المشاهد نت

كلية المجتمع في شرعب السلام.. «نافذة أمل»

تعز – معاذ العبيدي

تخرّج محمد طاهر الجهلاني من الثانوية العامة عام 2018، وكان حلمه آنذاك دخول كُلِّيَّة الطب والدراسة فيها ليصبح طيبيًا.
لم يكن تحقيق ذلك الحلم يسيرًا بسبب الحرب التي تشهدها اليمن، وظروفه المادية الصعبة.

عقب تخرجه من الثانوية، سافر الجهلاني من قريته في مديرية شرعب السلام بمحافظة تعز، إلى حضرموت، طلبًا للرزق، وتوقف عن التفكير بدراسة الطب.
استمر في العمل هناك عامًا كاملًا، وكان يشعر أنه بلا مستقبل. تلقى الجهلاني اتصالًا مفاجئًا من أسرته، وأخبرته أن كلية المجتمع في مديرية شرعب السلام افتتحت لأول مرة قسمًا له علاقة بالطب، ويسمى “فني عمليات”. كان خبرًا سارًا بالنسبة له.

بعد أن شجعه والداه، عزم الجهلاني على العودة والتسجيل في الكلية، تخصص “فني عمليات”، وبدأ مسيرته الجامعية. يتذكر الجهلاني تلك اللحظة، ويقول لـ«المشاهد»: ”قال والداي إن مصاريفي ستكون قليلة لأن الكلية في نفس المنطقة، ولن أحتاج للسفر والعيش بعيدًا عنهم في منزل بالإيجار. ذهبت للتسجيل في الكلية، وتقدمت لاختبار القبول، وتجاوزت ذلك الاختبار”.

لاتزال كلية المجتمع بمديرية شرعب السلام نافذة الأمل للمئات من الطلاب الذين لا يستطيعون السفر إلى الجامعات البعيدة بمحافظة تعز أو غيرها من المحافظات اليمنية.

منذ اندلاع الحرب اليمنية مطلع العام 2015، انقسمت اليمن إلى شطرين، أحدهما يتبع الحكومة الشرعية، والآخر يتبع جماعة الحوثي، وانعكس ذلك الانقسام على تعز. تقع جامعة تعز تحت سلطة الحكومة الشرعية، في حين تقع الحوبان، حيث تقع شرعب، تحت سيطرة جماعة الحوثي، ما تسبب بقطع الطريق الرئيس بين المدينتين، واستبداله بمسار آخر جبلي شاق. يتخوف العديد من الأهالي من إرسال أولادهم عبر ذلك الطريق نحو جامعة تعز في المدينة.

وَفْقاً لمعلومات حصل عليها «المشاهد»، استقبلت الكلية منذ نشوب الحرب في اليمن العام 2015، حتى العام 2023، ما يقارب 3,090 طالبًا وطالبة، وكان عدد الطالبات 1,908 في عدة تخصصات، منها المحاسبة، والحاسوب، والتسويق، والتمريض، والإدارة، ونظم المعلومات، وتقنية المعلومات، والقبالة، ومساعد طبيب، وفني عمليات. زادت أعداد المتقدمين كل عام، ولم تستطع الكلية إتاحة الفرصة للجميع بسبب الإمكانات المحدودة.

د. أحمد الحيدري، عميد كلية المجتمع في شرعب السلام، يقول إن الكلية خاصة بالمديرية وقرى المديريات المجاورة، وتتبع آلية تعليم مختلفة، تمشي وفق خطة منهجية غرضها الرقي بالمديرية، من خلال تنويع الأقسام والخروج بشباب يحملون شهادات من عدة أقسام، بما يسهم في خدمة المجتمع.

ويشير الحيدري إلى أن الكلية تستقبل أعدادًا محدودة من المتقدمين في بعض التخصصات، حتى لا يتراكم عدد المتخرجين. ويقول: “مثلًا نسمح بالتقدم هذا العام لتخصص مساعد طبيب، ونغلقه العام القادم، ونفتح فني عمليات. هدفنا التنويع، وليس تراكم الخريجين الذين يحملون نفس التخصص في المديرية، وهذه الطريقة ستساعدهم على القبول في الوظائف التي تخدم المجتمع”.

إقرأ أيضاً  العمال في اليمن .. واقعٍ مؤلمٍ بسبب الحرب

البداية الصعبة

أُنشئت كلية المجتمع في شرعب السلام في تعز، بقرار جمهوري عام 2011 ، وتم تعيين الكادر. كانت مبانيها خالية من التجهيزات اللازمة، بما في ذلك الكراسي. في العام2013، قرر الحيدري وبقية الكادر افتتاحها رسميًا، والإعلان للطلاب من أجل التسجيل فيها.

كانت تلك الخطوة بداية لإشعار الحكومة أن الكلية بدأت العملية التعليمية، بحسب الحيدري. ويضيف لـ «المشاهد» : “أول اختبار قبول كان تحديًا صعبًا في كلية كل تجهيزاتها مبانٍ تخلو حتى من كراسي يجلس عليها المتقدمون. كان عدد المتقدمين كبيرًا، وتجاوزت الكلية ذلك التحدي بالتنسيق مع إحدى مدارس المديرية، لتنفيذ الاختبار الذي كان مغامرة بالنسبة للطلاب الذين كانوا يعتقدون هم وكثير من المواطنين أن التعليم في الكلية لن يتم، كونها خالية من المتطلبات التي يجب توفرها في أية جامعة.

كان عدد المتقدمين 187 طالبًا وطالبة في أربعة أقسام هي الإدارة والتمريض والتسويق والشبكات، ومن خلال الرسوم التي دفعها الطلاب، بدأت الكلية بتجهيز بعض القاعات للتعليم، وابتدأ العام الجامعي.

يوضح الحيدري أنه كان يعتقد أن وزارة التعليم العالي ستخصص ميزانية لكلية المجتمع في شرعب السلام، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

بالنسبة للكادر التدريسي، يشير الحيدري إلى أن نسبة المعيدين تقدر بـ80%، أما الدكاترة فهم 20% فقط، لأسباب متعلقة بالحرب، ولقلة الميزانية، فالمعيدون يعملون بمقابل بسيط مقارنة بالدكاترة.

كادر بدون رواتب

يشتكي كثير من الإداريين في الكلية من عدم اعتماد وظائف رسمية لهم، أو راتب شهري، فهم يعملون بمقابل رمزي فقط نظير كل عمل يقومون به. يشتكي المعيدون أيضًا من قلة المقابل الذي يحصلون عليه، ويقولون إن الحكومتين نسيتا كلية المجتمع في شرعب السلام.

يشير الحيدري إلى أن ميزانية الكلية قليلة، ويترتب عليها كثير من الاحتياجات لتحسين التعليم، ولا تستطيع الكلية اعتماد راتب شهري لإداريي الكلية، لأن الميزانية لا تسمح بذلك، وتعتمد الكلية نظام الدفع مقابل العمل، فكل من يؤدي مهمة معينة يُدفع له مقابلها، بالإضافة إلى بعض المكافآت أحيانًا.

تمتلك الكلية الآن معملين أحدهما للحاسوب والآخر للأقسام الطبية، وهما معملان بسيطان جدًا، وكراسي غير كافية، جُلبت طوال السنوات الماضية. يرى الحيدري أن المشكلة تكمن في عدم توفر ميزانية للكلية، فبالميزانية سيتوفر كل شيء، بما في ذلك المعامل الحديثة ومنظومة للطاقة الشمسية وتجهيزات أخرى لراحة الطلاب، وتحسين العملية التعليمية.

موخرًا، تخرج الجهلاني من كلية المجتمع في شرعب السلام بتعز، وكانت تلك الكلية السبيل الوحيد الذي أعاده إلى العملية التعليمية الجامعية. يبدو الجهلاني ممتنًا لدور هذه الكلية، لكنه قلق على مصيرها في ظل عدم الاهتمام الرسمي بها.

مقالات مشابهة