المشاهد نت

شهادة الميلاد مجروحة!

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام- جامعة صنعاء

تزايدت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ إشكالية تغيير بطاقات الهوية الشخصية والشهادات الإعدادية والثانوية والجامعية.. فجأة وبعد مرور عشرين عامًا أو أكثر يتنبه الطلاب والطالبات أو أولياء أمورهم أن بيانات شهادة الميلاد لم يتم توثيقها في شهادات المدرسة، وبالأخص شهادة الثانوية العامة، ولا يتنبهون إلى ذلك إلا عندما يكون الطالب بعد الثانوية مؤهلًا لاستخراج البطاقة الشخصية كي يسجل للدراسة بالجامعة أو يقدم لمجال عمل ما.

وكثيرًا ما يتعامل أولياء الأمور وكذا إدارات المدارس ووزارة التربية والتعليم، بلامبالاة، فلا يتم التدقيق بما تحويه شهادة الميلاد من بيانات شخصية فيها هوية الطالب، ولا تتحقق من مدى مطابقة الهوية الشخصية للأب مع شهادة ميلاد الطفل، ويتم تسجيل الاسم واللقب وتاريخ ومكان الميلاد في سجلات المدرسة من خلال المعلومات والبيانات التي يسجلها ولي الأمر، ورغم أن نسخة من شهادة الميلاد تكون بملف الطالب.

وبناء على ما سبق يتم استخراج البطاقة الشخصية وفقًا للبيانات المسجلة في شهادة الثانوية العامة دون الرجوع لشهادة الميلاد، وعندما يسجل الطالب في الجامعة يكتشف أن هناك اختلافًا في البيانات بين شهادة الميلاد، وشهادة الثانوية العامة والبطاقة الشخصية.

ويتجه إلى الجهة المعنية في وزارة التربية والتعليم لتعديل شهادة الثانوية العامة وشهادة أول وثاني ثانوي وثالث إعدادي (تاسع)، وعلى ضوئهم يمكنه تعديل البطاقة الشخصية، بينما شهادة الميلاد مجروحة وغير مقبولة!

ولعل ما يدل على الاستهتار بالهوية الشخصية للطلاب من قبل إدارات المدارس في عموم محافظات الجمهورية، وعدم التحقق منها، أن أغلب الطلاب من مواليد التسعينيات والألفين تم تسجيل بيانات موحدة لهم في استمارات الثانوية العامة بتاريخ الميلاد مثلًا 1/1/1990 أو 1/1/2001م.

وهكذا تعد شهادة الميلاد لا قيمة لها، ولا يسأل عنها، فعلى سبيل المثال قد تجد أيضًا بطاقة الأب الشخصية مكتوب فيها “محمد أحمد صالح الأغبري”، وتجد بطاقة ابنه “وائل محمد أحمد صالح” بدون اللقب، بينما أخته باللقب.

أتذكر حينما رشحت في منحة للدراسة الجامعية في مصر في بداية الثمانينيات، اكتشفت فجأة أن شهادة ميلادي باسمي الرباعي دون لقب، بينما استمارة الثانوية العامة والبطاقة الشخصية وجواز السفر باسم ثلاثي مع اللقب! وفوجئت بأنهم في جامعة القاهرة يشككون في اسمي، ورفضوا الاسم المدون باستمارة الثانوية والجواز، واعتمدوا على شهادة الميلاد كأول وثيقة رسمية تثبت هويتي الشخصية، رغم أنني أحضرت لهم مذكرة من سفارتنا بالقاهرة، ولكنهم اعتمدوا على شهادة الميلاد.

واستغربت أن مدرسة بلقيس للبنات بالحديدة التي درست فيها لم تولِ شهادة الميلاد أي اهتمام، وكأنها غير موجودة من الأساس، رغم أنها كانت مضافة للوثائق المدرسية، وكنت أظن أنه خطأ غير مقصود، ولكن عندما انضممت لسلك التدريس بكلية الإعلام جامعة صنعاء، لاحظت أن الموضوع ليس خطأً خاصًا بي، بل إهمال ولامبالاة، وعدم الاعتراف بشهادة الميلاد كوثيقة رسمية أضحى ظاهرة منتشرة وتزداد اتساعًا سنة بعد أخرى.

ولعل ما يبعث على الأسف أن هذه الإشكالية يشترك فيها أولياء الآمور ومدراء المدارس وجهات الاختصاص في وزارة التربية والتعليم ومكاتبها في المحافظات. فقد لاحظنا أن الكثير من الطلاب والطالبات الذين يسجلون في الجامعة يطلب منهم شهادة الثانوية العامة، وصورة البطاقة الشخصية وشهادة الميلاد، وتعتمد البيانات الموجودة في استمارة الثانوية العامة والبطاقة والشخصية، بينما يتم تجاهل شهادة الميلاد حتى وإن كانت البيانات الواردة فيها متناقضة مع استمارة الثانوية العامة والبطاقة الشخصية.

فذات يوم كنت في كنترول وزارة التربية والتعليم في نقم لتعديل بعض البيانات الشخصية الخاصة باستمارة إحدى الطالبات اللوات هاجرن للخارج (لدولة أوروبية)، إذ طلب منها في تلك الدولة كي تواصل تعليمها الجامعي أن تكون البيانات الشخصية لاستمارة الثانوية العامة متوافقة مع جواز السفر وشهادة الميلاد حتى تتمكن من التسجيل في تلك الجامعة.

وكان التعديل المطلوب في إضافة اللقب لاستمارة الثانوية العامة وتعديل تاريخ الميلاد، إذ إنه في شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية متوافق، بينما في استمارة الثانوية العامة 1/1/2000م، وكنت أظن أنه خطأ غير مقصود، لكن عندما قابلت المسؤول التربوي، وتساءلت لماذا سجل تاريخ الميلاد خطأ، فرد بلامبالاة وتساهل عجيب: غالبية الطلاب مواليد عام 2000م تم تسجيلهم من المدارس بتاريخ 1/1/2000م، فقلت بسخرية ومرارة يعني يحتفلوا بعيد ميلاد جماعي، وأضفت بالقول ولكن تأخير أو تقديم يوم الميلاد يعني أن هناك طلابًا كان ميلادهم بداية العام وبعضهم منتصفه أو آخره.

وهكذا فإن المراجعين من الطلاب والطالبات في كنترول التربية في نقم يزداد عددهم سنة بعد أخرى، من جراء إهمال بيانات شهادة الميلاد والاعتماد على ولي الأمر الذي يسجل أبناءه، دون مراجعة الوثائق، فهناك مثلًا يوجد في شهادة الميلاد اسم ثلاثي ولقب، وفي استمارة الثانوية العامة اسم رباعي بدون لقب، وأحيانًا إخوة تختلف أسماؤهم؛ الأول يكتب اسمه ثلاثيًا مع اللقب، والثاني يكتب اسمه رباعيًا بدون لقب، وقد سبب ذلك مشكلة في حالة الميراث أو السفر أو ما إلى ذلك.

ولعل ما أثار استغرابي أيضًا إحدى الطالبات التي اسمها في شهادة الميلاد مختلف تمامًا عن اسمها في الشهادات الدراسية، بما في ذلك شهادة الثانوية العامة. فعندما سألتها أكدت أن أباها سجلها بالمدرسة بالاسم الذي يريد رغم أن شهادة ميلادها باسم آخر، وعندما استخرجت البطاقة الشخصية كي تسجل في الجامعة لم يرق لها الاسم الذي سجلها أبوها فيه والموثق في شهادات الإعدادية والثانوية وكذا استمارة الثانوية العامة، فغيرت اسمها وفقًا لشهادة الميلاد تلك الشهادة التي لم تهتم بها المدرسة، واستخرجت حكم محكمة بذلك التغيير، وبقي لها أن تغير الاسم الجديد في شهادات المدرسة بما فيها استمارة الثانوية العامة، حتى تثبت الاسم الجديد في الشهادة الجامعية وأية وثائق أخرى.

وبناء على حكم المحكمة وشهادة الميلاد، طلب منها البطاقة العائلية لأبيها الذي لا يمتلك سوى بطاقة شخصية، وتعرقلت بناء على ذلك، ومازالت تحمل اسمين!

خلاصة القول إننا لو نقبنا وسألنا أي طالب متخرج من الثانوية العامة ويريد التقديم للدراسة الجامعية، سنجد الكثير منهم لم يتنبهوا إلى أن بياناتهم الشخصية مختلفة ما بين شهادة الميلاد والشهادات المدرسية والبطاقة الشخصية، ويكون غالبًا الاختلاف في الاسم فيكون ثلاثيًا أو رباعيًا أو تاريخ الميلاد أو مكان الميلاد أو أكثر من بيان.

وتبدأ المشكلة بالبروز عندما يسجل الطالب في الجامعة، ويلاحظ بالصدفة هذا الاختلاف، وقد لا يلاحظ الطالب الاختلاف ولا الكلية التي يدرس فيها، فتسجل الكلية بيانات استمارة الثانوية العامة دون أن تولي اهتمامًا بشهادة الميلاد أو البطاقة الشخصية، ولا تركز على اختلاف البيانات، وعندما يكمل الطالب الدراسة ويستلم الشهادة الجامعية، ويستخرج جواز سفر بغرض مواصلة الدراسة أو العمل في الخارج، هنا يتنبه للمشكلة، إذ إن جهة الدراسة أو العمل تطالبه بإصلاح الاختلاف وتعديل كافة الشهادات، وهنا تبدأ رحلة المعاناة.

ويطلب منه حكم محكمة ومبالغ مالية، ووقت وجهد، وتوكيل شخص يتابع له، وقد يستنزفه الشخص أموالًا طائلة دون أن يكمل له التعديلات، ويضطر لتوكيل آخر أو العودة بنفسه، وقد يخسر عمله أو دراسته العليا.

والمؤسف في الأمر أن استخراج البطاقة الشخصية يمكن أن يتم بكل بساطة: إحضار شاهدين من الشارع أو من نفس المصلحة للتأكيد بأن فلانًا هو ابن فلان، أما تاريخ الميلاد ومكانه فيتم الاعتماد على بيانات استمارة الثانوية العامة دون الرجوع لشهادة الميلاد، وقد تكون شهادة الميلاد ضائعة أصلًا، فالكثير قد يستخرجون بدل فاقد بتاريخ ومكان مختلف بالوساطة.

لهذا يستلزم الأمر إجراء تحقيقات استقصائية معمقة للكشف عن إشكالية تزوير الهويات الشخصية، وانتحال الشخصية، والتزوير في بيانات رسمية، وعدم التهاون في هذه المسألة التي ترتبط بالهوية الوطنية، والمواطنة بما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

الأكثر قراءة