المشاهد نت

تضييق الخناق على السلفيين في شمال اليمن 

جانب من لقاء جمع بعض قيادات السلفيين مع عضو المجلس السياسي الأعلى في جماعة الحوثي، محمد علي الحوثي-الصورة نقلا عن مركز الإعلام الثوري التابع للجماعة

صنعاء – نبيل شايع :

دأب بعض  أتباع السلفية منذ عشر سنوات ماضية من عمر الحرب في اليمن على حضور دروس دينية، بعد صلاة الفجر يوميا في جامع شرقين في العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين). 

الآن، لم يعد القيام بتلك الدروس مسموحا، حيث منعت سلطات جماعة الحوثي إقامة تلك الأنشطة في كافة مساجد العاصمة صنعاء، ولا تقام الفعاليات في المساجد إلا بموافقة من الجهات المعنية.  

أبو محمد، 40 عاما، يسكن في مديرية معين بصنعاء، يقول ل “المشاهد” إن قرار الحوثيين بإيقاف الدروس في جامع شرقين كان مفاجئاً له ولغيره ممن يترددون على الجامع. 

يضيف: “لم نحتك بالحوثيين، ولم يحتكوا بنا منذ سيطرتهم على صنعاء، ولا ندري ما الذي يريدونه منا”. 

 في مطلع العام الفائت، اعتقلت السلطات في صنعاء العشرات من أتباع الحركة السلفية في مسجد ومركز السنة بحي سعوان، بعد رفضهم حضور دورة “ثقافية” أقامتها الجماعة الحوثية بمسجد الصالح في صنعاء. بحسب مصادر مقربة من المعتقلين، لم يتم إطلاق سراحهم حتى اليوم. 

تلك الوقائع تثير العديد من التساؤلات حول الوضع الذي يمر به أتباع الحركة السلفية في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، ومدى التزام الحوثيين باتفاقيات التعايش السلمي مع السلفيين  في اليمن. 

الظهور في اليمن

عاد مقبل بن هادي الوادعي من المملكة العربية السعودية إلى اليمن في أواخر السبعينيات، وأسس مركزا لتعليم الدين وفقاً لتعاليم الدعوة الوهابية التي تنسب لمحمد بن عبد الوهاب. أسس الوادعي دار الحديث بدماج في محافظة صعدة، وبدأ المئات من  الطلاب يتوافدون إليه من كل المحافظات اليمنية، وحتى من دول عربية وإسلامية ، وبذلك أصبح الوادعي إمام السلفيين في اليمن.

أتباع الزيدية في صعدة وبعض المحافظات الشمالية في اليمن اعتبروا أفكار الوادعي وأنشطته خطراً عليهم، وكان زعيم جماعة الحوثي، حسين بدر الدين، من أشد المعارضين للأفكار السلفية. 

لم تكن علاقة السلفيين بالأحزاب السياسية وبقية الجماعات الدينية في اليمن إيجابية. على سبيل المثال، كان زعيم السلفيين مقبل الوادعي يهاجم قيادات وأتباع حزب الاصلاح بسبب الخلاف على بعض الأمور في السياسة وبسبب ذلك انشق عن السلفية عدد من طلاب الوادعي في مطلع تسعينيات القرن الماضي. 

وعقب اندلاع الثورة الشبابية في عام 2011، اختلفت وجهات نظر أتباع الجماعة السلفية، بين مؤيد ومعارض للثورة ضد نظام الحكم آنذاك. أسس المؤيدون للثورة عدداً من الحركات والروابط أبرزها، رابطة شباب النهضة والتغيير، وحركة النهضة والعدالة، وحركة الحرية والبناء. 

أسس المنشقون عن الوادعي أول حزب سياسي سلفي باسم اتحاد الرشاد اليمني في عام 2012، ليحصل السلفيون بعد ذلك على منصب وزير في الحكومة اليمنية. لم تتقبل جماعة الحوثي ذلك الانتشار للسلفين، وأدى هذا إلى قيام الحوثيين بحرب على السلفيين  في عام 2013، وانتهت بتدمير دار الحديث  وتهجير أكثر من 15 ألف شخص من طلاب المدرسة السلفية في منطقة دماج بصعدة، القريب من معقل جماعة الحوثي. 

إقرأ أيضاً  معاناة العمال في مدينة تعز

وفي العام 2015 ، أنقسم أتباع الحركة السلفية مجدداً، حيث رأى بعضهم أن مواجهة الحوثي بالسلاح واجب مقدس، وظهر هذا التيار في تعز والبيضاء والمناطق الجنوبية، والتيار الآخر رأى أن حكم الحوثي أصبح أمرا واقعا، ويمثل هذا التيار أتباع الحركة السلفية الذين يعيشون في صنعاء وذمار وإب، ومختلف المناطق الشمالية الواقعة اليوم تحت سيطرة جماعة الحوثي.

انتهاكات مستمرة

تحرص جماعة الحوثي على إظهار بعض القيادات السلفيت في وسائل إعلامها لكي تعطي صورة عن التعايش بين الجماعتين، إلا أن جماعة الحوثي لا زالت تفرض قيودا على أنشطة الحركة السلفية، بحسب باحثين. 

تضييق الخناق على السلفيين في شمال اليمن 
أمام الإعلام تعايش وفي الواقع اعتقالات لبعض القيادات السلفية، حظر الدروس وحلقات التحفيظ

يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية في اليمن، وليد النجار، ل “المشاهد”: “لم يكن هناك تحالفاً بين السلفيين والحوثيين، ولكن الحوثيين أرادو أن يوهموا المجتمع اليمني بأنهم يتقبلون التعايش مع أتباع المذاهب المخالفة لهم، ولكي يبرهنوا على  ذلك، فقد سمحوا للسلفيين مواصلة بعض أنشطتهم خاصة المتعلقة بالعمل الإغاثي. بالمقابل، عمل الحوثيون على مضايقة السلفيين، وعدم السماح لهم بنشر دعوتهم في مختلف المناطق التي تسيطر عليها الجماعة”.

 بعد سيطرة جماعة الحوثي على مناطق الشمال اليمني، عقدوا  اتفاقيات مع السلفيين، تنص على التعايش وعدم الاحتراب بين الجماعتين، أول اتفاقية في يونيو/حزيران 2014  . تم التوقيع على وثيقة للتعايش بين جماعة الحوثي وسلفيو مركز معبر في ذمار، الذي يرأسه الشيخ محمد الإمام، والذي يُشرف على أكثر من 50مسجداً في ذمار وصنعاء والحديدة وريمة.

أعقب ذلك الاتفاق سلسلة من الاتفاقيات التي لم يتم الإعلان عنها عبر وسائل الاعلام، من ضمنها التزام الحوثيين بعدم السيطرة على مساجد السلفيين وترك الحرية لهم في تعليم معتقدهم، ويلتزم السلفيين بعدم الوقوف مع السعودية، أومساندتها أومساندة الحكومة اليمنية.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، تم تشكيل لجنة مكونة من ثمانية أشخاص معظمهم قيادات حوثية وستة من القيادات السلفية، مهمتها حل الخلاف بين الحوثيين، والسلفيين القاطنين في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية. 

لكن قياديا في الجماعة السلفية، فضل عدم الكشف عن اسمه، يقول ل “المشاهد” إن الحوثيين لم يلتزموا بمعظم تلك الاتفاقيات، بل استغلوا ضعف السلفيين في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، وفرضوا عليهم المزيد من القيود. 

يوضح القيادي السلفي: “خلال العامين الماضيين، استبدل الحوثيون 40 خطيباً في مساجد بصنعاء وذمار بخطباء موالين لهم، كما أنهم منعوا استمرار حلقات تعليم القرآن في 20مسجداً في صنعاء والحديدة وذمار. ولا زالت سلطات الحوثي مستمرة في تضييق الخناق على علماء الجماعة السلفية في اليمن الشمالي”. 

مقالات مشابهة