المشاهد نت

إنهاء حصار تعز كأولوية في صناعة السلام

عبدالعالم بجاش

عبدالعالم بجاش

كاتب صحافي يمني

في الطريق إلى ستوكهولم (ديسمبر 2018)، كانت تعز غائبة.. كانت الأمم المتحدة ومبعوثها آنذاك مارتن غريفيث قد عكفوا على مدى شهور للترتيب للجولة بسقف آمال مرتفع.
وكانوا يفكرون أنه بنهاية المفاوضات سيزف إلى الشعب اليمني خبر توقف الحرب أو انتهائها.
لقد ركزوا كل ثقلهم في الضغط على السعودية قائدة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وإلى حد لي ذراع محمد بن سلمان، بملف خاشقجي، وكان غريفيث ضمن أقوى دور أمريكي تجلى خلال مفاوضات ستوكهولم بحضور عالي المستوى للمسؤولين، على رأسهم أمين عام الأمم المتحدة.
في اليوم الأخير للمفاوضات، كانت مكالمة هاتفية لوزير خارجية الولايات المتحدة بومبيو مع ولي العهد السعودي، هي الحاسمة، إذ تم التوقيع من جانب الحكومة الشرعية اليمنية، تحت الضغط، رغم التحفظات حول بنود اتفاق كان واضحًا أنه جاء في صالح الانقلابيين الحوثيين.
أثناء ترتيبات الانطلاق إلى ستوكهولم، كانت الملفات المقررة محددة سلفًا، الحديدة وموانئها ومطار صنعاء والترتيبات الإنسانية.. لم يكن هناك أي ذكر لملف حصار تعز.
في اليوم الأول للمشاورات، اتضح أن فريق التفاوض الحكومي جمع على عجل، ولم يكن مرتبًا، ويفتقر لأي تصور محدد للانطلاق في التفاوض، بينما كان الطرف الآخر جاهزًا وأعد مسبقًا، إذ إن الملفات المقرة للتفاوض هي بالتحديد مطالبه.

رغم محورية حصار تعز كأحد أبرز مسببات الأزمة واستمرارها، كانت الأمم المتحدة والأطراف الأخرى أمام تعنت الحوثيين، تتخلى عن القيام بما يجب وفرض هذا الملف لمحوريته، وتتم إحالته وإزاحته رغم تضمنه في مخرجات المفاوضات


وبطريقة ارتجالية طرح فريق التفاوض الحكومي موضوع تعز ، ليتم إلحاقها دون نية حقيقية للتعامل مع القضية بجدية.
ورغم محورية حصار تعز كأحد أبرز مسببات الأزمة واستمرارها، كانت الأمم المتحدة والأطراف الأخرى أمام تعنت الحوثيين، تتخلى عن القيام بما يجب وفرض هذا الملف لمحوريته، وتتم إحالته وإزاحته رغم تضمنه في مخرجات المفاوضات.
مؤخرًا، وبالطريقة ذاتها، تضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه المبعوث الأممي إلى اليمن غروندبرغ، في بنده الرابع ملف تعز وفتح الطرق، على أن يتم لاحقًا الاتفاق بشأن ذلك.
تحول الأمر إلى عادة أممية إقليمية ومحلية؛ تحويل موضوع جوهري في النزاع له أولوية إلى مسألة هامشية، ليبقى حصار تعز ملفًا عالقًا وغير محسوم رغم بساطة المطلب وهو فتح الطرقات والممرات التي أغلقتها جماعة الحوثي، وتسببت بمعاناة كبيرة لملايين السكان.

من أين سيأتي التقارب إذا كان الإطار العام الناظم للدور الأممي والإقليمي والدولي غير مهتم لأحد أهم ملفات النزاع، ليس عن عجز دولي بين، وإنما لتدني الاهتمام الخارجي بشأن تعز وحصارها الطويل؟


إن الإطار العام لوظيفة الأمم المتحدة كميسر للمشاورات بين الأطراف، يتحول إلى وظيفة أخرى، وهي ترتيب ما يريده طرف فقط هم الانقلابيون الحوثيون، وليس القيام بتيسير التفاوض حول القضايا الجوهرية المسببة للصراع، لضمان هامش ولو بسيط من الحياد في الدفع لتقرير الأولويات في سبيل إنجاح الجهود الجارية والهادفة لوقف الحرب من خلال الهدنة التي يمكن أن تفضي إلى تقارب نحو حل سياسي شامل.
لكن، من أين سيأتي التقارب إذا كان الإطار العام الناظم للدور الأممي والإقليمي والدولي غير مهتم لأحد أهم ملفات النزاع، ليس عن عجز دولي بين، وإنما لتدني الاهتمام الخارجي بشأن تعز وحصارها الطويل، وهو شأن له ثقله داخليًا نظرًا لما يمثله من معاناة للثقل السكاني الأكبر على مستوى البلاد، ولرمزية تعز في الصراع، ومدى العدوانية التي يبديها الانقلابيون الحوثيون تجاهها، وإمعانهم في حصار المدينة وارتكاب عمليات قنص مستمرة للنساء والأطفال، وقطعهم الطرقات بطريقة عمدية لمفاقمة معاناة السكان.
إن تكريس جل جهود الأمم المتحدة لتصريف مصالح حوثية صرفة أبرزها سفن المشتقات النفطية في ظل متاجرة مكشوفة من قبل الحوثيين بهذه المواد في مناطق سيطرتهم عبر سوق سوداء، وعدم انفراج أزمة الوقود رغم السماح بتدفق السفن إلى ميناء الحديدة، هو حرف شائن لمهمة الأمم المتحدة، وقصر نظر في التركيز المتوازن على حلحلة ملفات جوهرية تتساوى في الأهمية، أحدها قضية حصار تعز، وذلك بغية وصول أفضل إلى نتائج متوازنة توفر مناخًا وتهيئة مناسبين نحو انفراجة ممكنة للأزمة، ليست مثقلة بكثير من الغبن، بخاصة لملايين المواطنين في محافظة مثل تعز.
والسبيل الوحيد لتصحيح انحراف موازين الأمم المتحدة يكمن في تحديد ملف حصار تعز كقضية رئيسية أولى للبت فيها وحسمها وممارسة ضغط حقيقي على الحوثيين، بما في ذلك إمكانية الضغط عبر التلويح بإمكانية حشد دعم إقليمي وعربي وموافقة دولية لكسر الحصار عن تعز عسكريًا، وهو أمر متاح وقابل للتحقق.
دون ذلك، فإن التعاطي الشكلي والهامشي مع موضوع حصار تعز يعقد الأزمة اليمنية والرضوخ الأممي والإقليمي والدولي إزاء صلف الحوثيين في ما يخص فتح الطرقات، لن يساعد على إنجاح الجهود الدولية الجارية لوقف الحرب وصناعة السلام.
ذلك أن صناعة السلام تقتضي دورًا أمميًا ودوليًا أكبر يفكك العقد الأساسية في النزاع، وحيث يشكل حصار تعز أكبر عقدة فعلية تؤجج الصراع، وأكثر القضايا قابلة للمعالجة، والتي تبدأ بلجم أحقاد الحوثيين وصلفهم، وفرض الملف كقضية جوهرية وذات أولوية، وطرح بدائل كفيلة بإنهاء التعنت الحوثي، هي من صميم ما تقتضيه عملية صناعة السلام.

الأكثر قراءة