المشاهد نت

النزوح في اليمن.. «مثنى وثلاث» بحثًا عن الأمن

نجت عُلا وأطفالها من قصف منزلها فلجأت للنزوح كملايين اليمنيين النازحين - تصوير خاص بـ«المشاهد»

تعز – عدي الدخيني

في عام 2015، سقطت قذيفة صاروخية في منزل عُلا محمد، 42 عامًا، بمديرية حرض، محافظة حجة (شمالي غرب اليمن)، وتحول المنزل إلى أنقاض. عُلا وأطفالها الثمانية نجوا من الموت بأعجوبة، لكن زوجها فارق الحياة فورًا.
في لحظة واحدة، فقدت هذه الأم المنزل والزوج، ودخلت مرحلة شاقة من الحياة. منذ ذلك الحين، لم تجد في البلاد سوى الجوع والنزوح. تقول عُلا لـ”المشاهد“: “أعيش حياة قاسية لا تخلو من العنف بعد أن وجدت نفسي وأطفالي مجبرين على النزوح والتنقل بحثًا عن الأمان. لم أكن أتخيل حياة كهذه”.

النزوح في اليمن.. «مثنى وثلاث» بحثًا عن الأمن
تعيش عُلا وصغارها حياةً قاسية لا تخلو من العنف – صورة خاصة بـ«المشاهد»

بعد نشوب حرب اليمن عام 2015 بين أنصار الله (الحوثيين) والحكومة اليمنية، تلاشى السلام، وبدأت موجات النزوح، وتزايدت أعداد الجائعين. لم تكن المرأة اليمنية في مأمن من تلك الكارثة؛ والحياة البائسة التي تعيشها عُلا صورة بالغة الوضوح لحال الآلاف من النساء.
غادرت عُلا منطقة حرض، واتجهت للعيش في صنعاء. تقول لـ”المشاهد“: “قررنا النزوح إلى صنعاء، واستقررنا هناك لمدة شهرين. بعد أن تعرضنا للمضايقات من قبل المؤجر، اضطررنا للنزوح مرة أخرى إلى منطقة عصيفرة وسط مدينة تعز”.
تقارير أممية تقول إن أكثر من 3.6 مليون شخص نزحوا من منازلهم منذ بداية الحرب عام 2015.

المناديل والخيمة

تخرج عُلا كل يوم إلى الشارع لبيع المناديل على المارة وسائقي السيارات في مدينة تعز، وبهذه الطريقة تستطيع أن تجمع القليل من المال لشراء الطعام والشراب لأطفالها. عندما تبيع عددًا أكبر من صناديق المناديل، تشعر بسعادة كبيرة، وتتمكن من توفير متطلبات العيش الأساسية.

النزوح في اليمن.. «مثنى وثلاث» بحثًا عن الأمن
تضطر عُلا لبيع المناديل حتى تستطيع إعالة أطفالها – صورة خاصة بـ«المشاهد»

تقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من 22 مليون شخص يمني بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، من بينهم 11.3 مليون بحاجة ماسة إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة.
في نهاية كل يوم، تعود عُلا إلى خيمتها، وتنام بجانب أطفالها. تعتقد أنه ليس بإمكانها استئجار منزل أو حتى غرفة واحدة في ظل الارتفاع المستمر للإيجارات في مدينة تعز. تقول لـ”المشاهد“: “كنا ساكنين في دكان أنا وأولادي الثمانية، وبعد رفع الإيجار، لم نستطع دفع الملبغ نظرًا لوضعنا المادي الصعب. بعد ذلك، طُردنا إلى الشارع”.
استطاعت عُلا صنع خيمة من طرابيل متهالكة، لكن تلك الخيمة لا تقيها وأطفالها برد الشتاء وحرارة الصيف، وتزداد الأمور سوءًا عندما تأتي رياح قوية أو عند هطول أمطار غزيرة. تصارع عُلا من أجل البقاء، وترى أن هذه الخيمة أفضل من البقاء في الشارع. تقول: “لسنا بخير، لكننا على قيد الحياة، ولا نعلم هل سنستمر في هذه المعاناة، أم أن هناك أقدارًا أخرى في انتظارنا؟”.
في ظل المشقة التي تعيشها عُلا، لا تشعر بوجود المنظمات الإنسانية، وتقول إنها لا تحصل على مساعدات.

إقرأ أيضاً  تأثير المنخفض الجوي على نازحي الجوف

تضاعف مهام المرأة

يذهب الرجال إلى الجبهات، أو يهاجرون إلى خارج البلاد، أو يُقتلون في الحرب، ولهذه الأسباب تضاعفت مهام المرأة، وزاد بؤسها منذ اندلاع الحرب.
إشراق المقطري، ناشطة حقوقية يمنية، تقول لـ”المشاهد“: “المرأة اليمنية تحملت عناء الحرب وويلاتها، وأصبحت مسؤولة عن المنزل الذي لا رجل فيه. لقد تحملت النساء مآسي هذه الحرب، وصبرن على قتل أزواجهن وأبنائهن، ناهيك عن الظروف الاقتصادية الصعبة”.

النزوح في اليمن.. «مثنى وثلاث» بحثًا عن الأمن
تتخمل المرأة اليمنية عناء الحرب وويلاتها – صورة خاصة بـ«المشاهد»

وترى المقطري أن المرأة النازحة تعاني بقسوة، وأصبح حال الكثير من النساء كارثيًا بسبب الصراع المسلح، وما نجم عنه من تبعات اقتصادية. وتضيف: “أصبحت العديد من النساء اليمنيات نازحات ومشردات بين المحافظات، يكابدن شظف العيش في هذا الواقع المرير. إن أكثر شخص متشائم لم يكن يتوقع أن يصل الحال إلى أن تمس كرامة النساء وحياتهن وسلامتهن بهذا الشكل”.
لا تعرف عُلا متى ستعود إلى منطقتها في حرض بمحافظة حجة، ومتى تنتهي مشقة النزوح. الآن لا تهتم بشيء سوى خيمتها وأطفالها.

مقالات مشابهة