المشاهد نت

عمالة الأطفال… الحرب تضاعف الخطر

يمثل الأطفال دون سن الخامسة عشرة 45% من إجمالي السكان في اليمن

تعز – بشرى الحميدي

«عابد» طفل في ربيعه الـ14، يقف كل صباح مع والده في إحدى جولات مدينة تعز (جنوب غربي اليمن)، في انتظار رزقٍ يأتي نادرًا ويغيب كثيرًا.

يصحو عابد كل صباح، ويذهب مع والده إلى جولة المدينة في شارع بئر باشا، هناك يتم اختياره مع مجموعة من «الشقاة» للعمل في إحدى البنايات، ويقوم مع والده بحمل أكياس الأسمنت على ظهره، ليتقاضى أجرته في نهاية اليوم.

عبر عابد لـ«المشاهد» عن سعادته الممزوجة بالحزن، قائلًا بلهجته الدارجة: ”صح العمل متعب وشاق عليّ، لكن أنا فرحان أني أشتغل وأتقاضى أجري باليومي؛ لأني أرجع للبيت ومعي فلوس أجيبها لأمي تقدر تشتري حاجات للبيت، وأنا في نفس الوقت حزين لأني كنت أشتي أكمل دراستي، بس مافيش من يشقي ويساعد أبي في مصروف البيت، وأنا عندي 8 أخوات والدنيا حرب”.

وعابد هو واحد من ملايين الأطفال في اليمن ممن يفتقرون لأبسط الحقوق، خصوصا في ظل الحرب الدائرة في البلاد منذ ثمان سنوات. إذ تعيش اأسرلأطفال في اليمن في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة ما يدفع الأطفال للإنخراط في أعمال شاقة وخطرة.

يمثل الأطفال في اليمن ممن هم دون سن الخامسة عشرة 45% من إجمالي عدد السكان، حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان. وهذا يشكل ضغطا على الخدمات المقدمة للأطفال بما في ذلك التعليم، الرعاية الاجتماعية، الرعاية الصحية وفرص العمل، حسب المصدر نفسه.

تبعات الحرب

ناشط في منظمة رعاية الطفل بمدينة تعز، رفض الكشف عن اسمه، بيّن لـ«المشاهد» أن إفرازات الحرب وتبعاتها التي تمر بها البلاد، ولاسيما الظروف الاقتصادية، لها دور كبير في ظاهرة عمالة الأطفال الخطرة.

وأضاف أن غالبية الأعمال التي يمارسها الأطفال هي أعمال شاقة ومتعبة لا تتلاءم مع بنيتهم الضعيفة، فمنهم من يعمل في المطاعم، وآخرون في إصلاح السيارات، والبعض يعمل في حمل البضائع والأثقال، وهي أعمال تؤثر على صحتهم وتعليمهم، وضياع مستقبلهم.

وكانت منظمة العمل الدولية قد عملت في اليمن ما بين 2000 و 2010 على تنفيذ مشروع القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال. حيث شملت المرحلة الأولى من المشروع التوعية بخطر عمل الأطفال على المستوى المجتمعي والحكومي ونتج عن ذلك مصادقة اليمن على اتفاقية القضائ على أسوأ أشكال عمالة الأطفال واتفاقية الحد الأدنى لسن الطفل العامل. كما شملت المرحلة الثانية دعم قدرات وحدة عمل الطفل بوزارة العمل اليمنية ودعم تأسيس مراكز تأهيل الأطفال العاملين في صنعاء، عدن وحضرموت.

يقول القائم بأعمال وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية لقطاع القوى العاملة، أحمد حمود حاتم المخلافي، إن هناك اتفاقيات بشأن حظر أسوأ أشكال عمالة الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها.

ويشير لـ«المشاهد» إلى أن اليمن صادقت على هذه الاتفاقيات، وتتخذ كل دولة عضو تصادق على هذه الاتفاقية -بسرعة ودون إبطاء- تدابير فورية وفعالة تكفل بموجبها حظر أسوأ أشكال عمالة الأطفال والقضاء عليها.

ويضيف المخلافي: ”يُطبق تعبير الطفل في مفهوم الاتفاقية على جميع الأشخاص دون سن الـ18، ويشمل تعبير أسوأ أشكال عمل الأطفال في مفهوم هذه الاتفاقية اعتبار كافة أشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق، كبيع الأطفال والاتجار بهم وعبودية الدين والعمل القسري أو الإجباري، بما في ذلك التجنيد الإجباري للأطفال في صراعات مسلحة، واستخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لأغراض الدعارة أو لإنتاج أعمال إباحية”.

إقرأ أيضاً  الحوثيون يصادرون روايات تدعو لـ«الحب» بذمار

أعمال خطرة

يرى رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي، أن المهن الخطيرة التي يمارسها الأطفال في اليمن، والتي تصنف ضمن أسوأ أشكال عمالة الأطفال دون سن الـ15، هي التجنيد والإشراك في النزاع المسلح، ورش السموم والمبيدات، والحراسات، والاستغلال في التسول، والتهريب إلى خارج الحدود بقصد التسول، والاستغلال في مهن أخرى.

القرشي يشير لـ«المشاهد» إلى جملة أخرى من الأعمال الخطرة على الأطفال، كالاستغلال الجنسي والاستغلال في الدعارة الإلكترونية، والكثير من هذه الأعمال التي نسميها أسوأ أشكال عمالة الأطفال الموجودة في اليمن، وذات الخطورة البالغة على حياة وسلامة وكرامة الأطفال.

أولويات الحقوق

بدوره، يقول القائم بأعمال وكيل قطاع الرعاية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، صالح محمود حسن، إنه ينبغي أن يكون الأطفال في سلم أولويات الجميع؛ لأنهم لا يستطيعون تدبر أمورهم أو الدفاع عن حقوقهم، لهذا يجب أن يكون معهم من يسندهم ويدافع عن حقوقهم بحيث تكون هذه الحقوق مصانة.

ويلفت المسؤول الحكومي، خلال حديثه لـ«المشاهد»، إلى أن كثيرًا من الأطفال تضيع حقوقهم في زخم الحروب والكوارث، خصوصًا في الدول المنكوبة التي تعاني من حروب ومشاكل في الحياة، ومن أهم حقوق الطفل ألّا يقع ضحيةً للتمييز، والحفاظ على كرامته الإنسانية.

ويضيف: “ينبغي تقديم مصلحة الطفل والحفاظ على حقه في البقاء والنمو والتعليم والصحة من خلال  الاتفاقيات التي تنص على هذه الحقوق وتطبيق بنودها، وعدم إغفال أي جانب منها، سواءً تقديم الرعاية الصحية أو الاجتماعية أو القانونية أو المدنية. بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالطفل في أن يعيش ضمن أسرة مستقرة بعيدًا عن الأعمال الشاقة والخطرة، وحقه في الحصول على الرعاية النفسية الكاملة، وحمايته من جميع المخاطر المحتملة والممارسات التي تُمارس ضده مثل تشغيله كعمالة، واستغلاله بصورة بشعة تمس طفولته.

تحذيرات نفسية

 من جانبه، يحذر مدير مركز الإرشاد في جامعة تعز، جمهور الحميدي، من أن عمل الأطفال في السن المبكرة له تداعيات نفسية واجتماعية كارثية على مستوى الطفل وأسرته والمجتمع بشكل عام.

الحميدي يشير لـ«المشاهد» إلى أن الظروف الاقتصادية هي التي تجبر الأطفال على العمل، وبالتالي تعاني المجتمعات التي تنتشر فيها عمالة الأطفال من مشاكل كثيرة تبدأ بالطفل نفسه، فهو يعيش حياة غير متوازنة يفتقد فيها احتياجات مرحلة الطفولة من لعب وتعلم وصقل المهارات، والدخول مبكرًا على المجال المهني يحرمه من أغلب متطلبات الطفولة. إضافةً إلى أن ذلك يعرّض الأطفال للابتزاز أو الانحراف وانتشار الجريمة، ما يهدد حاضر ومستقبل أي مجتمع تنتشر فيه هذه الظواهر.

حماية الأطفال

صادقت اليمن في عام 2000 على اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بحظر أسوأ أشكال عمالة الأطفال والإتفاقية الخاصة بالحد الأدني لسن العمل، حسب منى علي البان، مدير عام وحدة مكافحة عمالة الأطفال بوزارة الشؤوون الاجتماعية والعمل.

وأصدر الحكومة اليمنية في 2002 قانون حقوق الطفل الذي يحدد الحد الأدنى لسن العمل بـ 14 عاما ويحظر القانون تشغيل الطفل في الأعمال الصناعية قبل بلوغ سن الخامسة عشرة.

وقالت في حديثها للمشاهد أن وزراة الشؤون الاجتماعية والعمل تعمل حاليا على استكمال إستراتيجية مناهضة أسوأ أشكال عمالة الأطفال في اليمن وسيتم التنسيق مع المانحين من أجل تنفيذها.

مقالات مشابهة