المشاهد نت

كيف أثرت أحداث البحر الأحمر على الاقتصادات الأوروبية؟

يوسف مرعي

يوسف مرعي

دكتوراه علاقات دولية، وسياسة دولية جامعة بطرسبورغ الحكومية

اختبر الحوثيون، بحسب ما نقلته وسائل إعلام روسية، منها وكالة الأنباء الرسمية ريا نوفستي، صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، وتبلغ سرعتها عشرة آلاف كيلومتر في الساعة، وتعمل بالوقود الصلب.

ويخطط الحوثيون لإطلاق إنتاجهم لاستخدامه في شن هجمات على السفن، بحسب ما ذكرته الوكالة. وبغض النظر عن صحة هذه المعلومات، إلا أن مجرد الحديث عن هذه التجربة لا بد أنه سيثير الكثير من المخاوف ومن الأسئلة في نفس الوقت، فالهجمات التي شنها الحوثيون المدعومون من إيران، على مدى الأشهر الماضية، على السفن التجارية في البحر الأحمر، أدت إلى تعطيل الشحن عبر قناة السويس، أقصر الطرق البحرية وأكثرها ملاءمة بين آسيا وأوروبا، والتي تنقل حوالي 12% من حركة الحاويات العالمية، فضلًا عن أن حركة الشحن من آسيا إلى أوروبا تحدد مسار التجارة العالمية إلى حد كبير.

حديث الحوثيين قبل أكثر من أسبوع، عن إمكانية استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، عبر رأس الرجاء الصالح، لا شك أنه سيضيف الكثير من التعقيد في ما يتعلق بالتجارة الدولية التي تأثرت كثيرًا خلال الأشهر الماضية، بفعل الحرب الإسرائيلية على غزة، وانعكاساتها الإقليمية، يرى البعض أن استهداف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر، دفع بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (الغرب) إلى ممارسة بعض الضغوط على إسرائيل، لإيقاف الحرب على غزة، وهذا ما بدا واضحًا من خلال التغير الملحوظ في الخطاب السياسي الرسمي للكثير من الدول الأوروبية، كما أن الأزمة في البحر الأحمر كانت أحد العوامل التي قادت إلى تصاعد الخلاف بين إدارة بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، كما أنها مثلت، إلى جانب عوامل أخرى، عاملًا ضاغطًا على الاقتصاد الأوروبي، خصوصًا أن الاقتصاد الأوروبي كان يقف بالفعل على حافة الركود، ويكافح للتعامل مع التضخم المرتفع بفعل تداعيات الحرب الأوكرانية، وبالتالي فالاضطراب المطول على خطوط التجارة الدولية من شأنه أن يزيد من أخطار تضخم جديد يمكن أن يعرقل خطط البنوك المركزية الأوروبية للبدء في خفض أسعار الفائدة في عام 2024. وبحسب وكالات، فإن الأزمة أجبرت شركات الشحن على زيادة أسعار شحن الحاويات من شمال آسيا إلى أوروبا، بشكل كبير، وانخفض الحجم الإجمالي لحركة الحاويات في البحر الأحمر بنحو 2.5 مرة.

بالعودة إلى ما أعلنه الحوثي عن امتلاكه صواريخ فرط صوتية، أعتقد وبغض النظر عما إذا كان الحوثي يملك هذه الإمكانيات، وعن كيفية حصوله عليها، إلا أن ما أعلنه زعيم جماعة الحوثي قد يندرج في سياق التلويح بورقة تبدو للغرب صعبة جدًا، وهو استهداف الملاحة عبر الرجاء الصالح. برأيي أن هذا التصعيد الخطابي لزعيم الجماعة المتمردة، جاء متزامنًا مع استشعار الجماعة أن الغرب الذي غالبًا ما كانت تدخلاته في الأزمة اليمنية تصب في صالحها، إيقاف معركة تحرير الحديدة مثالًا، لوح بوسائل عقابية تبدو أكثر صرامة، وستلحق أضرارًا فادحة بالمستقبل السياسي للجماعة، ورقة العقوبات المالية هي أكثر هذه الوسائل نجاعة بالنظر إلى المكتسبات المالية والاقتصادية التي حققها الحوثي خلال سنوات حربه على الشعب اليمني، حتى إن المتابع للهجمات التي يعلن الحوثي عن شنها ضد السفن، يلحظ انخفاضًا في هذه الهجمات، وهنا يطرح سؤال: هل سيستمر هذا الانخفاض وصولًا إلى انقطاع الهجمات؟! أم أن استهداف إسرائيل لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، وإعلان المرشد الإيراني أن بلاده سترد على هذه الهجمات، سيضع جماعة الحوثي ضمن أدوات الرد الإيراني، كما كانت دائمًا، بالنظر إلى انخفاض القيمة السوقية لجماعة الحوثي لدى صانع القرار السياسي في طهران، رغم الأرباح الإقليمية الهائلة التي تجنيها إيران من أعمال الجماعة المتمردة؟ أعتقد أن الرد الإيراني سيأتي إما عبر أدواتها، وهو المرجح، أو بشكل مباشر من أراضيها، وهو خيار مستبعد، إلا أن حدث تنسيق عبر قنوات سرية يشبه التنسيق الذي سبق الرد الإيراني على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وهو التنسيق الذي كشف عنه الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

قد يطول الخوض في موضوع الرد الإيراني من عدمه، لكن المؤكد أن التداعيات الإقليمية المرتبطة بحرب غزة ستبقى عاملًا مؤثرًا على الاقتصادات الأوروبية، خصوصًا هجمات الحوثي ضد السفن، رغم أن هذه الهجمات في البداية، حسب بعض البيانات، لم يكن لها أي تأثير كبير، بما في ذلك تضخم ديسمبر نهاية العام المنصرم. فمع ما ظهر خلال الأشهر الأخيرة، خصوصًا مع طول امتداد الأزمة، تقول العديد من الشركات الأوروبية إنها تعاني من انقطاع الإمدادات بسبب الهجمات التي يشنها الحوثيون على سفنها في اليمن، فمن أجل عدم تعريض نفسها للخطر، أوقفت العديد من شركات النقل والشحن الكبرى عمليات التسليم، ونتيجة لهذه المشاكل المرتبطة بأحداث البحر الأحمر، يقول الأوربيون إن ذلك

الوضع في البحر الأحمر يمكن أن يؤثر على استيراد وتصدير المنتجات الزراعية للاتحاد الأوروبي بقيمة 70 مليار يورو

تسبب بخسارة أكثر من 35 مليار دولار، وكل ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي فمشاكل نقل البضائع تؤثر على كل من واردات وصادرات الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لتقديرات لجنة الاتصال الأوروبية للصناعات والمنتجات الزراعية (CELCAA)، فإن الوضع في البحر الأحمر يمكن أن يؤثر على استيراد وتصدير المنتجات الزراعية للاتحاد الأوروبي بقيمة 70 مليار يورو، حسبما أفادت وكالة بلومبورغ. إذ ارتفعت تكلفة نقل حاوية واحدة من الصين إلى أوروبا، متجاوزة البحر الأحمر، من 1000 دولار إلى أكثر من 4000 دولار. وارتفع سعر شحن الحاويات أكثر بسبب عطلة رأس السنة الصينية في منتصف فبراير.

الأزمة في البحر الأحمر جعلت فنلندا أيضًا تندم على إغلاق العبور البري عبر الاتحاد الروسي. ويظهر ذلك في عمليات التصدير والاستيراد في شكل تأخير في التسليم وارتفاع الأسعار، إذ لا توجد طرق بديلة: فالممر الشمالي الشرقي عبر روسيا مغلق. شركة النقل والخدمات اللوجستية الدنماركية ميرسك أيضًا أعلنت عن عدم اليقين في ما يتعلق بالوضع في البحر الأحمر، وبحسب تقييمها فإن الصعوبات اللوجستية في النصف الثاني من العام ستسمر، مما يرفع من أوقات استلام البضائع.

الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات البريطانية Advantage Utilities، : إذا تصاعد الصراع [في البحر الأحمر] بشكل أكبر، فقد يكون التأثير السلبي على أسعار الطاقة العالمية كبيرًا. بالعودة إلى ما قبل الحرب في قطاع غزة وأعمال الإبادة ضد أبناء الشعب

وبكثير من التخصيص هنا سنتحدث عن المملكة المتحدة كبلد أوروبي خارج الاتحاد الأوروبي والعضو الرئيسي المؤسس لتحالف حارس الازدهار، وكبلد يعاني أكثر من غيره من اضطرابات الشحن عبر البحر الأحمر، حسبما ذكرت شركة S&P Global الأمريكية، فوفقًا لبيانات شهر يناير، فإن الوضع الحالي له تأثير “معتدل” على كل من سلاسل التوريد والأسعار بسبب اضطرابات الشحن. أيضًا دراسة ستاندرد آند بورز جلوبال قالت: “إن التأثير السلبي على المملكة المتحدة، أكبر منه في بلدان أخرى”. وبالتالي فأسوأ التأثيرات ستلحق بالشركات المصنعة، حيث أثرت على سلاسل التوريد الصناعية، وأدت إلى ارتفاع تكاليف المواد الخام. ويلاحظ أنه من بين الشركات البريطانية التي شملتها الدراسة، أبلغت 12% عن زيادة في أوقات تسليم البضائع. وتأتي بعد المملكة المتحدة في هذا المؤشر اليونان (9٪) وفرنسا وألمانيا (8٪). ومن شأن طريق الشحن البديل حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، أن يضيف من 10 إلى 14 يومًا إلى أوقات الشحن مقارنة بالبحر الأحمر وقناة السويس. الزيادة في أوقات التسليم يذكرنا بالقول المأثور بأن “الوقت هو المال”، وعليه فإن زيادة أوقات التسليم من قبل الموردين كانت مصحوبة بزيادة في التكاليف بالنسبة للمصنعين لأول مرة منذ تسعة أشهر، وكانت الزيادة في أسعار السلع الأساسية في يناير هي الأكبر منذ مارس من العام الماضي. وكتبت ستاندرد آند بورز جلوبال: “تم نقل هذه التكاليف المرتفعة إلى المشترين، مما أدى إلى أسرع ارتفاع في أسعار السلع الأساسية منذ مايو الماضي”. هذه القفزة في الأسعار التي تدفع مقابل الشحن، بسبب هجمات الشحن في البحر الأحمر، أدت إلى تعطيل سلاسل التوريد، وهي خطوة ستؤدي إلى زيادة التضخم وتأخير تخفيضات أسعار الفائدة. مؤشر آخر من مؤشرات الأزمة هو ارتفاع عائدات السندات الحكومية البريطانية، أيضًا يخشى خبراء الطاقة البريطانيون من أن يؤدي استمرار الصراع في البحر الأحمر إلى حدوث أزمة طاقة جديدة سيعاني منها الاقتصاد البريطاني أكثر من غيره. وفي هذا السياق يحذر أندرو جروفر، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات البريطانية Advantage Utilities، من أن الأسعار قد تبدأ في الارتفاع في سوق الطاقة. وقال جروفر: “إذا تصاعد الصراع [في البحر الأحمر] بشكل أكبر، فقد يكون التأثير السلبي على أسعار الطاقة العالمية كبيرًا. بالعودة إلى ما قبل الحرب في قطاع غزة وأعمال الإبادة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وتداعياتها الإقليمية في البحر الأحمر، وعامل التوتر الجديد بين كل من طهران والكيان الصهيوني، على خلفية استهداف إسرائيل لقنصلية إيران في دمشق، فالاقتصاد البريطاني كان يعاني بحسب مؤشرات اقتصادية كثيرة، كانت كلها تشير إلى ركوده، وعليه يمكننا القول إن أزمة كلفة المعيشة في بريطانيا وتداعيات الحرب الأوكرانية، والحرب في غزة واضطرابات الشحن في البحر الأحمر، فضلًا عن التصعيد الجديد بين كل من طهران وتل أبيب، سيقوض أية إمكانية للتعافي من الركود، وسيخلق تداعيات سياسية يمكن أن تقود إلى خسارة حزب المحافظين الانتخابات القادمة هذا العام، في حال تحالف حزب العمال مع حزب القوميين الاسكتلنديين، كما أنه سيزيد من فرص استقلال اسكتلندا”.

ختامًا، بقدر ما أعادت المقاومة الفلسطينية الاعتبار للقضية الفلسطينية، ووضعتها في سلم الأجندات الدولية، وفضحت الغرب وازدواجيته ونفاقه والنظام الرسمي العربي وصمته وتواطئه، إلا أنها أعادت الاعتبار لأهمية المضائق طرق التجارة التقليدية، وأقنعت أكثر من أي وقت آخر بضرورة ألا يظل الغرب مهيمنًا على العالم، وضرورة تعدد القوة في هذا العالم (عالم متعدد الأقطاب). وبغض النظر عن أن الحوثي استثمر في قضية غزة من أجل الحصول على مشروعية شعبية وإقليمية، لكن أعماله ضد أبناء الشعب اليمني تبقيه في نظر أغلبهم غاشمًا محتلًا كالكيان الصهيوني تمامًا، وكشفت أن استمرار التصعيد في البحر الأحمر يمكن أن يلقي بظلال قاتمة على مؤشرات الاقتصادات الأوروبية، وما كان لبعض الدول الأوروبية أن تعدل من خطابها وتدعو دولة الكيان لوقف حربها لولا مخاوفها من الارتفاع في أسعار الطاقة، وانقطاع سلاسل التوريد، طبعًا ضغط الشارع الأوروبي.

الأكثر قراءة