المشاهد نت

لماذا تريد واشنطن إضعاف قدرات الحوثي وليس هزيمتهم؟

Picture of يوسف مرعي

يوسف مرعي

دكتوراه علاقات دولية، وسياسة دولية جامعة بطرسبورغ الحكومية

بالنظر إلى تعامل الإدارات الأمريكية السابقة واللاحقة، سنجد أن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية كان ومازال مرتبطًا بأغراض دعائية انتخابية في الولايات المتحدة، وبحسابات غربية أمريكية، إذ كان ومازال من المهم بالنسبة لواشنطن ألا تفقد هذه الجماعة قوتها وتأثيرها في اليمن منذ انقلابها على الدولة اليمنية، خصوصًا في ظل الإدارات الديمقراطية، ولأغراض تتعلق بابتزاز دول معينة في المنطقة، وإبقاء التأثير والنفوذ الأمريكيين تحت ذرائع الحماية الأمنية، وشراء الكثير من صفقات الأسلحة، وللعبة توازاتات خاصة بواشنطن ضمن استراتيجية إبقاء المنطقة رهن تأثير الأقليات ولعبة التوازنات التي تجيدها واشنطن.

إعادة تصنيف الجماعة على قائمة المنظمات الإرهابية، من جديد، جاء في سياق وظرف إقليمي ودولي مختلف ومرتبط بشكل وثيق بحالة التغيير الذي تشهده بنية النظام الدولي، خصوصًا بعد الحرب الأوكرانية -الروسية، وأحداث السابع من أكتوبر في غزة. التصنيف بحسب البيت الأبيض كان بسبب التهديد الحوثي للممرات، وانتهاكها للقانون الدولي، كما لو أن هذه الجماعة احتلت عاصمة اليمنيين، وانقلبت على دولتهم بموجب القانون الدولي؟! التصنيف الذي جاء مشروطًا بتغيير الحوثي لسلوكه، مرتبط بحهود واشنطن في أن يظل إيقاع الصراع منضبطًا، عند قواعد اشتباك معينة، وليس إيقافه أو إنهاءه، فالبيت الأبيض يرى أن ما يقوم به الحوثي يندرج في حالة التهديد لأمن المضائق المائية العالمية، إذ إن حمايتها جزء أساسي من عقيدة الأمن القومي الأمريكي من منظور الجغرافيا السياسية كإمبراطورية بحرية، وبالتالي فالبيت الأبيض قرأ ما قامت به جماعة الحوثي في سياق رسائل المحور الأوراسي (الصين، روسيا، وإيران) كقوة تعديلية في النظام الدولي، وأن عدم الرد على ما قام به الحوثي سيمثل ضربة للولايات المتحدة الأمريكية كمهيمنة على النظام الدولي، فكان لا بد من الضربات التي قامت بها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، كصورة من صور استعادة هيبة

ما يقوم به الحوثي يندرج في حالة التهديد لأمن المضائق المائية العالمية، إذ إن حمايتها جزء أساسي من عقيدة الأمن القومي الأمريكي من منظور الجغرافيا السياسية كإمبراطورية بحرية، وبالتالي فالبيت الأبيض قرأ ما قامت به جماعة الحوثي في سياق رسائل المحور الأوراسي (الصين، روسيا، وإيران) كقوة تعديلية في النظام الدولي

الردع، فضلًا عن الرسائل الإيرانية الواضحة المتمثلة في أنها باتت قوة كبيرة في البحر الأحمر، وهو ما كشفت عنه من خلال تصريحات قادة الحرس الثوري، وتملك القدرة على التحكم بمضيقين أو التهديد بإغلاقهما، بالإضافة إلى ما أعلنته طهران عن إرسال مدمرة للبحر الأحمر بغرض حماية ناقلاتها النفطية، ومحاولة واشنطن توظيف ذلك لجر دول إقليمية في الحلف الذي أعلنته: “حارس الازدهار”.

الحوثي استفاد من هذه الضربة أيضًا لمحاولة البحث عن مشروعية شعبية، فضلًا عن أنه استفاد على المستوى الإقليمي، وحتى على مستوى بعض النخب، بالنظر إلى ربط عملياته بما يحصل في غزة. صحيح أن هناك تغيرًا في الموقف الأمريكي تجاه الحوثي، لكنه الموقف الذي يريد إضعاف قدرات الحوثيين، وليس هزيمتهم، لكن حتى محاولة البحث عن حل وسط في هذا الملف الذي يبدو معقدًا للغاية، قد لا يعني الاستقرار في مركز حيوي للشحن العالمي، دون القضاء على خطر تصاعد المواجهة العسكرية الإقليمية في المنطقة.

من الملفت أيضًا هو مدى انخراط الروس في ما يحدث، وردود أفعالهم الحذرة، فمن جهة أدانوا أعمال الحوثي، وفي الوقت نفسه أدانوا عمليات القصف الأمريكي البريطاني لمواقع الحوثيين. هذا الحذر أتى مدفوعًا بخوف الروس على مصالحهم، فالهند تشتري ما يقارب ثلاثة ملايين برميل نفط من روسيا بأسعار تفضيلية، خصوصًا بعد فرض الغرب تسقيف أسعار الطاقة الروسية، وتمر هذه الكمية الكبيرة عبر قناة السويس، ومن ناحية أخرى تنظر موسكو إلى ما يحصل في البحر الأحمر كفرصة لتحفيز واستكمال طريقي النقل اللوجستي شمال -جنوب الذي يربط روسيا بإيران

استراخان روسيا، ثم عبر موانئ قزوين مرورًا بالبر الإيراني، ومن ثم مياه الخليج وصولًا إلى الهند. وطريق بحر الشمال الروسي بوصفه أحد طرق التجارة العالمية التي يمكن اعتبارها بديلًا لطرق الملاحة التقليدية، وتتناقش موسكو بالفعل مع نيودلهي لتعزيز وصول صادراتها من النفط والغاز عبر هذا الطريق، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

الملفت أيضًا هو مدى انخراط الروس في ما يحدث، وردود أفعالهم الحذرة، فمن جهة أدانوا أعمال الحوثي، وفي الوقت نفسه أدانوا عمليات القصف الأمريكي البريطاني لمواقع الحوثيين. هذا الحذر أتى مدفوعًا بخوف الروس على مصالحهم، فالهند تشتري ما يقارب ثلاثة ملايين برميل نفط من روسيا بأسعار تفضيلية

الملفت إقليميًا حالة الحذر السعودي تجاه تصرفات الحوثي وحتى تجاه الرد الأمريكي، هذا الحذر أتى منسجمًا مع ما تراه المملكة استراتيجيتها القائمة على محاولة تصفير المشاكل، مدفوعة بشواغل الاستثمار والاقتصاد، وتنويع علاقاتها الخارجية مع العديد من اللاعبين الرئيسين في المشهد الدولي، خصوصًا مع حالة التراخي الرسمي الغربي الذي كان مساندًا للحوثي في محطات عدة خلال حرب السعودية مع الجماعة لثماني سنوات، وتنامي جماعات الضغط الغربي ضد المملكة، بالإضافة إلى أن السعودية تعتبر أن ما يحصل بإمكانه أن يهدد مسار التسوية السياسية في اليمن، على اعتبار أنها تظن أنها قد قطعت فيها شوطًا عبر محادثات مسقط، رغم أن كثيرًا من المراقبين يعتبر أن مسار المباحثات والتسوية بالنظر إلى جولاته كان ولايزال يصب في مصلحة جماعة الحوثي المرتبطة بإيران!

على المستوى الإنساني، وكيف يمكن أن يؤثر القرار وتداعياته.. إن كان ثمة تداعيات، فهي التداعيات المرتبطة بخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، على اعتبار أن ارتفاع أسعار الشحن وتكاليفه سيقلص من دعم الدول الغربية للمنح الإنسانية المقدمة لليمن عبر الأمم المتحدة في ما اصطلح عليه بالمانحين، على اعتبار أن معظم سكان اليمن يعيش على المساعدات الإنسانية، كما أنه سيزيد من رفع قيمة تكاليف المواد الغذائية.. فالتصنيف المشروط للجماعة على قوائم المنظمات الإرهابية، برأيي فإنه لن يمس القدرات المالية للحوثيين بالنظر إلى نوع التصنيف.

في الختام، مكاسب الحوثي الداخلية كبيرة في توظيف ما حصل داخليًا؛ نظرًا لما تمثله القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي اليمني، ومحاولة مضاعفة أرباح إلى أرباحه نتيجة تفكك جهود أعدائه الداخليين، فحجم التهديدات التي أحدثها للتجارة الدولية قد يدفع الولايات المتحدة الأمريكية للحديث بشكل مباشر مع طهران عن شكل من أشكال الصفقات الرابحة لطهران من قبيل الملف النووي، أو حتى إشراكها في مشروع “طريق التوابل الهندي الأوروبي”، أو حتى الحديث مع الحوثي للبحث عن إمكانية عقد صفقات تمكنه من استكمال السيطرة على أجزاء نفطية مهمة في اليمن.. بالنظر إلى حالة الخواء التي يعيشها خصومه في الداخل، ومحفزات عدة، منها الوضع الاقتصادي في المناطق التي لا يسيطر عليها، وأشياء كثيرة لا حصر لها.

الأكثر قراءة