المشاهد نت

ماذا تحمل مفاوضات صنعاء والرياض؟

وفد عماني في صنعاء-10 يناير 2023-تصوير قناة المسيرة

عدن-بشرى الحميدي

تشهد الساحة اليمنية نشاطًا دبلوماسيًا مكثفًا على الصعيد الإقليمي والدولي تجمع الأطراف المختلفة بوساطة عُمانية وضغط أمريكي يقوده المبعوث الأممي بين كافة الأطراف اليمنية بما فيهم جماعة الحوثي؛ للتوصل إلى تسوية مبنية على تفاهمات أمنية وإنسانية.

كما تشمل جهود تحقيق تسوية ما، جوانب غاية في الأهمية تمس الأوضاع المعيشية والاقتصادية في اليمن والتي أثقلت كاهل المواطنين، وباتت تدرج على رأس قائمة التفاهمات الإنسانية.

مسارات متعددة

يقول الباحث السياسي عادل دشيلة، أن الحوار في الساحة اليمنية حاليًا يجري في مسارين، المسار الأول هو الحوار الجاري بين السعودية وجماعة الحوثي، وهذا الحوار يتم بوساطة عُمانية وبضغط أمريكي، والمسار الثاني ممثل في الوساطة التي يقودها المبعوث الأممي بين كافة الأطراف اليمنية بما فيها جماعة الحوثي.

ويضيف دشيلة لـ«المشاهد» “بالإمكان القول إن هناك محادثات منفصلة للأمم المتحدة، والتي تريد أن يكون الحوار بين كافة الأطراف اليمنية، بينما المجتمع الدولي –وعلى وجه التحديد الإدارة لأمريكية تريد أن تُحدِث اختراقًا في الأزمة بين السعودية من جهة وجماعة الحوثي من جهة، مع إمكان الوصول إلى تسوية سياسية تضم جميع الأطراف اليمنية بما فيهم الحوثيين من خلال الأمم المتحدة.”

ولا يستبعد الباحث دشيله أن “يتوصل الجانبان، الحوثيون والسعوديون، إلى تسوية ليست سياسية، لكنها مبنية على تفاهمات أمنية وإنسانية، أما إذا اعترفت (المملكة) بالجماعة الحوثية، ودخلت معها باتفاق سياسي مباشر؛ فإن تغني السعودية بالشرعية اليمنية على مدى السنوات الماضية لم يكن إلا نوعًا من العبث.”

ويستطرد: ”ولهذا لن تغامر السعودية بعقد صفقة سياسية بحيث تعترف بجماعة الحوثي، فهي تريد أن يكون هناك صفقة سياسية تضم جميع الأطراف اليمنية، بما فيها المجلس الرئاسي وجماعة الحوثي، لكنها في نفس الوقت تريد أن تصل إلى تفاهمات مع جماعة الحوثي بمفردها، وهذه التفاهمات قائمة على المجال الأمني في المقام الأول”.

الملف الإنساني

من جهته يرى رئيس مركز هنا عدن للدراسات “أنيس منصور أن الوفد العماني أحرز تقدمًا كبيرًا في المباحثات التي جمعت وفد أنصار الله “الحوثيين” والسعوديين بوساطة عمانية.

حيث ناقش مجموعة من الملفات، أبرزها الملف السياسي، والملف الاقتصادي، وملف تبادل الأسرى، وملف استمرار الهدنة من أجل التوصل إلى الحل النهائي، بحسب منصور.

ويواصل: ” الملف الإنساني أحرز تقدمًا في مسألة تسليم الرواتب، وفتح الموانئ، وتوسيع الرحلات الجوية في مطار صنعاء، بينما في الملف السياسي بدأ الحوثي برفع سقف مطالبه السابقة”.

فالحوثي -وفق منصور- يريد إخراج ”القوات الأجنبية” ورفع يد التحالف فتم تأجيل ذلك إلى أن يكون هناك نقاش آخر في الملف السياسي تستضيفه مسقط، يضم وفد الحوثيين مع الوفد السعودي بالعمانيين، لبحث آلية تنفيذ الملف الإنساني، كغربلة كشوفات الموظفين وتشكيل لجان اقتصادية.

وأشار منصور، في حديثه مع «المشاهد»، إلى أن الملف الذي تم مناقشته والاتفاق على بنوده ومعالجته وتحقيق نجاح في الاتفاق والتوافق وقبول الطرفين فيه هو الملف الإنساني.

البحث عن ضمانات

 يعتقد الباحث والسياسي محمود الطاهر “أن هناك تخوفات ولا يمكن أن يكون هناك شرعية جديدة في اليمن، لاسيما بعد وصول اليمنيين إلى هذا التوافق الحالي بين التشكيلات العسكرية، وبالتالي الحديث عن خلق شرعية جديدة هو محاولة لإيجاد عدم ثقة بين المجلس الرئاسي والتحالف العربي.”

وأضاف الطاهر لـ«المشاهد» أن هناك تخوفات من الحكومة اليمنية من الحوار بين الحوثيين والسعودية، والحديث في هذا الإطار لا يعدو عن كونه بحثًا عن ضمانات.”

ويرى الطاهر أن هذه الضمانات تهدف للبدء في حوار مع الحكومة اليمنية، ولن يتغير المشهد بشكل كبير بعد هذه المحادثات ويتجه نحو الاستقرار إلا في هزيمة أحد الأطراف، سواءً عسكريًا أو سياسيًا.

تهديدات تتربص بالمفاوضات

يرجح الخبير والباحث في الدراسات الاستراتيجية العسكرية والأمنية “علي الذهب” أن تنجح المباحثات في تجديد الهدنة وتمديدها ستة أشهر، والرفع التدريجي للدور السعودي والإماراتي في اليمن.

ويضيف لـ«المشاهد» أن ذلك قد يقود طرفي الحرب نحو مفاوضات سلام مباشرة، لكنه يعتقد أن ما يهدد هذا السيناريو أن الحوثيين يحرصون على إبراز  المفاوضات بوصفها عملًا إنسانيًا لا صلة له بالتسوية السياسية، سعيًا منهم للحصول على مكاسب سياسية إضافية.

إقرأ أيضاً  صاعقة رعدية تقتل شابًا بذمار

وقارن الذهب ما يفعله الحوثيون حاليًا بما ساروا عليه في اتفاقية استوكهولم عام 2018، بعد وصول القوات الحكومية أراضي محافظة الحديدة محاولة السيطرة على مركزها الإداري (مدينة وميناء الحديدة)، والموانئ الأخرى التابعة لها.
وأضاف، الحوثيون يركزون جهودهم التفاوضية للحصول على نسبة كبيرة من عائدات النفط والغاز، على أن يكون ذلك بعملة الدولار الأمريكي، بذريعة دفع الرواتب، وأن يشمل ذلك رواتب مسلحيهم، وأن يتولوا عملية دفعها بالطريقة التي يرونها، ودون أي رقابة.

مصير المرتبات

وحول دفع الرواتب وتوحيد العملة يقول رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية عبدالحميد المساجدي أن توحيد العملة وتسليم المرتبات محاور رئيسية في مفاوضات الملف الاقتصادي بين الأطراف اليمنية، ضمن الجهود الأممية أو جهود الوساطة العمانية.

وقال المساجدي لـ«المشاهد» المفاوضات تتضمن تفاصيل رئيسية تحمل معها مفاتيح الحل للأزمة الانسانية التي يعاني منها اليمنيون كأحد تداعيات الحرب المدمرة.


ويشير إلى أن الطرفان يتفقان على دفع مرتبات الموظفين وفق كشوفات العام 2014، غير أنهم يختلفون في التفاصيل، مثل البنك المعني بدفعها وبأي عملة يتم احتسابها.

بالإضافة إلى مسألة توحيد إدارة البنك المركزي والسياسة النقدية قبل صرف المرتبات، وإلغاء التمايز في أشكال وطبعات وقيمة العملة الوطنية، وإلى أي مدى ستبقى هذه التفاصيل معضلة تحد من التوصل إلى حل لموضوع المرتبات؟، يقول المساجدي.
وأردف: إن الملف الاقتصادي بمحاوره عبارة عن بنود متصلة ببعضها البعض، وبحاجة إلى منظومة كاملة لتحييد الاقتصاد، يتم بموجبها توحيد البنك المركزي، وتوحيد العملة الوطنية والغاء التمايز في القيمة والشكل، وإعادة تقييمها بالعملات الاجنبية بشكل مستاوي.

واقترح المساجدي أن يتم في نفس الوقت تخصيص حساب واحد للمرتبات يتم فيه توريد العائدات المخصصة للمرتبات، وإعادة توزيعها وفق آلية معينة يتم التوافق بشأنها، كما اقترح ان تكون عبر القطاع المصرفي لإعادة الثقة فيه، وإعطاءه فرصة للسيطرة على الكتلة النقدية.

صادرات النفط

المساجدي قال إن الحوثيين وبعد تصعيدهم للصراع الاقتصادي إلى الذروة باستهداف موانئ تصدير النفط ونجاحهم في إيقاف تصدير النفط، رفعوا من سقف مطالبهم وتحولت من صرف المرتبات، إلى صرفها وفق ميزانية النفط والغاز لعام 2014، والتي تعد بموجبها إيرادات سيادية تورد إلى الحساب المركزي في البنك المركزي اليمني في صنعاء.

ولفت إلى أن ذلك يعني أنهم بعد مطالبهم بتقاسم عائدات النفط والغاز، صاروا يطالبون بتوريد كامل الايرادات للبنك المركزي، مشددين على ضرورة إعادته لصنعاء وإلغاء قرار النقل إلى عدن.

وأكد المساجدي أن تعنت الحوثيين بإعادة البنك المركزي لصنعاء، أو بضرورة صرف المرتبات وفق ميزانية النفط الغاز لعام 2014، مجرد شروط تعجيزية كمن يضع العربة قبل الحصان، والهدف هو إحالة المطالب المتنامية في مناطق سيطرتهم بصرف المرتبات إلى مسائل أخرى وتحميل الشرعية المسؤولية.

مسرحية هزلية”

في المقابل المحلل السياسي وخبير العلاقات العامة بجامعة الأزهر، مطهر الريدة  يرى أن اليمن أمام مسرحية هزلية جديدة أبطالها المجتمع الدولي والحوثيين، في مشهد سئم المواطن اليمني من رؤيته لكثرة تكراره، حد وصفه.

ويتحدث الريدة مع «المشاهد» قائلًا: كل المباحثات والاتفاقات السابقة لم ترَ النور بعد ولم يسدل ستار أيٌّ منها، وبالتالي فإن ما تقدمه المباحثات الجديدة مع الوفد العُماني لن يضيف شيئًا للمشهد اليمني المتأزم.”

ويقول أن كل ما يدور في وسائل الاعلام من أخبار ليست إلا تكهنات وأحلام لم يتم التأكد من صحتها حتى الآن، ولم يتم وضع نقاط اتفاق أو اختلاف لهذه المشاورات أو نتائج المباحثات سواءً من الجانب العماني أو من المبعوثين الأممي أو الأمريكي.

الريدة يشير إلى أن كل ذلك يحدث “بينما المشهد اليمني باقٍ كما هو، الحوثي يتمدد ويزعزع الاستقرار ويدمر موانئ النفط ويهدد الملاحة الدولية والحكومة اليمنية لم تحقق أي نوع من الاستقرار أو التنمية أو بسط نفوذ الدولة، أو حتى إجبار العالم بالضغط على جماعة الحوثي.”

ويخلص في تصريحه إلى أنه لا يوجد مفاوضات من غير بنود واضحة يتم الإعلان عنها، وربما الأيام القادمة ستكون حبلى ببعض الخطوات الجادة.

مقالات مشابهة