المشاهد نت

كيف فاقم “الحصار” معاناة المواطنين في الحصول على المياه في تعز؟

مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية من أعلي قلعة القاهرة التاريخية -المشاهد

تعز -أسامه فرحان :

تشهد مدينة تعز، الواقعة جنوبي غرب اليمن، حصارًا مستمرًا منذ ثمان سنوات، لم يكن الحصار جغرافيًّا فقط وإنما مائيًّا أيضًا، فمنذ اندلاع الحرب أصبحت كافة الحقول الرئيسية التي تغذي مدينة تعز بالمياه، وعلى رأسها الحقلين الأساسيين “حقل الحوجلة وحقل الضباب”، الواقعين في خطوط النار، معطلة إلى يومنا هذا.

قبل اندلاع الحرب الراهنة، كانت تعز تعتمد على تغذية المياه بالمدينة من 88 بئرًا،  هذه الآبار تقع في أربعة حقول رئيسية، الحقل الأول حقل الحوجلة والعامرة والذي يحتوي على 18 بئرًا، وكان يبلغ قدرته الإنتاجية 7 ملايين لتر يوميًا، الحقل الثاني حقل آبار الضباب المحتوي على 9 آبار بمعدل إنتاجية تصل  إلى 4 ملايين لتر، أما عن الحقل الثالث فهو حقل آبار الحيمة وحبير المكون من 23 بئرًا، وينتج أيضًا بحدود أربعة إلى خمسة ملايين لتر على المستوى اليومي، إضافة إلى الحقل الرابع آبار المدينة الإسعافية وعددها 38 بئرًا، منها 17 في خطوط التماس.

تلك هي الحقول الرئيسية التي كانت تغذي مدينة تعز بالمياه، وجميعها تقع في الحدود المحيطة بالمدينة – ما عدا المتبقية من حقل المدينة وعددها 21 بئرًا – كما يقول مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي في محافظة تعز، سمير عبدالواحد.

ويضيف عبدالواحد، خلال حديثه لـ “المشاهد”، أن الحقول الرئيسية توقفت عن ضخ المياه إلى داخل المدينة بسبب الحرب الجائرة في البلاد، ووقوعها في مناطق التماس المباشرة وفي أكثر المناطق احتدامًا للمعارك حاليًّا، إذ توقف حقل الحوجلة والعامرة وحقل آبار الضباب إلى يومنا، منوهًا إلى أن “المدينة فقدت نحو 79% من إجمالي إنتاجها للمياه خلال اليوم الواحد”.

ويشير عبدالواحد إلى أن “حقل الحيمة وحبير، الواقع في مناطق سيطرة الحوثيين شرق المدينة، حقل آمن تم تأهيل غالبية الآبار فيه عبر منظمة اليونسيف منذ عام 2018م بالمولدات والمضخات المطلوبة لإعادة تشغيله، ولكن يتبقى إعادة تأهيل الخط الناقل من هذا الحقل إلى خزانات التجميع الموجودة داخل المدينة والتابعة للمؤسسة”.

وساطة لضخ المياه

يقول محمد الحريبي، مساعد الإعلام في مؤسسة شباب سبأ للتنمية، لـ “المشاهد”، إن المؤسسة تقوم بوساطة محلية من أجل ضخ المياه لجميع السكان في محافظة تعز، وهذه الوساطة ما زالت مستمرة حتى الآن بين الطرفين – جماعة الحوثي والحكومة اليمنية – من أجل ضخ المياه من الآبار إلى الخزانات، ومنها إلى جميع منازل المواطنين في جميع مناطق المحافظة.

ويضيف الحريبي: “نجاح الوساطة في ضخ المياه سيخفف كثيرًا من معاناة المواطنين المتمثلة في صعوبة حصولهم على المياه”.

وبحسب تصريح سابق نقلته مواقع إخبارية عن مدير مشروع سند الذي تنفذه مؤسسة شباب سبأ لتعزيز الاستقرار المجتمعي بتعز، محمد الحروي، فإن “المشروع بنسخته الثانية عمل على مواصلة السعي لإعادة خدمات المياه في مدينة تعز، والذي نُفّذ في ثلاث مسارات، أهمها الوساطة المحلية من أجل المياه، حيث تستمر اللقاءات والتواصلات مع الأطراف لضمان ضخ المياه إلى خزانات المؤسسة المحلية للمياه استعدادًا لضخها للسكان في المحافظة”.

وعن ضخ المياه من الآبار الواقعة في مناطق خطوط التماس وعددها 51 بئرًا، والتي لا يستفيد منها كلا الطرفين، يقول سمير عبدالواحد إن الموضوع لا يزال إلى هذه اللحظة قيد التفاوض، ويجري التناقش مع الطرف الآخر في إعادة تفعيل وتشغيل هذه الآبار لضخ المياه إلى المدينة، ومن ثم ضخها إلى خزانات المياه المتواجدة وسط المدينة، ليتم توزيعها على مختلف مناطق تعز ومنها الحوبان شرقًا.

“سعينا مع كافة المنظمات الإنسانية لتحييد هذه المواقع عن الصراع، وإعادة ضخ المياه منها، سواء إلى داخل المدينة أو إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، إلّا أن ذلك لم يتحقق حتى اليوم، ولكننا لا زلنا مصرين ومستمرين في محاولة عمل حل لذلك”، يؤكد عبدالواحد.

وساطة المياه والسلم المجتمعي

ترتبط الوساطة في موضع “المياه” ارتباطاً وثيقًا بعمليات بناء السلام، وتعزيز التفاهم والمصالحة والحوار الفعال، وضمان عودة مياه السلام لمجاريها التي يأمل بعودتها اليمنيين.

وتقول رئيس مؤسسة كيان للسلام والتنمية، مها عون، إن من أهم الوسائل التي تساعد على تحقيق سلام في مواقع معينة هي الوساطة، حيث تعمل على بناء الثقة بين الطرفين وبناء حلول فعالة تهم المجتمع بشكل كبير.

وتضيف عون، في حديثها لـ “المشاهد”، أن قضية المياه “قضية مشتركة بين كلا الإدارتين في المدينة والحوبان، فالإدارة الثانية بحاجة إلى توفير المرتبات لموظفيها الذين يعيشون منذ سنوات بدون إعاشات، والإدارة الأولى تواجه شحة في المياه مع زيادة الطلب الذي لا يكفي تغطية المدينة وسكانها، وحاجة كل من الإدارتين مرهونٌ بيد الأخرى، وإذا استطعنا جمع الطرفين على طاولة حوار واحدة، فإن هذا سيساهم في إحياء التعاون بينهما”.

وأشارت عون إلى أنه “سينعكس التعاون بين الطرفين في حال توفرت المياه على باقي الإدارات المختلفة، ومع توفر بعض الخدمات الناتجة عن المصالحة سيوفر الأمر مناخًا ملائمًا يدرك من خلاله المواطنين والأطراف أن توفر الخدمات مرهون بالتفاهمات والتعايش مع الأطراف الأخرى، وهذا بدوره سينعكس على عمليات السلام بشكل إيجابي وفعال”.

إقرأ أيضاً  ما حقيقة صور تشييع جنازة الزنداني في تركيا؟

وستمهد الوساطة في قضية المياه لتفاهمات ومصالحات أكبر على مستوى القضايا الكبرى، ومنها الحد من استمرار النزاع، وتعزيز عمليات السلام الشامل في اليمن، بحسب عون.

من جهتها، تقول الناشطة المجتمعية، مرسيليا العسالي، إن “الوساطة تعزز التعايش والسلام، وتقلّص الفجوات بين الأطراف المتنازعة، وتخلق الثقة حتى ولو بنسبة بسيطة، وهو ما سينتج في حال نجحت وساطة ضخ مياه الحوبان إلى المدينة”.

صعوبة الحصول على المياه

يعاني سكان مدينة تعز من شحة المياه، وصعوبة توفيرها عبر الصهاريج المتنقلة (الوايتات)، فضلًا عن ارتفاع أسعارها بين الحين والآخر إثر تقلبات أسعار الصرف.

وفي السياق، يروي عبدالسلام العديني (44 عامًا)، مواطن في حي العواضي وسط المدينة، لـ “المشاهد”، عن معاناته في الحصول على المياه قائلًا: “أصبح الحصول على الماء لمن استطاع إليه سبيلًا!، فقد وصل سعر الوايت سعة 3 آلاف لتر من الماء المالح إلى 25 ألف ريال، مع العلم أن الماء يتم استهلاكه من الخزانات خلال أسبوعين أو أقل، وأن هذه التسعيرة تتغير مع تقلّب سعر صرف العملة المحلية، فكم جهد المواطن؟”، يتساءل العديني.

ويضيف العديني: “بالنسبة لمشاريع السبيل – الخزانات الخيرية – فإنها لم تعد موجودة كما كانت سابقًا، أو بالأصح لم تعد موجودة أصلًا، مع العلم أنها كانت تصرف 20 لترًا فقط من الماء الصالح للشرب للشخص الواحد، بعد أن تقف في طوابير طويلة ليأتي دورك”.

وفي بيان سابق للّجنة الدولية للصليب الأحمر عن أزمة المياه، نشرته في يوليو 2021م، تعد اليمن واحدة من أكثر البلدان معاناة من ندرة المياه في العالم، وأصبح الحصول على المياه والغذاء والخدمات الأساسية فيها أشد صعوبة بالنسبة لمعظم اليمنيين.

وأكدت اللجنة أن أزمة المياه في اليمن تؤثر على ملايين الأفراد يوميًا، وأن شبكة أنابيب المياه لا تغطي إلّا 30% من السكان، وهي تعاني من الأضرار وتحتاج إلى الصيانة في العديد من الأماكن. 

وبحسب اللجنة، يلجأ يوميًّا أكثر من 15 مليون يمني إلى طرق مكلّفة ومستهلكة للوقت في سبيل الحصول على ما يكفيهم من المياه.

حلول ومعالجات

في سبيل مواجهة حدة الأزمة المائية التي تعانيها مدينة تعز جراء الحرب والحصار، وأيضًا حصار المصادر المائية المغذية لها، يقول سمير عبدالواحد إن “الاهتمام بالمصادر المائية الحالية، والعمل على تنميتها، والبحث عن مصادر جديدة لرفد وتعزيز حجم إنتاج المياه، من أولويات المؤسسة للعام الجاري 2023م”.

وبحسب عبدالواحد، فإنه تم تنفيذ بعض الحلول والمعالجات التي من شأنها تعويض النقص بين العرض والطلب المائي لسكان المدينة، حيث تم تأهيل من الآبار المتواجدة في مدينة تعز بنسبة 80%، سواءً المتدني إنتاجها أو الآبار الآمنة والغير عاملة، وتمثلت المعالجات بالقيام بأعمال ترفيع مكونات هذه الآبار، ومعالجة الاختلالات الحاصلة فيها، واستبدال المواسير التالفة، وعمل الصيانة اللازمة للمضخات والمحركات الكهربائية الغاطسة والميكانيكية، مشيرًا إلى أن هذه الآبار “بلغت أكثر من 14 بئرًا بتمويل ودعم من عدة منظمات محلية ودولية”.

وخلال الفترة الماضية، تم حفر عدد 8 آبار داخل المدينة مع توفير جميع احتياجاتها الكهروميكانيكية، وتنفيذ خطوط الضخ للمواطنين، وهو أحد حلول معالجة أزمة المياه بالمدينة الذي نُفّذ ومُوّل من قبل الجمعية الكويتية للإغاثة، بحسب مسؤول الدراسات والتخطيط في مؤسسة المياه بتعز، صادق التبعي.

وسبق أن دُشن مشروع إعادة ضخ المياه من خزانات المناخ المركزية، الواقعة وسط المدينة، بقدرة استيعابية تقدر بـ 11 مليون لتر في يوليو 2022م، من قبل محافظ المحافظة، نبيل شمسان، وذلك لتخفيف المعاناة عن كاهل المواطنين والانتقال بعدها إلى مراحل جديدة للتوسع في تغطية خارطة الاحتياجات للمياه، وفق شمسان آنذاك.

هذه المياه يتم توفيرها من آبار المدينة الإسعافية ذات الإنتاجية المحدودة، إذ كان نظام التوزيع فيها قبل الحرب بالمنطقة الجغرافية المحيطة بها، وكانت تغطي بنسبة 30% فقط من مساحة المدينة، فيما بقيّة مساحات المدينة 70% كانت تستمد ماؤها من الخزانات الرئيسية أو مراكز التوزيع الرئيسية بالمدينة، والتي كانت تأتي من الحيمة وحبير والحوجلة ومن الضباب، كما يؤكد عبدالواحد.

وعانى سكان تلك المناطق من انعدام المياه في شبكاتها منذ عام 2015م حتى يومنا هذا، إذ أقيمت بعض الحلول الطارئة لمشكلة الآبار المتواجدة داخل المدينة وإعادة تشغيلها واستمرار ضخ المياه منها إلى جميع المواطنين عبر ربط كافة الآبار الموجودة – الـ 21 بئرًا – إلى خزانات التجميع، وتوزيعها على المواطنين في مختلف أحياء المدينة.

وفي مطلع مارس الجاري، وُضع حجر الأساس لمشروع رفد المصادر المائية المغذية لمدينة تعز المتمثل بحفر 10 آبار للمياه في حقل طالوق غربي المدينة، بتكلفة بلغت 10 مليارات ريال يمني، بدعم من الإمارات العربية المتحدة، ويرى ناشطون وإعلاميون أن هذه الخطوة ستعمل على الحد من معاناة المواطنين في مدينة تعز في حصولهم على المياه، والتي استمرت لأكثر من سبع سنوات متتالية.

مقالات مشابهة