المشاهد نت

القيود الأسرية تمنع الفتيات من تحقيق أحلامهن

تحرم بعض الفتيات من فرص تعليمية واقتصادية بسبب العادات والتقاليد

 تعز- هيفاء المذحجي

تفرض الكثير من الأسر في اليمن القيود على الفتيات، وتجبرهن على العيش في سجن العادات والتقاليد. منذ عقود، تؤثر العادات والتقاليد  على دور المرأة اليمنية في المجتمع، وتحرمها العديد من الفرص والمميزات. 

منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تزايدت مستويات الفقر والبطالة والأمية في البلاد، وكانت المرأة من أوائل ضحايا الصراع. 

وعلى الرغم من حاجة المرأة لفرص التعليم والتدريب والتأهيل لمواجهة التحديات المعيشية الناجمة عن الحرب،  إلا أن العادات والتقاليد المجتمعية تحرمهنّ من فرص العمل والتدريب والتأهيل، خاصةً تلك التي تتطلب السفر إلى دولة أجنبية أو الانتقال إلى مدينة أخرى. 

منى، 20 عاما، تسكن مع أسرتها في مدينة تعز، حيث درست وأكلمت التعليم الثانوي. كانت تطمح لدراسة تخصص هندسة الديكور في الجامعة، واعتقدت أنها ستخدم نفسها ومجتمعها بشكل جيد عندما تنهي التعليم الجامعي. 

في أحد الأيام من العام الماضي، تلقت منى خبرًا أسعدها كثيراً. حصلت منى على منحة دراسية ممولة بالكامل من كلية هندسة في جامعة مرموقة في تركيا. كانت تلك أسعد لحظة في حياتها، واعتبرتها الفرصة الذهبية لتحقيق حلمها المنشود. لكن سرعان ما تحوّلت هذه السعادة إلى خيبة أمل، وتحطم ذلك الحلم. 

تتذكر تلك اللحظة، وتتقول ل “المشاهد”: “عندما ذهبت بوجه بشوش وملامح مليئة بالفرح والابتهاج، لأخبر عائلتي بالخبر الجميل، رفضوا سفري بشكل قاطع، وبرروا ذلك بخوفهم من عدم قدرتي على العيش بمفردي في بلد أجنبي”. حاولت منى إقناع عائلتها، لكن دون جدوى.

تضيف: “شعرتُ بالظلم والحزن والانهيار، والفرصة تطير مني وضاع حلمي”. 

 مرت الأيام، وحاولت ومنى نسيان تلك التجربة والتأقلم مع الواقع المفروض، والتركيز على حياتها، لكنها لم تستطع. تقول: “ظلّت ذكرى الفرصة الضائعة تُطاردني وتُذكرني بحلم كاد أن يتحقق”.

لم تتقبل أم منى فكرة سفر ابنتها إلى خارج اليمن، واعتبرت ذلك مخالفا للدين والعادات والتقاليد. تقول أم منى: “ديننا لا يسمح للمرأة أن تسافر دون محرم إلى دولة أجنبية. كيف ستعيش ابنتي في مكان بعيد، وكيف ستدبر أمورها، وماذا سيقولون عنا الناس عندما يعرفون أن ابنتي سافرت لحالها”. 

اختلطت مشاعر خوفها على ابنتها مع إصرارها على التمسك بالعادات والتقاليد، ولم تعرِ اهتماما لمستقبل ابنتها، ولم تندم على ضياع المنحة الدراسية التي حصلت عليها. 

إقرأ أيضاً  الإصابة بالسرطان في ظل الحرب

مجتمع تقليدي

تختلف أسباب فرض القيود على الفتيات من مجتمع إلى آخر، حيث يتخذ البعض قراراتهم وفقاً للعادات والتقاليد أو التعاليم الدينية أو بحسب القناعات الشخصية. 

وفي هذا السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة تعز، الدكتور ياسر الصلوي، إن المجتمع ما زال تقليديا، وينظر للمرأة بأنها ضعيفة، ولا تستطيع أن تعيش حياتها مثل الرجل، وليس لها قدرة على تدبير أمورها أثناء السفر أو العمل الميداني دون وجود رجل مُرافق لها. 

يرى الصلوي أن سيطرة الأسرة على تصرفات وتحركات الفتيات لا يفيدهن، ولا يساعدهن على التطور الشخصي، ولا يساعدهن على تأسيس حياة آمنة ومستقرة.

يضيف: “المنطلق الديني له تأثير كبير على قرار الأسر، حيث تمنع سفرها وعملها تحججًا بمنع الاختلاط مع الناس، حتى ولو كان من أجل تلقي العلم. ويعد خوف الأسرة من تأثر سمعتها بين الناس حال تعرضت الفتاة إلى أي مشكلة السبب الأول للقيود التي تُفرض على الفتيات”. 

يتابع: “يجب على الأسرة التخلص من تلك الأوهام، وتقديم الدعم للفتيات في أي حال. إن التذرع بالوضع الأمني والمضايقات أثناء التنقل والسفر ليست أسبابا كافية لحرمان الفتيات من الفرص التعليمية والتدريبية”.

تداعيات

تلقي تلك القيود المجتمعية بظلالها القاتمة على مستقبل الفتيات، وتعيق تقدمهن في الحياة العملية والعلمية، وتسبب لهن الشعور بالظلم، كما أن حرمانهن من فرص العمل والتدريب يُفقدهن الثقة في أنفسهن وفي المجتمع. ونتيجة لذلك، تصبح الفتيات عرضةً للضغوط النفسية، وقد يصبحن أكثر عرضةً للعنف من قبل الأسرة أو المجتمع إذا حاولن تحدي تلك القيود. 

يؤكد الصلوي أن هذه التداعيات لا تقتصر على الفتيات فقط، بل تؤثر على المجتمع بأكمله، حيث يفقد المجتمع طاقات وكفاءات هائلة يمكن أن تسهم في تنميته وازدهاره، وتحد من تفاقم العديد من الظواهر السلبية مثل، زواج القاصرات، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتدني التعليم. 

العديد من الفتيات في اليمن حققن نجاحات جديرة بالإعجاب والتقدير في مجالات مختلفة، وكن محظوظات لحصولهن على عائلات داعمة ومشجعة. لكن الآلاف من الفتيات الأخريات يفشلن في تحقيق أحلامهن وتضيع مواهبهن ويتوقف تعليمهن بسبب القيود المجتمعية والأسرية.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.

مقالات مشابهة