المشاهد نت

ابتزاز ملاك المخابز في صنعاء

Bakeries' owners demand joint study to determine fair price of the bread

صنعاء – الحسين اليزيدي وتكريم عثمان  

يتعرض ملاك المخابز في أمانة العاصمة صنعاء الخاضعة لسلطات جماعة الحوثي “أنصار الله” لإبتزاز منظم من قبل عمال مكتب الصناعة والتجارة بحجة مخالفة التسعيرة التي لم توافق عليها نقابة المخابز و الأفران.

ينتشر في صنعاء قرابة 700 مخبز موزعة على مديريات الأمانة العشر، منها 25 مخبزًا آليًا و675 مخبزًا  يدويا، حسب مكتب الصناعة والتجارة. يشرف على هذه الأفران مكتب الصناعة والتجارة في ما يخص عملية الإنتاج والبيع.

وكانت وزارة الصناعة والتجارة في حكومة جماعة الحوثي قد أقرت في الثاني من نوفمبر 2022  تسعيرة بيع الخبز والروتي بسعر بـ 450 ريالا للكيلوغرام الواحد، وهو الأمر الذي يرفضه أصحاب المخابز والأفران، مصرين على البيع بالحبة أو رفع سعر الكيلو إلى 600 ريالا.

تحدث عملية الإبتزاز بعد تقييد مخالفة للمخبز من قبل مفتشي مكتب  الصناعة والتجارة عند التحقق من مخالفة التسعيرة. ليبدأ بعدها مشوار المساومة بين صاحب المخبز ومفتشي مكتب الصناعة والتجارة ليتم لاحقا إجبار صاحب المخبز بدفع “غرامة” بدون سندات، حسب أحاديث ملاك المخابز.

نائب رئيس شعبة المخابز في الغرفة التجارية، بالأمانة بندر الدعيس “التسعيرة الصادرة من مكتب الصناعة والتجارة مُجحفة بحق أصحاب المخابز والأفران، وقد فُرضت عليهم عنوةً دون دراسة مسبقة تُحدد تكاليف الإنتاج وتنظم عملية البيع والتعامل بين أصحاب المخابز والمواطنين، بحيث لا يُظلم المواطن ولا مالك المخبز.

صاحب مخبز في صنعاء قال في حديث للمشاهد “تسعيرة مكتب الصناعة والتجارة لم تبنى على دراسات سلسلة قيمة تكاليف الخبز، هذه التسعيرة تفرض علينا فرض وتكلفنا خسائر فادحة.”

ويقول أنهم مهددون بفقدان مصدر معيشتهم في حال رفضوا العمل بتسعيرة مكتب الصناعة والتجارة.

مضيفا “هناك عقوبات من مكتب الصناعة إذا لم نلتزم بالسعر المحدد، سيقوم باجراءات عقابية فرض غرامة قبل الأغلاق والتهديد بسحب تراخيص العمل، هذه الممارسات تدفعنا إلى انقاص الوزن للخبز والروتي.”

رفض البيع بالكيلو

المواطن عبده الترابي في صنعاء يعبر عن معاناته بلهجة عاجزة قائلًا: ازداد الوضع صعوبة حين ارتفع سعر حبة الخبز والروتي إلى 25 ريالًا، وبالأمس حاولت أن أشتري من مخبز الصقر الواقع في شملان بالكيلو فأخبروني أن سعر الكيلو الواحد 600 ريال، هذا الأمر أرهقني ولم أعد أستطيع توفير الخبز الكافي لأسرتي بشكل يومي.

وهو الأمر الذي يؤكده المواطن حامد المقري بقوله: أعاني كثيرًا في سبيل توفير الخبز الذي يسد بالكاد جوع زوجتي وأبنائي، خصوصًا وأن أصحاب المخابز يرفعون الأسعار ويرفضون البيع بالكيلو.

ويضيف: لا أدري لماذا يصغر حجم حبة الخبز ويقل وزنها بشكل مستمر، كما أن جودة الخبز انخفضت، وكأن أصحاب المخابز يتعمدون الإكثار من الخميرة للتقليل من تكاليف الإنتاج.

هذه أقوال مواطنَين اثنين فقط من عدة مواطنين قابلناهم واستمعنا إلى مآسيهم، إلا أننا لم نستطع إدراجها كلها نظرًا لضيق المساحة، لكن جميعهم يتفقون أن معاناتهم واحدة.

سعر الكيلو الخبز

حديث المواطنين عن هذه الممارسات من قِبَل أصحاب المخابز قادنا للتأكد من الأمر، فقمنا بالنزول إلى أكثر من فرن وحاولنا شراء الخبز بالكيلوغرام، وبالفعل رفض أصحاب هذه المخابز أن يبيعوا لنا بالكيلو، ومن وافق منهم طلب 600 ريال مقابل الكيلوغرام الواحد، وعندما سألناهم عن السبب أجابوا بأن سعر البيع بالكيلو والمقر من مكتب الصناعة والتجارة ظالم بحقهم وغير مربح، خصوصًا بعد ارتفاع أسعار الدقيق والديزل والكهرباء وبقية متطلبات العمل، مشيرين إلى أنهم مضطرون لبيع الخبز للمواطن بالحبة وبسعر 25 ريالًا.

في مقابل تبريرات أصحاب المخابز، يعيش المواطنون صعوبة بالغة في شراء الخبز بسبب الارتفاع المتزايد في أسعار الدقيق، إذ وصل سعر الكيس الدقيق إلى 17.200 ريالا، الأمر الذي فاقم من معاناة المواطنين وأصحاب المخابز على حدٍ سواء.

ابتزاز ملاك  المخابز

التقا معدا التقرير نائب رئيس شعبة المخابز في الغرفة التجارية، بالأمانة بندر الدعيس، الذي أوضح أن التسعيرة الصادرة من مكتب الصناعة والتجارة مُجحفة بحق أصحاب المخابز والأفران، وأنها فُرضت عليهم عنوةً دون دراسة مسبقة تُحدد تكاليف الإنتاج وتنظم عملية البيع والتعامل بين أصحاب المخابز والمواطنين، بحيث لا يُظلم المواطن ولا مالك المخبز.

سألنا الدعيس عن سبب قيام مكتب الصناعة والتجارة بإقرار التسعيرة دون علمهم أو موافقتهم، فأجابنا بأن الهدف من هذا هو ابتزاز أصحاب المخابز، وذلك لأن الأخيرين لن يستطيعوا الالتزام بالتسعيرة المفروضة عليهم كونها ستعود على رأس المال بالخسارة، وعلى حد قوله فإن المكتب يعلم أن أية محاولة لتطبيق القرار لن تنجح، وسيظل يمارس ابتزازه الدائم عليهم بالغرامات المالية والإغلاق، والسبب الرئيسي عدم وجود دراسة شاملة ومشتركة تُنصف الجميع.

إقرأ أيضاً  أسعار وجودة الأسماك في تعز

لكن في المقابل، نائب مدير إدارة المخابز والأفران بمكتب الصناعة والتجارة يوسف السنيني، في حديث لمعدي المادة قال “إن جميع المخابز الآلية ملتزمة بتسعيرة الكيلوغرام بـ500 ريال، وعندما أخبرناه بأننا حاولنا الشراء من مخبز آلي بالكيلو وقوبلنا بالرفض؛ برر ذلك بأن بعض المخابز تقوم بوزن الخبز وتعبئته في أكياس من قبل ليكون جاهزًا للبيع.”

حديث المواطنين عن رفض المخابز البيع بالكيلو قادنا للتأكد من الأمر، فقمنا بالنزول إلى أكثر من فرن وحاولنا شراء الخبز بالكيلوغرام، وبالفعل رفض أصحاب هذه المخابز أن يبيعوا لنا بالكيلو، ومن وافق منهم طلب 600 ريال مقابل الكيلوغرام الواحد، وقالوا أن سعر البيع المقر من مكتب الصناعة والتجارة ظالم بحقهم وغير مربح

أخبرناه أن أصحاب الأفران يطالبون بإعادة النظر في التسعيرة وعمل دراسة مشتركة بينهم وبين المكتب، فكان جوابه نافيًا لشكاوى أصحاب المخابز، إذ قال إنه قد تم بالفعل إجراء دراسة مشتركة وعلى ضوئها تم تحديد السعر بـ500 ريال للكيلوغرام الواحد من الخبز، مضيفًا أن الذين يشتكون من هذه التسعيرة هم من يريدون زيادة معاناة المواطن.”

هناك تناقض واضح بين تصريحات مكتب الصناعة والتجارة وتصريحات ملاك المخابز، وفي المنتصف المواطن الذي يعاني وبال هذا التناقض، ويقف عاجزًا عن تأمين لقمة عيشه التي لا تزيد عن كسرة خبز.

وحسب مصادر طلبت عدم الإفصاح عن أسمائها، أن مكتب الصناعة والتجارة يمارس الابتزاز السري بحق أصحاب المخابز والأفران، وذلك عن طريق إلزامهم بدفع مبالغ مالية بذريعة أنها (غرامات) رغم أنهم لا يوردونها لخزينة الدولة كما يوجب عليهم القانون، حيث يأخذون المبالغ من أصحاب الأفران دون إعطائهم (سندات قبض) مقابلها.

توجيه لم يُنفذ

انتظرنا يومًا كاملًا حتى استطعنا مقابلة دبوان فرحان، ممثل نقابة أصحاب المخابز والأفران، وأثناء حديثنا معه أوضح أن أصحاب الأفران بادروا بتقديم تظلماتهم من السعر الجديد (500 ريال) إلى مكتب أمين العاصمة، وطالبوا بإعادة النظر في التسعيرة وإجراء دراسة مشتركة، لكنهم لم يجدوا أي تجاوب.

في تلك اللحظة، قلنا لـفرحان إن مكتب الصناعة والتجارة يؤكد أن تسعيرة الـ500 ريال تم اعتمادها بناء على دراسة مشتركة بالفعل، فأجاب بأن هذا غير صحيح، وأن هذه الدراسة ليست مشتركة، بل أعدها المكتب عشوائيًا دون وجود ممثل لأصحاب المخابز والأفران، حيث طالبوا بهذه التسعيرة قبل ارتفاع أسعار الدقيق، أما الآن فهم بحاجة إلى دراسة مشتركة جديدة يرفض المكتب تنفيذها حتى لحظة حديثنا هذا، وذلك بغرض ابتزاز أصحاب المخابز وفرض عقوبات مالية عليهم، كونه يعلم بعدم استطاعتهم الالتزام بتسعيرته المحددة.

وأضاف أن لديهم مذكرة (توجيهًا) صادرة من أمانة العاصمة إلى مكتب الصناعة والتجارة بتاريخ 23-11-2021، يوجه فيها وكيل أمانة العاصمة لقطاع الخدمات مكتب الصناعة والتجارة بتشكيل لجنة مشتركة لعمل دراسة واقعية تحدد تكاليف إنتاج الخبز وسعر بيعه للمواطنين، لكن مايزال المكتب يرفض تنفيذ التوجيه.

عندما عدنا إلى مكتب الصناعة والتجارة وأطلعناهم على توجيه وكيل أمانة العاصمة لقطاع الخدمات عبدالفتاح الشرفي؛ أظهروا لنا دراسة قالوا إنها حديثة وقد تم تنفيذها بالاشتراك مع أصحاب المخابز، وهذا ما ينفيه ممثلو أصحاب المخابز والأفران (الدعيس وفرحان). وحين طلبنا من المكتب إعطاءنا نسخة من الدراسة أو السماح لنا بتصويرها، رفضوا رفضًا قاطعًا.

في السياق ذاته، أوضح الدعيس وفرحان أنهم لم يطلعوا على تلك الدراسة ولم يعلموا بها أصلًا، رغم أنه يفترض إشراكهم في إجراء أية دراسة يتم عملها، كونهم المختصين والممثلين لأصحاب المخابز والأفران.

وفي أثناء بحثنا عن خيط يقودنا لحقيقة المشهد وخلفياته وجوانبه، حصلنا على مذكرة شكوى وجهها أصحاب المخابز إلى أمين العاصمة ووزير الصناعة والتجارة، يشكون فيها مما سموه تعسف وابتزاز مكتب الصناعة والتجارة بحقهم.

في نص الشكوى أنهم فوجئوا باستدعائهم من قبل مكتب الصناعة والتجارة للتوقيع على دراسة أجراها بنفسه دون مشاركتهم أو أخذ رأيهم، وأقر تسعيرة 500 ريال للكيلوجرام الواحد، متهمين المكتب بابتزازهم ومحاولة تمرير سعر مُجحف بحقهم، واختتموا شكواهم بالمطالبة بوضع حد لممارسات مكتب الصناعة والتجارة وفروعه في الأمانة بحقهم كمُلّاك للمخابز.

كانت هذه المذكرة بتاريخ 17-11-2021، إلا أنه وفي تاريخ 28-11-2021 تم تعميم التسعيرة الجديدة (500 ريال مقابل الكيلو من الخبز) من قبل مكتب الصناعة والتجارة، وتمت المُباشرة بالنزولات الميدانية وضبط من يُخالف التسعيرة أو يبيع بالحبة.

مايزال مكتب الصناعة والتجارة يصر على أنه قد أجرى دراسة مشتركة تنفيذًا لتوجيه وكيل أمانة العاصمة، بناء على مطالبات أصحاب المخابز والأفران.

مقالات مشابهة