المشاهد نت

عن التقارب الحوثي السعودي مؤخرًا

Picture of نبيل البكيري

نبيل البكيري

كاتب صحافي يمني

لا يخفى على المراقب للمشهد جيدًا، حالة التحول الكبير والمفاجئ في خطاب جماعة الحوثي مؤخرًا، تجاه المملكة العربية السعودية، وكذلك حجم الترحيب والاحتفاء السعودي الكبير والمبالغ فيه أيضًا بهذا التحول في خطاب جماعة الحوثي، التي تحرص على الظهور بأنها أصبحت قادرة على التعاطي مع التحولات المتسارعة بنوع من الاستقلالية عن التوجه الإيراني الذي يحاول الإيرانيون أنفسهم أن يظهروا به مع إمساكهم بخيطه الرفيع.

ففي صدر صفحتها الأولى نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية تصريحًا بتاريخ ٩ فبراير الجاري، للناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام، يقول فيه: إن لقاءنا بـ”الإخوة” السعوديين عالج عقبات خارطة الطريق، مع الأخذ في الاعتبار ما بين القوسين، وهي كلمة الإخوة، التي جاءت على لسان الناطق الحوثي، أنها بمثابة تحول كبير احتفى به الإعلام السعودي وبعض إعلامييه بشكل لافت ومبالغ فيه.

وبطبيعة الحال، يعكس هذا الاحتفاء السعودي المبالغ فيه بمفردة “الإخوة” السعوديين التي قالها ناطق الحوثيين، حالة من التذاكي السياسي الذي يحاولون من خلاله التقاط أنفاس التحول الحوثي في خطابه، وكأنه خطاب وتحول استراتيجي لا علاقة له بالتقارب السعودي الإيراني الذي رعته الصين بين البلدين، نهاية العام الماضي، والذي تُوج بالتوقيع عليه في العاصمة الصينية بيكين، في آذار/ مارس الماضي.

طبيعة التقارب الإيراني السعودي، هل هو الآخر تقارب استراتيجي أم تكتيكي بالضرورة، فبالنسبة للمملكة هو أقرب لحالة اضطرار أكثر منه شيئًا آخر، بينما بالنسبة لإيران فهو تكتيك ليس إلا، لأنها تعمل في ظل حالة التسَالُم الوهمي أكثر مما تعمله في حالة المواجهات والأزمات.

صحيح ثمة تحول في خطاب الحوثي تجاه المملكة وتحول ناعم جدًا أيضًا، لكن هذا التحول لا شك أنه في ذات سياق التقارب الإيراني السعودي، ولا يخرج عنه ومرتبطٌ به، مع تطور آخر ملفت لهذه الاندفاعة الحوثية، وبغض النظر عن طبيعة التقارب الإيراني السعودي، هل هو الآخر تقارب استراتيجي أم تكتيكي بالضرورة، فبالنسبة للمملكة هو أقرب لحالة اضطرار أكثر منه شيئًا آخر، بينما بالنسبة لإيران فهو تكتيك ليس إلا، لأنها تعمل في ظل حالة التسَالُم الوهمي أكثر مما تعمله في حالة المواجهات والأزمات.

وبالعودة إلى طبيعة التطور الملفت الأخير الذي سَرَّعَ بهذه الاندفاعة الحوثية، وتليين الخطاب تجاه المملكة، والحديث عن نجاح من قبل ناطق الحوثيين في ما يتعلق بتجاوز عقبات خارطة الطريق -التي لا يعلم أحد عنها شيئًاـ فلا شك أنه لا يخرج عن تداعيات أحداث جنوب البحر الأحمر، وتطورات المشهد هناك، وما تقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما من تشكيل تحالف الازدهار والعمليات التي تتلقاها جماعة الحوثي.

فصحيح أن العمليات الأمريكية البريطانية لاتزال حتى الآن هي أقرب لرسائل أكثر منها عمليات عسكرية حقيقية، بالنظر إلى حالة الارتباك الأمريكي في ما يتعلق بالمشهد الانتخابي الداخلي الأمريكي، عدا عن المشهد الإقليمي وتداعيات العدوان والحرب الصهيونية على غزة، وإدراك الأمريكان أن إسرائيل غارقة في وحل غزة، وأن طول أمد الحرب حتمًا ليس في صالحها، ولهذا كله لايزال الأمريكان يلوحون بعصا مزيد من الضربات، وبعصا ورقة الإرهاب في وجه جماعة الحوثي.

فجماعة الحوثي، ومن خلال حليفها الإيراني، تدرك هي الأخرى جيدًا أن الأمريكان لايزالون في وضعية العصا والجزرة حاليًا، وأن هذا الوضع قد لا يستمر طويلًا، وتدرك أيضًا أن ثمة حالة فتور شديد في العلاقة بين المملكة والأمريكان، وهي تسعى من خلال هذا الوضع أن تسرع بحالة التقارب مع السعودية، وتحصد لحظة تقارب على حساب خصومها، وأن هذا التقارب كما تشدد الجماعة دائمًا يتم بوساطة عمانية، مما يعني أن السعودية التي تقدم نفسها كوسيط بين الحوثي وخصومه لاتزال في نظر الحوثي كطرف، ولكن طرف يمكن ابتزازه وحلبه كثيرًا من التنازلات المغرية أيضًا.

هذا من جانب، من وجانب آخر، وهو الأهم في سر هذا التبدل في لغة الخطاب الحوثي تجاه المملكة، هو أن الحوثي اليوم يدرك أن أمريكا والغرب عمومًا لن يتوانوا عن معاقبته جراء أحداث جنوب البحر الأحمر وتهديدات الحوثي لطرق الملاحة الدولية، وبالتالي يسعى الحوثي إلى استباق هذا المصير باكرًا من خلال ربط نفسه بالمملكة، والإسراع في عملية التقارب معها تجنبًا لأي ارتدادات قادمة لما قام به إما بعد الانتخابات الأمريكية أو بعد انتهاء حرب غزة.

باتت إيران تحصد كوارث السياسات الخليجية والسعودية تحديدًا في المنطقة العربية كلها، وبخاصة في اليمن، تلك السياسات التي أسهمت بطريقة أو بأخرى بحالة الانقسامات والضعف التي اعترت الفواعل السياسية الحية، وضربت كل القوى الفاعلة والمؤثرة في موجهة المشروع الإيراني في المنطقة العربية كلها

عدا عن ذلك، يدرك الحوثي أن السعودية تمكنت من تدجين كل خصومه اليمنيين وإضعافهم، وأنها ربما باتت تزعم أنها تمسك اليوم بالملف اليمني كله، ويمكن من خلالها تمرير جل أهدافه دون تقديمه أي تنازلات تذكر، في ظل حالة الخلاف السعودي الإماراتي والسعودي الأمريكي، واندفاع السعودية بقوة لتقارب مع إيران، وكل ذلك في تصور المملكة أنه المدخل الرئيسي لتأمينها لرؤية ٢٠٣٠، وهي عينها نقطة ضعف السعودية القاتلة، التي تقودها لحتفها، أمام الاستراتيجية الإيرانية وأذرعها في المنطقة.

بالمجمل، باتت إيران تحصد كوارث السياسات الخليجية والسعودية تحديدًا في المنطقة العربية كلها، وبخاصة في اليمن، تلك السياسات التي أسهمت بطريقة أو بأخرى بحالة الانقسامات والضعف التي اعترت الفواعل السياسية الحية، وضربت كل القوى الفاعلة والمؤثرة في موجهة المشروع الإيراني في المنطقة العربية كلها، من العراق مرورًا بسوريا ولبنان، وصولًا لليمن الذي أسهمت السياسات الخليجية في تفكيكه وخلق فراغات كبيرة في البنى والهياكل المؤسسية والفضاء السياسي العام عمومًا لهذه المجتمعات التي عصفت بها تداعيات ما بعد الربيع العربي.

في الجانب الآخر أيضًا، أي عن الاندفاع السعودي باتجاه جماعة الحوثي والاحتفاء الكبير بتصريحات قياداته، هو أيضًا استشراف سعودي وإن جاء متأخرًا للفشل والهزيمة الإسرائيلية في غزة، وتدرك السعودية أن الإيرانيين سيسعون لاستغلال هذه الهزيمة الإسرائيلية وتجييرها كلها لصالح تمدد مشروعهم وتدخلاتهم في المنطقة، وبالتالي ربما تسعى السعودية لاستباق هذا المآل بالتقارب مع جماعات ومليشيات المشروع الإيراني، ومحاولة شراء رضاها ظنًا منها -أي المملكة- أنه يمكنها استرضاء مليشيات تنضوي في حلف عقائدي وتأتمر بأوامر غرفة عمليات واحدة ومن رأس واحد ووحيد هو صانع القرار الإيراني.

وختامًا، ما لا يمكن تجاهله من قبل كل من خبر المشهد السياسي اليمني و”رماله المتحركة”، بحسب مصطلح رئيس وزراء اليمن الأسبق محسن العيني، هو أن عمليات السلام التي يتم تسويقها بهذه الطريقة، ليست سوى لعبة في الهواء لن يجني أصحابها سوى أوهام في الهواء بالنظر إلى عمق الأزمة اليمنية وتعقيداتها، وأن كل من تجاهل جذور هذه التعقيدات، وحاول القفز فوقها، لن يحصد سوى مرارات الفشل، وأن اليمنيين يفيقون في لحظاتهم الأخيرة، ويفسدون الطبخة قبل استوائها، كما قال الرائي العظيم البردوني، إنهم يطبخوننا كي يذوقوا… عندما ينضجوننا شر وجبة.

الأكثر قراءة