المشاهد نت

«أطباء» يتاجرون بأوجاع المرضى

القصور في التشخيص الطبي يسبب مضاعفات للمريض قد تؤدي للوفاة-الصورة نقلا عن الشرق الأوسط

 صنعاء – يحيى العكوري

”فرحت والدتي عندما بدّل لها الطبيب دواء الضغط والسكري الذي كانت تتناوله، ويكلفنا 13 ألف شهريًا، بالعملة القديمة”.. يقول عبدالرحمن.

ويضيف: بعد أن بدل الطبيب المختص بالسكري في مركز السكري بمستشفى الثورة العام إلى صنفٍ آخر صرنا نأخذه مجانًا من صيدلية المركز. 

ويشير عبدالرحمن لـ«المشاهد» إلى أنهم أخذوا الدواء مجانًا لأول مرة، ومُنحوا بطاقةً للحصول على العلاج مجانًا كل شهر.

وعندما عاد في الشهر الذي يليه لأخذ العلاج كما وعدهم الطبيب، تفاجئ عبدالرحمن صيدلاني المركز يخبره بأن الدواء غير متوفر، وعند مراجعة الطبيب ضحك وقال له: ”انتبه يسرقوا أحذيتك”.

حاول عبدالرحمن تذكير الطبيب بأنه هو الذي طلب منه أخذ الدواء عبر الصرف المجاني، فكان رده: كانت معنا كمية وانتهت، الآن ممكن تأخذو العلاج من خارج المركز.

غير أن سعر الدواء خارج مركز السكري كان مرتفعًا للغاية، وحتى أغلى من سعر الدواء السابق الذي كانت والدة عبدالرحمن تتناوله قبل وصف الدواء المجاني هذا.

صيادلة كثر أكدوا لعبد الرحمن أن هذه طريقة معتادة يعمل بها بعض الأطباء، بتغيير علاج المريض وفقًا لأصناف شركات يتعاملون معها، بحيث يُصرف أول مرة مجانًا لإغراء المريض في البداية وتسويق منتجات الشركة التي تدفع للأطباء مبالغ كبيرة مقابل هذا العمل.

مندوبو شركات الأدوية

بينما تعج صالة الانتظار في إحدى مستشفيات صنعاء الحكومية بالمرضى، يقدم شاب مهندم الثياب ويطلب من السكرتيرة السماح له بمقابلة طبيب يعمل بمستشفى خاص، فتسمح له مباشرة، دون الالتفات لطوابير بقية المرضى.

أجابت السكرتيرة عن سؤال مراسل «المشاهد» حول هوية هذا الشخص الذي دخل مباشرة للطبيب دون انتظار طابور المرضى، قائلة: ”هذا مندوب شركة أدوية”.

وأضافت أن المندوب يعرض على الطبيب أصنافًا من الأدوية ليقوم بالترويج لها ووصفها للمرضى، بحسب حالة كل مريض.

ومع ارتفاع أصوات المرضى بطلب الدخول إلى الدكتور يدلف مندوب آخر وعلى ظهره حقيبة يحمل عليها أدوية، طالبًا الإذن بالدخول.

وهكذا.. مع دخول خمسة مرضى، يحضر مندوب أدوية، وخلال ساعة واحدة -وهي ذروة العمل- شاهدت ثلاثة من مندوبي شركات الأدوية يزاحمون المرضى في الوصول الى الطبيب.

لم يُسمح لنا بمقابلة الطبيب لأعراض هذا التقرير؛ بحجة أن المكان مكتظ بالمرضى، غالبيتهم من النساء؛ لهذا اكتفينا بنقل هذه الحالة اللافتة.

المقابل المالي

 سيارات فارهة، وتذاكر سفر، ومبالغ خيالية يتقاضها الأطباء الكبار من شركات الأدوية مقابل الترويج لأدويتها والتوجيه بصرفه للمريض دون الإكتراث لصحة المريض، بحسب “مروان القاسم” -اسم مستعار- لمندوب شركة أدوية، فضل عدم الكشف عن هويته.

المقابل الضخم الذي يتقاضاه بعض الأطباء من شركات الأدوية لم يكن غريبًا، وبرره المندوب لـ«المشاهد» بالقول إن الطبيب يتسبب بمداخيل لشركات الأدوية تصل إلى ملايين الريالات، وما يُمنخ له لا يساوي شيئًا مقابل الإيرادات الكبيرة التي تحصل عليها الشركة.

وكلما كان الطبيب ذو شهره واسعة أو تخصص نادر، زادت الشركة من تقديم عروضها، وبالتالي زيادة نسبته من المبيعات.

من جانبه، يكشف الصيدلاني منيف إسماعيل عن استخدام بعض الأطباء طرقًا وأساليبًا في كتابة الوصفة لا يفهمها سوى من يعملون في صيدلياته؛  لإجبار المريض أخذ العلاج الذي كتبه له عبر رموز مشفرة، لا يستطيع فك شفرتها إلا المتعاونين معه.

دواء غير الدواء

في إحدى المراكز المتخصصة بعلاج الأطفال بصنعاء يتوافد الكثير من المرضى ومن أغلب المحافظات؛ بسبب شهرة الطبيب المختص وخبرته، وربما لتجاربة في شفاء كثير من الحالات.

إقرأ أيضاً  بالصور.. السيول تُخلّف أضرارًا «بالغة» في لحج

والد طفلة مريضة، كان من ضمن الموجودين في المركز التخصصي، قال لـ«المشاهد» إن الطبيب صرف له علاجًا لا يتواجد إلا في صيدلية المركز؛ لاستخدامه فترة من الزمن، مع مراجعة دورية للمريضة.

ويضيف: إحدى المرات، انتهى الدواء في صيدلية المركز، وحاولت شراءه من شارع الزبيري حيث التواجد الكثيف للصيدليات، وبحسب أحد الصيادلة فإن العلاج الذي كنت أستخدمه هو البديل، ويتوفر عنده الدواء الأصلي، وبسعر أقل.

غير أن الطبيب رفض الدواء الأصلي، وطالب بشراء العلاج الذي اعتمده، ولا يريد أي علاج غيره، وهو ما يؤكد أن الطبيب يتعامل مع شركات أدوية لتصريف منتجاتها وبأسعار تفوق سعر العلاج الأصلي.

مضاعفات

«المشاهد» عاد ليتواصل مع الطبيب المختص بعلاج السكري، وواجهناه بما حدث مع والدة عبدالرحمن، مبررًا فعلته بأن الدواء الذي وصفه أقل ثمنًا، لكن عبدالرحمن نفى ذلك، وأكد أنه أغلى بكثير.

سعر الدواء لم يكن المشكلة الوحيدة لعبد الرحمن ووالدته، ولكن العلاج الجديد أحدث مضاعفات للأم؛ مما اضطرهم للذهاب بها إلى إحدى العيادات الخارجية المختصة بعلاج السكري.

وبعد إجراء الفحوصات المعتادة اطلع الطبيب الجديد على العلاج وغيره بالكامل، محذرًا من أن بعضه يعمل على احتباس السوائل وهو ما أحدث مضاعفات لأم عبدالرحمن.

خيانة وغش

في السياق ترى الدكتورة أمل المالكي، أن عمولة الطبيب من شركة الأدوية التي يسوّق لها يخضع لنوعية العلاج نفسه.

فإذا كان العلاج جيدًا وفعّالًا والمادة العلمية فيه مثبتة، والصنف معروف، وسبق للطبيب تجربته وفحصه، فلا مانع من تسويقه مثله مثل أي علاج آخر، دون الإشتراط على الشركة دفع مقابل.

أما إذا كان العلاج غير مثبت ولا مجرب، والغرض تسويقه للمرضى للحصول على عمولة، فهذا يمثل خيانةً للأمانة وشرف المهنة، ونوعًا من أنواع الغش، بحسب تأكيد الدكتورة المالكي لـ«المشاهد».

ودعت المالكي شركات تصنيع الأدوية الى التنافس في توفير أصناف بمواصفات عالمية معتبرة، وأن يكون سعرها مناسبًا؛ بدلا من التنافس على الزيارات والعمولات.

كما طالبت بمنع استيراد الأصناف المتكررة، والاكتفاء بتحديد أصناف معتمدة للمستشفيات، إضافة إلى أهمية ضبط وتقنين وتحديد الأدوية وجودتها، ومدى فعاليتها، ومنع التعدد والمنافسة المعتمدة على كيفية كسب الطبيب على حساب جودة الصنف وفعاليته.

المال القذر

وسط هذا التنافس بين شركات الأدوية وما تقدمه من عمولات للأطباء، يكشف المسئول في الهيئة العليا للأدوية بصنعاء، الدكتور مجيب الحكيمي عن تورط الكثير من الأطباء في تسويق أدوية لشركات يتقاضون منها نسب مالية.

الحكيمي أطلق على هذا المقابل اسم (المال القذر)، واعتبر أن هذه العملية باتت أمرًا طبيعيًا في الوسط الطبي، ولم يُعد هناك خوف أو حرج لعدم وجود ضوابط رسمية.

وأشار الحكيمي لـ«المشاهد» إلى عدم وجود أية ضوابط أو عقوبات مفعلة تمنع أو تحرم هذه الممارسات، وأن الهيئة العليا للأدوية ليس من اختصاصها الرقابة على الأطباء أو ضبطهم، ولم يسبق ضبط متهم من قبل في هذا المجال.

في السياق، رفض رئيس المجلس الأعلى للأدوية بصنعاء الدكتور مجاهد معصار، التعليق على الموضوع، بمبرر أن القضية ليست من اختصاصه، حسب حديثه مع «المشاهد».

وعندما تواصلنا بالرئيس السابق للمجلس الدكتور فضل حروب، رفض هو الأخر الحديث؛ بحجة وجود قضية بالمحكمة بينه وبين الرئيس الحالي معصار.

مقالات مشابهة