المشاهد نت

حرمان المهمشين من الخدمات في اليمن

تداعيات وخيمة على فئة المهمشين في اليمن بسبب الحرمان من الخدمات القائم على التمييز العنصري
تداعيات وخيمة على فئة المهمشين في اليمن بسبب الحرمان من الخدمات القائم على التمييز العنصري

تعز- محمد عبده السامعي

صادقت اليمن في 18 أكتوبر عام 1972 على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، إلا أن العنصرية في اليمن لا زالت قائمة، ولم تطبق الدولة بنود تلك الاتفاقية

ومع اندلاع الحرب الأهلية في اليمن في العام 2015، زادت الممارسات العنصرية، وتعرض المهمشون في اليمن للمزيد من الانتهاكات من قبل أطراف الصراع في البلاد في ظل غياب الدولة وتعدد الجماعات المسلحة.

المهمشون، مصطلح تعريفي يشير إلى فئة من اليمنيين أطلق عليهم تقليديا لقب الأخدام. ويتراوح عددهم بين 500 ألف إلى 3.5 ملايين نسمة، و يتركزون في الأحياء الفقيرة المحيطة بمدن اليمن الرئيسية.

أصبح شائعا ومقبولا أن يحظى المهمشون بمعاملة دونية في المجتمع، وأضحى أفراد هذه الفئة يرون التمييز ضدهم روتين يومي، لا يستحق الاعتراض والغضب.

يتكدس المهمشون في مناطق محددة في بعض المحافظات اليمنية، وتفتقر أماكن تجمعهم إلى المشروعات والخدمات التي تقدمها الدولة، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم وحرمانهم.

في قرية السامقة بعزلة الكلائبة في مديرية المعافر التابعة لمحافظة تعز، يسكن الآلاف من المهمشين، ويشكون من حرمانهم من المشروعات الخدمية والتنموية، مقارنة بالقرى بالمجاورة.

علي الحجري، مواطن من قرية السامقة، يقول لـ “المشاهد”: “نفتقر للعديد من المشروعات والخدمات، بخاصة مشروع المياه والمركز الصحي ومركز محو الأمية”.

يضيف: “بالنسبة لمشروع المياه، وصل المشروع إلى قرية السويدية وقرية الأحصب ، وكلها قرى نائية وقريبة من قرى السامقة، وكان المشروع مخصصا للعزلة بالكامل، وقبل شهرين من الآن كان قد تم اعتماد مشروع المياه لقرية السامقة والنوبة من قبل منظمة أوكسفام”.

يشير الحجري إلى بعض المسؤولين المحليين لم يعملوا بإخلاص على توصيل مشروع المياه في قرية السامقة، بينما تمكن المواطنون في القرى المجاورة من الحصول مشروع المياه.

مواطن مهمش في أحد قرى سامع بتعز ، يقول لـ “المشاهد”: “نعيش هنا وكأننا جئنا من كوكب آخر، ولم تصل إلينا أي خدمات من الدولة أو من المنظمات. ليس لدينا طرقات او مدارس أو مراكز صحية أو مشروع مياه”.

مناضل الهذبلي، مواطن في قرية السامقة، يقول ل “المشاهد” إن قريتهم لم تحصل أي مشاريع خدمية مثل المدارس والمراكز الصحية، موضحا أن قرية السامقة كانت ستحظى بمدرسة، لكن هناك من عمل على إفشال ذلك المشروع، وتحويله إلى منطقة أخرى.

يضيف: “يحصل هذا نتيجة للعنصرية، لأن غالبية السكان في قرية السامقة من فئة المهمشين، وعدد قليل من الفئة الأخرى. لذلك، يتم استبعاد قرية السامقة من خطة المشروعات الخدمية، ولهذا لا يوجد في قريتنا الخدمات التي نحتاجها”.

تداعيات الحرمان من الخدمات

يسكن العديد من المهمشين أيضا في قرية اللجع بمديرية سامع بتعز، وتعاني تلك القرية من الحرمان من العديد من المشروعات الخدمية، حيث تبدو تلك القرية معزولة عن الجميع.

حمود، أحد القاطنين في تلك القرية، يقول لـ “المشاهد”: “نعيش هنا وكأننا جئنا من كوكب آخر، ولم تصل إلينا أي خدمات من الدولة أو من المنظمات. ليس لدينا طرقات او مدارس أو مراكز صحية أو مشروع مياه”.

إقرأ أيضاً  تضييق الخناق على السلفيين في شمال اليمن 

يتساءل حمود، ويقول: “لماذا لا يتم التعامل معنا مثل بقية المواطنين؟ ولماذا لم نحصل على أي مشروع؟ ولماذا يستمر المجتمع والدولة في تجاهل معاناتنا؟”.

يشير الحجري إلى أن غياب الخدمات الصحية يسبب تزايد الحالات المرضية، وتعسر الولادات بالنسبة، وارتفاع حالات الوفاة، وتفشي الأوبئة. يضيف: “غياب المراكز التعليمية مثل المدارس يتسبب في انتشار الأمية في أوساط المجتمع، وهو ما يؤدي إلى قلة الوعي، الأمر الذي يقود هي إلى عدم معرفة ابناء هذه الفئة بحقوقهم وواجباتهم، بالإضافة إلى انتشار الزواج المبكر، والمشاكل الأسرية والإجتماعية والاقتصادية”.

ويؤكد الهذبلي أن غياب التعليم في مناطق المهمشين يؤدي إلى انتشار الأمية، وتسرب الأطفال من المدارس بسبب بعدها، ما يدفع الأطفال والنساء إلى التسول في الأسواق والشوارع.

لا يختلف وضع المهمشين في مديرية المسراخ بتعز، حيث يقول الصحفي أسامة كربوش لـ “المشاهد”: “يعاني المهمشون في المسراخ من ظروف معيشية صعبة، و يفتقرون للخدمات التعليمية والصحية، وأغلب أطفال المهمشين هناك ليس بإمكانهم الذهاب إلى المدارس”.

تجريم التمييز

لا توجد تشريعات وقوانين يمنية تسمح أو تؤيد أي شكل من أشكال التمييز العنصري، بحسب محمد القيرعي، الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الاحرار السود في اليمن.

يقول القيرعي لـ “المشاهد”: “مصفوفة القوانين والتشريعات لا تجيز أو تؤيد من الناحية الرسمية أي شكل من أشكال التمييز، بمختلف مستوياته، لكن الدولة وعبر مختلف الحقب، وبتنوع أدواتها وحكوماتها المتعاقبة مارست ولا تزال تمارس التمييز العرقي والعنصري ضد المهمشين بشكل لا يمكن إنكاره”.

نعمان الحذيفي، رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين، يتفق مع القيرعي، ويقول: “لا توجد مواد قانونية تؤيد العنصرية بصراحة”. لكنه يؤكد أن كل ما يتعرض له مجتمع المهمشين، في مديرية الشمايتين بتعز مثلا، يأتي في ظل تواطؤ واضح من قبل السلطة المحلية بالمديرية.

يضيف الحذيفي لـ “المشاهد”: “حرمان تجمعات المهمشين من الخدمات الأساسية، مثل شبكات الصرف الصحي والكهرباء، وخدمات الرعاية الصحية، والتعليم يحدث لعدة اعتبارات، منها ما هو متعلق بطبيعة المساكن التي يقطنها المهمشون في بعض الأحياء، فهي تفتقر لشروط السلامة، وتتسم بعشوائية البناء، ويفتقر المهمشون للوثائق القانونية التي تمكنهم من إدخال تلك الخدمات لمنازلهم وتجمعاتهم السكنية”.

يعتقد الحذيفي أن الدولة تستطيع إيجاد بدائل تمكن هذه الفئة من التمتع بالخدمات الأساسية، كحق دستوري وقانوني باعتبارهم مواطنين، وهذا الأمر ينطبق على بقية الخدمات الأخرى، كالتعليم والصحة، وغيرها من الحقوق الأساسية للإنسان.

مرت 52 عاما منذ أن وقعت اليمن على الاتفاقية الدولية لمناهضة التمييز العنصري، ولا زال تطبيق تلك الاتفاقية حلما بعيد المنال للمهمشين، وتظل معاناتهم قائمة حتى اليوم، وتتفاقم تلك المأساة مع استمرار الصراع السياسي والعسكري في البلاد.

مقالات مشابهة