المشاهد نت

بن عديو أخر أوراق هادي القوية

نبيل البكيري

نبيل البكيري

كاتب صحافي يمني

فجأة، ودون سابق إنذار، يصدر هادي قرارًا بتغيير محافظ شبوة ورجل الشرعية الأقوى، الأستاذ محمد صالح بن عديو، في سابقة ربما لم تحدث من قبل، أن يتم إقالة مسؤول ناجح من منصبه، على غير العادة في هكذا أمور، وفي ظرف استثنائي كهذا الذي تمر به الشرعية اليمنية عمومًا.
فمحمد صالح بن عديو، على مدى 3 سنوات، مثّل حالة إيجابية ونموذجًا متقدمًا لرجل الدولة، الذي استطاع في ظروف بالغة السوء، أن يقدم صورة ناحجة ومسؤولة، وعند مستوى التحديات التي تمر بها محافظته واليمن ككل، هذه الصورة التي لم تعد موجودة اليوم في ذهن وتصور كل من يمكن اعتبارهم مسؤولي الشرعية المهاجرة في المنافي والشتات الكبير.
سعى بن عديو، بكل ما أوتي من صلاحيات، للعمل في ظروف بالغة الصعوبة والسوء، لتقديم ما يكن تقديمه من خدمات وتنمية في زمن الحرب والخراب، ولم يقف عند هذا الحد من الأداء، وإنما ذهب بعيدًا في التعبير عن وظيفة رجل الدولة في زمن سقوط الدولة وميوعة تعريفها لدى قطاع كبير من مسؤولي هذه اللحظة، فكان بمثابة التجسيد الحقيقي لمعنى رجل الدولة الذي يعرف حدود ونطاقات هذه الدولة، وكيفية الاشتغال عليها.
لم يغادر الرجل للحظة خارج محافظته، في الوقت الذي يعيش فيه كل رجال الدولة ومسؤوليها منذ 7 سنوات مضت، خارج البلاد، بلا أي عمل أو مسؤوليات، سوى تقاضي وتلقي رواتب ومكافآت خيالية، دون أي معايير قانونية لها، ودون حتى القيام بأي أعمال يمكن القيام بها، في نطاق مسؤولياتهم، سوى التمثيل الصوري للمناصب والمواقع القيادية العليا في الدولة كوزراء ومحافظين ووكلاء ومستشارين، وغيرها من المناصب القيادية العليا في الدولة.

سعى بن عديو، بكل ما أوتي من صلاحيات، للعمل في ظروف بالغة الصعوبة والسوء، لتقديم ما يكن تقديمه من خدمات وتنمية في زمن الحرب والخراب


لقد قدم محمد صالح بن عديو تجربة أعاد من خلالها تعريف الكثير من الأمور في ضوء هذه اللحظة الوطنية بالغة السوء، فلم يتعذر بالعراقيل والمعوقات التي تقف في طريقه كمسؤول دولة، وإنما مضى بكل إخلاص وثبات لانتشال ما يمكن انتشاله من صورة الدولة المنهارة في أذهان الناس، وصورة المسؤول الحقيقي في هكذا ظروف.
ورغم كل هذا المسؤوليات والواجبات، التي سعى بن عديو للقيام بها في ظرف كهذا، واصطدامه الكبير بجدار الفساد والفشل والعجز والخذلان، إلا أنه استطاع تحقيق الكثير من النجاحات، وعلى كل المستويات، وفي مقدمتها، إعادة الاعتبار لصورة رجل الدولة الذي فقدته اليمن كثيرًا في هذه المرحلة، لأن رجل الدولة صار في هذه المرحلة، شيئًا من الماضي، الذي لا يمكن استعادته، وغدت الدولة جثة يقتات منها الجميع.
وأمام كل هذا الاشتغال، في واقع مليء بالإحباطات، نجح الرجل، وقدم تجربة محترمة، ومثل ورقة قوية للشرعية المتداعية والمنهارة كل يوم، الشرعية التي لم تستطع القيام بأي شيء، سوى البقاء الطويل في المنافي والشتات، وفسادها الكبير بأموال الشعب خارج أي تصنيف قانوني لهذا العبث بأموال خزينة الشعب الذي يرزح تحت نير العبث والفوضى القاتلة لأمنه واستقراره وقوت يومه، الذي أصبح غير قادر على الوفاء به في ظل انهيار اقتصادي شامل انعدم فيه الحد الأدنى من العيش والكرامة.

بعيدًا عن كل هذه الصورة الوردية والحقيقية لما قام به المحافظ بن عديو، الذي كان يعتقد من خلال كل ما يقوم به أنه يعمل جاهدًا لإنقاذ الوضع، وانتشال البلاد من وهدة سقوطها الكبيرة، ومع ذلك ربما لم يدرك الرجل أن ثمة أناسًا في قمة الهرم القيادي للشرعية، يغارون من أية حالة نجاح لأي شخص كان في هذه اللحظة


ما قام به بن عديو، كان هو محاولة في حدود صلاحياته وجغرافيته، أن يقدم صورة مغايرة لعبث الشرعية ولامسؤولياتها، ويقدم صورة مغايرة تمامًا، للمسؤول الهارب والفاسد والمنحط، صورة لإمكانية الفعل والعمل وفقًا للمتاح والممكن، في واقع سياسي محبط و لا ممكن فيه مطلقًا، وفقًا لسياسات القائمين عليه، الذين أفشلوا وأفسدوا كل محاولة للعمل وتقديم نموذج ناجح.
وبعيدًا عن كل هذه الصورة الوردية والحقيقية لما قام به المحافظ بن عديو، الذي كان يعتقد من خلال كل ما يقوم به أنه يعمل جاهدًا لإنقاذ الوضع، وانتشال البلاد من وهدة سقوطها الكبيرة، ومع ذلك ربما لم يدرك الرجل أن ثمة أناسًا في قمة الهرم القيادي للشرعية، يغارون من أية حالة نجاح لأي شخص كان في هذه اللحظة، ويعتقدون أن أية حالة نجاح لأي مسؤول كان هي تهديد لوجودهم ومصالحهم غير المشروعة على حساب الوطن ونزيفه الكبير لكل مقدراته.
7 سنوات، أعتقد أصبحت كافية للوقوف أمام حقيقة أنه لم يعد هناك ما يمكن التعويل عليه، في ضمائر معطوبة وفاسدة، رهنت كل شيء لبقائها أكبر فترة ممكنة تستحوذ على امتيازات غير مشروعة، لمناصب معطلة من مهامها ومفرغة من مسؤولياتها التي يجب عليها القام بها، دستوريًا وقانونيًا وأخلاقيًا ووطنيًا.
فلم يكن قرار تغيير بن عديو، واستبداله بشخص مفروض إماراتيًا وسعوديًا، سوى التعبير الأوضح للحال التي وصلت لها اليمن في ظل شرعية هادي، المهاجرة في الرياض، هذه الشرعية، لم يعد لها من شكل الشرعية سوى الاسم، فيما هي أصبحت جسدًا مفرغًا من كل معانيها السيادية والدستورية والقانونية والوطنية.
ومن هنا، لم تكن إقالة محمد صالح بن عديو، غير المعلنة، إلا تعبيرًا واضحًا للوضع الذي وصلت إليه اليمن، والعبث الذي ضرب الشرعية اليمنية التي رهن هادي وحاشيته ومستشاروه، وحكومته، قرارها بيد السعودية والإمارات، وأصبحت اليمن مسرحًا للعبث الكبير بها، كدولة بلا سيادة مطلقًا، يمارس فيها الخليجيون والإيرانيون كل ما يحلو لهم من عبث وإجرام بمقدرات البلاد وأمن أهلها واستقرارهم.
وبهذا يكون هادي، من خلال هذا القرار الكارثي، دشن أخر محطات وجوده على رأس هذه الشرعية، التي تلاشت، ووصلت مرحلة التلاشي، بإسقاطها آخر رجالها الأقوياء في الداخل، لتكون بهذا قد وصلت مرحلة النهاية، وفقدان هادي آخر أوراقه القوية جنوبًا، وتسليم آخر جغرافيا تخضع سياسيًا لسلطة الجمهورية اليمنية دستوريًا، المعترف بها دوليًا.
وكل هذا ليس في مصحلة أحد، سوى استمرار هادي وبنيه ومقربيهم، في مواقعهم الصورية لتمرير سياسات الأخرين، على حساب مصلحة اليمن وسيادتها، وكرامة شعبها، ومع ذلك فإن في كارثة ما يجري تكشف لليمنيين، أنه لايزال ثمة رجال كبار بحجم وطنهم وبلادهم، رجال أكبر من كل احتواء، وأكبر من كل المناصب، رجال يحفظون بمواقفهم صورة الأبطال الحقيقيين الذين يضيفون لمواقعهم قيمة، ويضيفون للمسؤولية معنى، ولا يمكن احتواؤهم أو تدجينهم، هؤلاء الرجال الكبار الذين يمثلون آخر رموزا للوطنية والنزاهة، والذين تحترمهم شعوبهم، وتجل تضحياتهم ومواقفهم الوطنية التي تمثل وقودًا لاستمرار النضال حتى استعادة الوطن ودولته وجمهوريته.

الأكثر قراءة