المشاهد نت

الفعاليات الثقافية في الضالع بين الاستمرار والتوقف

فعاليات ثقافية في الضالع -المشاهد

الضالع – عبدالله حيدرة:

يسابق صالح المنتصر، 55 عامًا، الجميع، كي يحجز له مكانًا في صالة قريته “كوكبان” التابعة لمديرية دمت في محافظة الضالع، جنوبي اليمن، انتظارًا لبدء فعالية المسابقة الثقافية الرمضانية التي تقام بعد صلاة التراويح، والتي “تمثل شكلًا من أشكال التعاون والتقارب بين أفراد القرية الواحدة، وكذلك بقية القرى المشاركة من مناطق مختلفة مجاورة”.

لا يمثل المنتصر حالة فريدة، فغيره كثير يهرعون بكل حماس للتجمع مجددًا، لأجل التزود بالمعلومات والمعرفة، وتناول أطراف الحديث أثناء تعاطيهم القات، في جو رمضاني تحيطه الكثير من الألفة، والتطلع لإكمال هذه المسابقة بالشكل الذي رسموه.

وكانت المسابقة ابتدأت في الخامس من رمضان، بحفل افتتاح حضرته شخصيات من السلطة المحلية لمديرية دمت، واختتمت فعالياتها في ٢٥ رمضان، بحفل شهد حضورًا كثيفًا.

مسابقات بأنظمة مختلفة

وتقام هذه المسابقات في أكثر من قرية، وبأكثر من نظام، فبعضها يقتصر على التنظيم داخل القرية فقط، والبعض الآخر يقوم على دعوة القرى المجاورة، ونوع ثالث يشمل التنظيمين، كهذه المسابقة والمسابقات التي كانت تنظمها “منظمة الحقب الاجتماعية” خلال العقدين الأخيرين، والتي كانت تتجاوز حدود القرى المجاورة، لتصل في سنواتها الأخيرة لفتح مجال المشاركة أمام فرق من كل مديريات محافظة الضالع.

أمسيات ثقافية

في العام ٢٠١٤، الذي وافق انتهاء “مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، الذي تجسدت أهم مخرجاته بتبني نظام فيدرالي من ستة أقاليم، الأمر الذي دعا القائمين على تلك المسابقات أن يشركوا فرقًا ممثلة لتلك الأقاليم الستة، وهو ما تم لاحقًا، حين شاركت فرق تمثل أربعة أقاليم، بتواجد فريق من محافظة ذمار التابعة لإقليم “آزال”، وفريقين من محافظة إب التابعة لإقليم “الجند”، وفريق من محافظة البيضاء التابعة لإقليم “سبأ”، فيما كانت بقية الفرق من مديرية دمت وغيرها من المديريات التابعة لمحافظة الضالع الممثلة لإقليم “عدن”، قبل أن تشهد السنوات التالية لنجاحهم التنظيمي تراجعًا حتى توقفت نهائيًا في العام ٢٠١٨.

ارتياح وتفاؤل

النجاح الذي شهدته مسابقة كوكبان، هذا العام، مثَّل حافزًا ودفعة معنوية كبيرة للكثير، حيث أكد المنتصر عزمهم على إقامتها العام المقبل، بشكل أكثر تطورًا وتنظيمًا.

هذا الحماس انتقل لشباب القرى المجاورة، بينهم القائمون على منظمة الحقب الاجتماعية، الذين كان لهم السبق في إقامة مثل تلك الفعاليات، والذين يسعون لاستعادة دورهم في هذا الجانب. حيث عبَّر المهندس منصور جراب، المسؤول الثقافي في منظمة الحقب، في حديث لـ”المشاهد”، عن ارتياحه لهذا النجاح و استمرار القرى بأنشطتها، مؤكدًا أنهم لم يتوقفوا عن الدعم المعنوي للقائمين على تنظيم تلك النشاطات.

وقال رئيس المنظمة صدام المهاجري، في حديث لـ”المشاهد”: “أي نجاح في المنطقة هو نتاج للوعي والدور الذي قامت به منظمة الحقب على مدى عشر سنوات، وأن كل نجاح في المنطقة بالنسبة لنا، محل فخر واعتزاز، وهو ما سعت له المنظمة خلال سنواتها الماضية، وحين نرى تلك الفعاليات، ندرك جيدًا أن جزءًا كبيرًا من أهداف المنظمة قد تحققت”.

صناعة الوعي

نظَّمَتْ منظمة الحقب كثيرًا من الفعاليات، لا تقتصر على المسابقات الثقافية فقط، بل تضم دوريًا لكرة الطائرة، وكذلك بطولة للشطرنج، وجميعها بنظام داخل القرية. كما كانت تقيم بعض الأمسيات الشعرية، والندوات الثقافية والسياسية، بحضور شخصيات أدبية، كالشاعر زياد القحم، والروائي بسام شرف الدين، وكذلك الشاعر عبدالمجيد التركي، والقاص حامد الفقيه، أما من االاكاديميين، فأبرزهم أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، الدكتور حمود العودي، والدكتور أحمد قاسم عتيق.

إقرأ أيضاً  الحوثيون يصادرون روايات تدعو لـ«الحب» بذمار

الدور التثقيفي الذي تبنّته المنظمة، لم يقتصر على الفعاليات والندوات داخل القاعة فقط، بل تجسَّد واقعًا، من خلال حملات التشجير التي كانت في العام ٢٠١٤، وكذلك حملات متكررة لنظافة القرية، كما كرَّمَت الأوائل والمبدعين في مدرسة القرية، وحافظي كتاب الله من خريجي الحَلَقَات الرمضانية، وكذا عمل مسابقة بين الطلاب في مجالات الشعر والقصة القصيرة والرسم.

 ولاحقًا نَظَّمَت منافسة للاختراعات العلمية بين طلاب مدرسة السلام، وفي سنواتها الأخيرة ازدادت مساهمتها في الجانب الإغاثي، وذلك بتوزيع المساعدات لأكثر من ٨٠٠ حالة إنسانية.

الحرب تُفسِدُ الأنشطة

بخصوص توقف عمل منظمتهم، فقد أبدى جراب والمهاجري، حزنهما على توقف أنشطة المنظمة، حيث يقول جراب: “لم نكن نريد التوقف، لكن ما باليد حيلة، كون ظروفنا استثنائية، لم تمر بها القرى المجاورة”، مذكرًا بالحرب التي تسببت بنزوح جميع سكان القرية لأكثر من ثمانية أشهر، بين عامي ٢٠١٨ و٢٠١٩.

ويقول  المهاجري: “تعرضت المنظمة لضغوط كبيرة، وخُيِّرَتْ بين أمرين:  إما العمل لصالح طرف معين، أو تصنيفها على أنها تعمل لصالح الطرف الآخر”. ويضيف أنهم حاولوا إكمال عملهم بكل حيادية واستقلالية، كما كانت تعمل عليه لسنوات طويلة، لكنهم لم يوافقوا.

وحمَّل المهاجري الأطراف المتصارعة مسؤولية ما حدث، وخصَّ بالذكر جماعة الحوثي بعد رفضهم سياسة عمل المنظمة، حسب وصفه، و يضيف: “الحوثيون قاموا باعتقالي ومجموعة من طاقم الإدارة بعد رفضنا العمل معهم، ونتيجة لما سبق، قررنا إيقاف الفعاليات والأنشطة منذ عام ٢٠١٨ حتى اليوم، ما يؤكد على أن المنظمة لن تنجرّ لأي طرف كان”.

وإلى جانب هذا السبب، فقد ذكر جراب أسبابًا  أخرى كثيرة، أهمها: هجرة عدد كبير من الشباب الذين كانوا عماد عمل المنظمة، إلى بلدان أخرى، خصوصًا بعد عام ٢٠١٥، أبرزهم رئيس المنظمة نفسه، الذي يعيش حاليًا في ألمانيا، وكذلك قلة الدعم المالي، لا سيما بعد التركيز على الحاجات الأساسية كالإغاثات الإنسانية، وغياب دعم الجهات الرسمية، رغم الاعتراف الذي حظيت به منظمتهم في العام ٢٠١٤، وأخيرًا ظهور فيروس كورونا الذي أثَّر بشكل كبير ماليًا وصحيًا.

سنعود أقوى”

وعن خططهم لعودة الفعاليات مستقبلًا، فقد أكّدا على نية الإدارة إقامة فعاليات متنوعة في العام القادم، “رغم الصعوبات التي تواجه العمل”، حسب وصفهما.

وكان جراب لمَّح لبعض ما يخططون لعمله في العام القادم، مؤكدًا أن هناك مفاجآت تنتظر الجميع في طريقة التنظيم، مستغلين التقدم التكنولوجي كوسيط مساعد بنسبة ٩٠% في عملية التنظيم، وذلك للعودة بالفعاليات بزخم أكثر تفاعلًا وتطورًا، وسعيًا لتجاوز العوائق السابقة، وأشار إلى أنهم قد ناقشوا الخطط مع مجلس الإدارة، ونالت الاستحسان والقبول، وأن المنظمة سوف تستعيد عافيتها من خلال هذه الأفكار.

مقالات مشابهة