرتها على المجتمع وبقاء سلطتها في الدولة، على احتكار القوة المسلحة وإبقائها سرًا مقفلًا على مساءلة المجتمع أو محاسبته لشرعيتها وممارساتها.
والحركة الحوثية منذ منحتها فوضى العام 2011 شرعية الحضور الاجتماعي والسياسي، لم تستطع أن تمنح زعيمها الحالي، عبدالملك الحوثي، بعد مقتل أخيه حسين في 2004، صفة الحضور الاجتماعي في المجتمع أو السياسي في المجال السياسي وسلطة الحكم، فالحوثي عبدالملك قائد الثورة، والمسيرة القرآنية، ولم يطلق عليه أحد في الحركة حتى الآن صفة الزعيم لمسمى أنصار الله أو رئيس مكتبها السياسي، أو حتى صفة المرشد الأعلى للثورة حسب التوصيف الإيراني لسلطات الحكم في طهران.
وإذا كانت الحوثية، عصية بمبدأ السلالية على الاندماج في مجتمعها، وبطبيعتها الطائفية عصية على الدخول في سياقات الوطنية اليمنية، فإنها بحكم سرية تنظيمها المسلح، عصية على الاندماج في الدولة ومؤسساتها الرسمية، لذلك يصر الإعلام الحوثي رغم ادعائه تمثيل الوطنية اليمنية في مواجهة تحالف دعم الشرعية، على التفريق بين الجيش والجناح العسكري للحوثية، المسمى لجانًا شعبية.
وهناك عامل رابع يحتم اندثار الحوثية، لكنه لا يخصها وحدها، وإنما يعم كل الجماعات الدينية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، لأن هذه الجماعات تنازع الوطنية حقها الطبيعي في التجسد السياسي كدولة، والتجسد الاجتماعي كهوية جامعة لعموم الشعب، وتلجأ هذه الجماعات، وبخاصة الحوثية والإخوان، إلى خرافات الولاية وأوهام الخلافة ضدًا على مبدأ المواطنة، وحربًا على السيادة الشعبية وما تجسده من قيم ومؤسسات تؤكد أن الشعب وحده مالك السلطة السياسية ومصدر كل شرعية مترتبة عليها.
وهنا تبدو المقاومة الوطنية للحوثية ضعيفة أو مسلوبة بسبب سيطرة الفكرة الإخوانية على قرار الشرعية وإدارة عملياتها السياسية والعسكرية.

الأكثر قراءة