المشاهد نت

عام بلا سمات؛ وحمامة بيضاء بين سوداوات

جمال حسن

جمال حسن

كاتب صحافي يمني

لا أجد تقييمًا مناسبًا لهذا العام على المستوى اليمني، وهو مع ذلك ليس أقل كارثية من سابقه،. فسعار الحرب لم يتوقف، ونزيف اليمنيين ظل هادرًا كما لو كان اعتيادًا، فيما كل الأزمات التي تجمعت ظلت مرابطة في محلها. إنه عام أكثر ما يمكن القول عنه؛ عديم السمات، حتى مساوئه لا ملامح لها، تتغلغل دون شكل، ما يجعله واحدًا من أسوأ الأعوام.
ومع أنه شهد متغيرات، إلا أنها جاءت بمضامين قديمة، فطائرات التحالف عاودت قصفها للعاصمة صنعاء، خلال آخر شهور العام، بعد فترة طويلة من التوقف. إحدى الهجمات استهدفت شارعًا عامًا في صنعاء. بينما استمرت الصواريخ الباليستية تستهدف مدينة مأرب من جانب قوات الحوثي، التي تحاول السيطرة عليها منذ عامين. وتلك علامات حرب جائرة بحق اليمنيين، تؤكد أن السلام مشروع مؤجل إلى أجل غير مسمى. وها هي سبع سنوات عجاف تمر دون أن تأتي معها سبع أخرى سمان.
كما أن تعيين هانز غروندبرغ مبعوثًا أمميًا رابعًا، في سبتمبر الفائت، لم يأتِ على طريقة سابقه الذي تزامن تعيينه مع التحضير لاتفاق ستوكهولم. وما حمله ذلك من تلويح، وإن خادع، لأمل إنهاء الحرب.
لكن، مع وصول المبعوث الجديد، الذي تواجه اليمنيين صعوبة في حفظ اسمه مقارنة بسابقيه، حدثت مسألة جديدة مسرحها الساحل الغربي أيضًا. فالقوات المشتركة انسحبت عن مشارف ميناء الحديدة، وأعادت تموضعها في جنوب محافظة الحديدة. وعادت المعارك هناك، بين القوات المدعومة من التحالف والحوثيين، حيث استعادت الأولى مديرية حيس.

وحرص الإعلام التابع لتلك القوات على تصوير الانسحاب كمحاولة للهروب من اتفاق ستوكهولم، حيث أوقفها، قبل سنوات، من بلوغ ميناء الحديدة الاستراتيجي.
كان عامًا قائمًا على تكرار باهت لوقائع سبق حدوثها، إذا استثنينا متغيراته على صعيد التقدم الذي أحرزه الحوثيون. نجح مقاتلو الحوثيون في إحكام قبضتهم على كافة المناطق في محافظة البيضاء، ومنها سيطروا على بيحان شمال شبوة، ليفتحوا جبهة في جنوب مأرب، بلغت بهم إلى الجوبة والجزء الشرقي من جبال البلق، القريب من سد مأرب.
من هذه الناحية، كان يبدو عامًا مهمًا بالنسبة للحوثيين، الذين يسعون للسيطرة على مأرب. وعلى الأرجح أن ينهوه وقد حققوا غايتهم هناك. لكنه عام لا يحمل في طياته علامات كاملة للأشياء، مبقيًا عليها مراوحة وغير مكتملة.
تلك المراوحة، تبدو أكثر فجاجة في ما يتعلق باتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، والذي لم ينفذ منه سوى شق واحد، وهو المتعلق بتشكيل حكومة. فيما بقي الشق العسكري، الذي من شأنه ضم قوات المجلس الانتقالي العسكرية والأمنية، في إطار وزارتي الدفاع والداخلية. ولم تنجح الرياض في الضغط على الطرفين، خصوصًا “الانتقالي” الذي يرفض تنفيذ هذا الشق.
لقد سعى “الانتقالي إلى إخراج الحكومة من عدن، بعد عودتها أواخر 2020، وفق ما نص عليه اتفاق الرياض. وكان المسؤول عن ذلك في مارس الماضي، عندما ترك محتجين يقتحمون بالسلاح قصر معاشيق، مقر إقامة الحكومة في عدن. وكذلك عمل الانتقالي على إعلان قانون طوارئ، وأيضًا ما سماها إدارة ذاتية، لكنه تراجع بعد ضغوط سعودية. وكان لذلك إرهاصات، تسببت بتهاوي الريال في مناطق سيطرة الحكومة، ليبلغ أدنى قيمة له.
إنه أيضًا عام انتهى بالتراجع عما بدأه، فبعد تدهور الريال مقابل العملات الأجنبية، عاد للصعود بعد تعيين محافظ جديد للبنك المركزي. كان أيضًا الجزء الراكد في هذا الجانب، هو رجوع الحكومة، دون أن يكون لذلك أثر على تنفيذ الاتفاق، وبحيث لا يمكن معرفة ما إن كان بقاؤها سيدوم أو أن “الانتقالي” سيعمل مجددًا على إخراجها.
على صعيد آخر، عين الرئيس هادي محافظًا لشبوة، وتم تعزيز جبهة بيحان بمقاتلين من قوات العمالقة الجنوبية. ومن المبكر القول، ما إن كان وصول تلك القوات سيغير من وجهة المعارك في بيحان وربما في مأرب، أي في مسار عكسي لما بدأه الحوثي. وهذا يحيلنا إلى السمة نفسها، كونه عامًا يبدأ بأمر وينتهي به معكوسًا. وربما تلك التغيرات العكسية ستفرض نفسها على مجرى الأحداث، العام القادم، بشكل أكثر جدية.
وربما لذلك إيحاء بتقلبات، فمن ناحية يمكن النظر لهذا العام في اليمن، على أنه صدى أقل إثارة من سابقه. أو أنه رد على ما سبق أن حدث خلال العام السابق. ولا يمكن الحديث عن هذا العام، دون الإشارة لوفاة السفير الإيراني إلى صنعاء حسن إيرلو، بعد أكثر من عام على وصوله صنعاء. حيث أعلنت طهران عن وفاته بمرض كورونا، بعد أيام من الإعلان عن نقله من صنعاء إلى طهران، لتلقي العلاج.

لا يبدو أن السلام يمكنه الإدلاء بشيء في ضجيج الحرب، أو على الأقل ذلك ما أخبرتنا به السبع السنوات العجاف. وبعد عام عديم السمات ماذا نرجو؟ فاليمن أصبح ملونًا بالنزاعات والتشظ


بعد أيام من الإعلان عن وفاة إيرلو، ظهر السعودي تركي المالكي، المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، مهددًا جماعة الحوثي بأنهم يعرفون أين هي أماكن قياداتها. كانت هناك رسائل عديدة، في فحوى حديثه. وكما جرت العادة، أعرب عن دعمهم لأية عملية أممية تدعم السلام والحوار.
ولا يبدو أن السلام يمكنه الإدلاء بشيء في ضجيج الحرب، أو على الأقل ذلك ما أخبرتنا به السبع السنوات العجاف. وبعد عام عديم السمات ماذا نرجو؟ فاليمن أصبح ملونًا بالنزاعات والتشظي. وقبل الخروج من تلك الصورة البائسة لهذا العام المنقضي، لا ننسى أول بطولة يحققها منتخب يمني.
وترك منتخب الناشئين علامات الفرح على كل اليمنيين، حتى إن المتصارعين عبروا بنفس الطريقة، نفس الشعارات، ونفس الزخات النارية. ففي بعض الجبهات كانت للمرة الأولى تتجه رصاصات المتحاربين في طريق واحد، أي إلى السماء، بعد سنوات من الاقتتال. فاز فريق الناشئين اليمني على نظيره السعودي، منتزعًا منه بطولة غرب آسيا. ليست بطولة كبيرة، لكنها حققت لليمنيين ما يحتاجون إليه. كان الأمر الوحيد الذي اتفقوا حوله وسط انقساماتهم.
وبعد خيبات سياسية، كانت الكرة بمثابة مواساة استحقها اليمنيون، واستحقوا أكثر منها ترنيمة سلام توقف الحرب. ففي عام بلا سمات، كان هناك حدث أفرح اليمنيين. وكانت البطولة مثل حمامة ناصعة البياض بين بيضات شديدة السواد. وكان يمكن أن تكون الفرحة مقدمة جيدة للسلام، لولا أن المتحاربين لا يعبرون عن غالبية اليمنيين، ففي عام بلا سمات جاءت المحاكمة لمشاريعهم عبر كرة القدم، وفي عام آخر سيأتي بشكل مختلف، وربما أكثر حدية وقسوة.

الأكثر قراءة