المشاهد نت

الحراج سوق اليمنيين الدائم!

Picture of د. سامية عبدالمجيد الأغبري

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام- جامعة صنعاء

يطلق الحراج في اليمن على السوق الذي تباع فيه البضائع الرخيصة والمستعملة أو المهربة في الشوارع والحارات، وأحيانًا في محلات تجارية تحدد أسعارًا مخفضة جدًا وموحدة لكل السلع في ذلك المحل. وتتنوع السلع من ملابس متنوعة وحقائق وأحذية وجوارب وإكسسوارات وأدوات تجميل، وأدوات منزلية وحتى أغذية… الخ.
ويلاحظ زيادة انتشار أسواق الحراج في اليمن عامة وصنعاء على وجه الخصوص، فبعد أن كانت محصورة في أماكن محددة كالحصبة، وشعوب، والزهراوي.. أصبحت أسواق الحراج منتشرة في أماكن عديدة وغير مألوفة، وتتوسع يومًا بعد أخر.
فعلى سبيل المثال، كانت بوابة جامعة صنعاء الجديدة محصورة على الكتب والأدوات الدراسية والمكتبية وكشك الجرائد، وبعض المستلزمات البسيطة كالجوارب أو الحجابات، وبعض المأكولات السريعة، ومع مرور الوقت تحولت بوابة جامعة صنعاء الجديدة إلى سوق حراج دائم للملابس الصيفية والشتوية والأحذية، والحقائب المتنوعة، والعطور والبخور، والإكسسوارات، وأدوات التجميل، والتحف، والهدايا المتنوعة، وبعض الأدوات المنزلية.. وغيرها.
فما إن تخرج أو تدخل من بوابة الجامعة إلا وترى ذات اليمين، وذات الشمال، الباعة ينادونك أي حاجة بمائة ريال، أو أي حاجة بألف ريال.. كما يقال عند اليمنيين “يا حراجاه يا براجاه”، أي أن الشراء من الحراج يخفف عنهم الغلاء الفاحش في الأسعار.
والملاحظ أن من يبيعون بعض الملابس والعطور والإكسسوارات يأخذونها من محلات تجارية كبرى، بعضها تكون بواقي وبها بعض العيوب المصنعية، أو كانت مكدسة في المخازن منذ فترة طويلة، فبدأ عليها الاصفرار، بخاصة الملابس البيضاء.

حين تقوم بجولة إلى المولات التجارية الشهيرة والعديدة في صنعاء، ستجدها شبه خالية من الزبائن، لارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، الذين أصبح الكثير منهم حين يدخلها يتذكر بحسرة حين كان يتسلم راتبًا ولديه وظيفة محترمة


وفي المقابل حين تقوم بجولة إلى المولات التجارية الشهيرة والعديدة في صنعاء، ستجدها شبه خالية من الزبائن، لارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، الذين أصبح الكثير منهم حين يدخلها يتذكر بحسرة حين كان يتسلم راتبًا ولديه وظيفة محترمة، وإلى جانبها يشارك في فعاليات محلية وعربية وعالمية تدر عليه دخلًا معقولًا، وتراه يتجول في أرجاء المول لمشاهدة الموديلات الجديدة، والخامات النظيفة، وحين يسأل عن السعر ينصدم فيهرول خارجًا كمن لدغه ثعبان.
وغالبًا ما يشمئز الكثير من المواطنين الذين كانوا قبل الحرب في وضع مادي ميسور، من الشراء من الحراج، فتجدهم يتوجهون إلى محلات تجارية نظيفة فيها بضائع مهربة أو استعمال نظيف كما يقال، ومحمية في محلات راقية ونظيفة رغم أنها صينية، وليست ماركات، وتباع بأسعار رخيصة ومحددة، فأية قطعة من أي نوع بنفس السعر، ويمكن تسميتها بالحراج الراقي.
لقد أصبح الغالبية العظمى من المواطنين يرتادون أسواق الحراج سواء التي في الشوارع، وبجوار الجامعات أو أي تجمعات سكانية أو في محلات تجارية أسعارها موحدة لغالبية السلع المتواجدة فيها.
وتعد ظاهرة أسواق الحراج دلالة على زيادة رقعة الفقر في المجتمع، وانحسار الطبقة الوسطى، وتحولها إلى طبقة فقيرة، وتحول الطبقات الفقيرة إلى أدنى مستوى تحت خط الفقر، أي “معدمة”.
ومن الأمور المثيرة للأسى أن الكثير من النساء اللواتي يمتلكن بعض المال، ووقت الفراغ بحكم أنهن عاطلات عن العمل، يقمن بزيارات متكررة شبه يومية للمحلات التجارية المعروفة بتخفيضاتها الدائمة، ويسابقن الأخريات ممن يرغبن في شراء مستلزمات أبنائهن فقط، فيشترين من كل نوع من السلع كمية تجارية بأسعار مخفضة، ويتحولن إلى دلالات يبعنها للبيوت، ويقمن بعرضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويداومن على حضور الأعراس والمناسبات لبيع السلع بأسعار باهظة تصل لأكثر من الثلاثة أضعاف سعرها أو أكثر، مما يحرم الكثير من النساء من الشراء من تلك المحلات، لأن البضائع المهربة والنظيفة قد سبقتهن الدلالات في شرائها، فيضطررن للشراء من العربيات المتناثرة بالشوارع، وغالبًا تكون معرضة للتلوث، وبها عيوب مصنعية.
وهكذا أدى توجه الغالبية العظمى من المواطنين إلى الشراء من أسواق الحراج العديدة، والتي أضحت تنافس المحلات التجارية الراقية والباهظة الثمن، إلى خسارة كبرى لتلك المحلات الراقية، حيث قل مرتادوها إلى أدنى مستوى، واضطرت تلك المحلات لتفادي الخسارة الكبيرة إلى فتح صفحات ومواقع لها على شبكة الإنترنت تعلن فيها عن تخفيضات في حال شراء سلعة فإنك تحصل على أخرى مجانًا، أو تعمل مسابقات لمن يشتري قد يحصل على هدايا مغرية.
كما بدأت الكثير من المحلات التجارية الراقية توظف الكثير من الفتيات واللاتي لديهن قدرات في التعامل مع الزبائن، وأيضًا الاعتماد على مسوقات للسلع إلى البيوت، مع تخفيضها إلى الحد الممكن.
والخلاصة أن الكساد قادم لا محالة، وذلك بسبب توفر البضائع على اختلافها مع ضعف وأحيانًا انعدام القدرة الشرائية للمواطنين، إذ تحولت الكثير من النساء إلى دلالات، دون أن تتمكن إلا قلة منهن من بيع السلع التي اشترتها.. الأمر يزداد خطورة إذا لم تصرف المرتبات، وتتوفر فرص عمل للآلاف من الشباب من الجنسين الذين تخرجوا من الجامعات منذ سنوات الحرب، وأغلبهم لم يجدوا وظيفة عامة ولا خاصة، وحتى الشباب الذين يحاولون أن يكون لهم مشاريع خاصة يصابون بالإحباط لأنهم لا يجدون الدعم والتشجيع من الجهات المعنية في الدولة، بل العكس من ذلك، فإنه يطلب منهم دفع ضرائب وجبايات عديدة.
ولولا المساعدات التي يبعث بها المغتربون لأهاليهم بين الحين والآخر، وهجرة الكثير من الشبان والشابات للخارج سواء هجرة شرعية أو غير شرعية، والتراحم إلى حد كبير بين أبناء الشعب، لكنا نعاني من مجاعة تهلك الحرث والنسل.. لذلك فالانتشار المخيف لأسواق الحراج وتوجه غالبية المواطنين للشراء منها لرخص ثمنها، ينذر بكارثة اقتصادية قادمة.

الأكثر قراءة