المشاهد نت

بدلًا من علاجهم.. الأدوية المهربة تقتل المرضى بمأرب

الأدوية المهربة في اليمن - الصورة نقلا عن الجزيرة نت

مأرب – إدريس قاسم 

محمد سعيد الحداد (35 عامًا) نزح إلى محافظة مأرب بداية الحرب عام 2016 مع أسرته (زوجة وأربعة أطفال)، عاشوا في مخيم الشبواني، وتعرضوا لكارثة غير متوقعة أدت إلى تغيير حياتهم إلى الأبد. 

في يوم الإثنين، الرابع من أبريل/نيسان عام 2022 اندلع حريق هائل في المخيم الشبواني؛ وأدى إلى التهام مأوى أسرتين من النازحين وتسبب في وفاة 7 أشخاص بينهم أطفال ونساء، وإصابة آخرين، منهم محمد. 

تعرض محمد بعد فشله في إنقاذ أطفاله، لحروق خطيرة في جسده، ونقل إلى مستشفى الهيئة العام بمأرب، وصف له الأطباء دواء الميبو (mebo) لتسريع التئام الجروح وتخفيف الألم، ولكن سعر الدواء الأصلي كان مرتفعًا جدًا، وصعّب على محمد الحصول عليه بانتظام.

ظروف محمد المالية، أجبرته على شراء الدواء المُقلد بسعر أقل، على الرغم من أنه كان يدرك أن هذا الخيار غير آمن، كونه دواءً مهربًا، وقد يكون له تأثير سلبي.

وبعد أسابيع من استخدام الدواء البديل، لم يلحظ محمد أي تحسن، بل تسبب الدواء بآثار جانبية مزعجة، كالصداع والغثيان والإرهاق الشديد، وبدأ يشك في سلامة الدواء وتأثيره على صحته، مدركًا أن الأدوية البديلة ليست حلًا آمنًا.

عندها قرر مراجعة الطبيب المعالج؛ للبحث عن خيارات أخرى، ونصحه بإيقاف استخدام الأدوية المهربة واستخدام الأدوية الأصلية مهما غلى ثمنها.

تهريب يهدد الحياة

يعاني المرضى في محافظة مأرب (وسط اليمن) من تهريب الأدوية؛ ما يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

وبحسب صيادلة ومسؤولون في مكتب الصحة بمأرب فإن هذه الأدوية المهربة غير مطابقة للمواصفات الصحية وتفتقر إلى الجودة اللازمة لضمان فعاليتها وسلامتها، كما تهدد حياة المواطنين والمرضى، وكثيرة هي الحالات التي تَفاقم وضعها بسبب هذه الأدوية.

أحد هذه الحالات المأساوية القصة التي يرويها الشاب إبراهيم بجاش الصلوي، (27 عامًا)، سائق حافلة بمأرب، قدمت أسرته من صنعاء عام 2017، والمكونة من والده ووالدته وثلاثة إخوة وخمس أخوات.

والد إبراهيم عانى من السكري وارتفاع ضغط الدم، ولم يتمكن من الحصول على العلاجات اللازمة من الصيدليات المحلية، واضطر لاستخدام أدوية بديلة مقلدة، سببت له فشلًا كلويًا.

يقول إبراهيم لـ«المشاهد»: ”إن والده كان يعتقد أن هذه العلاجات ستساعده في خفض ضغط الدم، لكنها في الحقيقة زادت من ارتفاعه”، كما اشتكى من صعوبة الحصول على العلاجات الأصلية لوالده، ويتفاجأ بأنها غير متوفرة في الصيدليات، ويقدمون له نوعًا آخر من العلاج بسعر أقل. 

ويؤكد إيراهيم أنه خلال الفترة الأخيرة زادت الآثار الجانبية للحبوب والعلاجات التي يعتقد أنها ”مهربة”، بما في ذلك الأسبرين والهيبارين؛ مما أدى إلى تفاقم مشاكل الكلى لديه وتدهور حالته الصحية.

مضاعفات الأدوية المهربة

وفي هذا السياق يشير الصيدلاني لواء الكمالي، لـ«المشاهد» إلى أن استخدام الأدوية المهربة يعرض المرضى للعديد من المخاطر، فقد لا تكون هذه الأدوية ذات جودة عالية أو تحتوي على المكونات الفعالة بالشكل الصحيح. 

وحذر: قد تحتوي على مكونات ضارة أو تكون مغشوشة، لافتًا إلى أنها تؤدي إلى تفاقم حالة المرضى نتيجة فشل العلاج؛ مما يعرض حياتهم للخطر والإصابة بأمراض أخرى.

الأدوية المهربة غير مطابقة للمواصفات الصحية وتفتقر إلى الجودة اللازمة لضمان فعاليتها وسلامتها، كما تهدد حياة المواطنين والمرضى، وكثيرة هي الحالات التي تَفاقم وضعها بسبب هذه الأدوية.

وأضاف الكمالي: “شاهدت حالات مرضية عديدة تفاقمت بسبب تناول الأدوية المهربة، بعضها استخدمت أدوية مهربة لعلاج أمراض مزمنة كارتفاع ضغط الدم أو السكري، ولكنهم لم يحصلوا على النتائج المتوقعة”.

وبحسب الكمالي، فإن إرتفاع أسعار الأدوية الأصلية يدفع بعض المرضى للجوء إلى استخدام الأدوية المهربة؛ لرخص ثمنها وسهولة الحصول عليها بالنسبة للمرضى من محدودي الدخل المجبرين على البحث عن بدائل رخيصة وغير قانونية؛ مما يعرضهم للمخاطر الصحية.

ودعا الكمالي في ختام حديثه إلى تعزيز الرقابة الحدودية الصارمة للحد من وصول وتداول الأدوية المهربة إلى اليمن، وتوفير معلومات شاملة لتوعية المرضى والجمهور حول مخاطر الأدوية المهربة وتشجيع الحصول على الأدوية من مصادر موثوقة وقانونية.

إقرأ أيضاً  «بسمة العيد 3» تُواسي الأطفال المحتاجين بعدن

تحذير رسمي

مدير مكتب الصحة في محافظة مأرب الدكتور أحمد العبادي، أفاد أن الأدوية المهربة والمقلدة والمزورة انتشرت في جميع أنحاء اليمن، والمكتب يلعب دورًا كبيرًا في مراقبة وتفتيش الصيدليات ومخازن الأدوية بشكل دوري ومفاجئ، وعندما يشتبه أو يتم الإبلاغ عن أية مخالفة للأدوية المهربة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بمصادرتها وتغريم المتورطين.

وأضاف لـ«المشاهد»: نحن نحارب تهريب الأدوية ولا نسمح به، ونحذر تجار الأدوية المهربة بأنهم قد يتسببوا بوفاة المرضى، وإحداث مضاعفات خطيرة، يتحملون مسئولية ذلك أمام الله، حد قوله.

وأعلن مدير مكتب الصحة بمأرب عن مكافأة ”مالية كبيرة” لمن يُبلغ عن أية أدوية مهربة، ويرشد إلى المتاجرين بها في المحافظة”. 

ويتابع الدكتور العبادي حديثه: المريض يضطر لأخذ الدواء الرخيص ولكن لا يمكننا اعتبار أن جميع الأدوية الرخيصة مهربة.

وأشار إلى أن جميع الأدوية تمر من خلال وكلاء معتمدين، وتختلف الأسعار وفقًا لجودة كل دواء، لكن المرضي يلجأون للعلاج الرخيص ولا يعرفون مدى جودته، مؤكدًا أن الأدوية المهربة تعتبر سامة حقًا للمرضى.

توحيد السعر الدوائي

المسئول الحكومي تطرق إلى أسباب تأخر توحيد السعر الدوائي الذي سعى إليه مكتب الصحة بمأرب منذ عام 2020، ولم يرَ النور حتى اليوم، والتي تعود إلى عدم استقرار سعر الصرف.

ويواصل: نقوم بتسعير الأدوية بالريال اليمني في حين يتم استيرادها بالدولار؛ مما يعوق قدرتنا على تسعيرها، رغم أنه ينبغي توحيد أسعار الأدوية من الشركة إلى الصيدلية والمخزن، ولكن هناك اختلاف في أسعار شركات الأدوية حسب الجودة. 

لافتًا إلى سعي مكتب الصحة بالمحافظة لإيجاد حلول مناسبة لتسعير الأدوية وفقًا لبروتوكولات الهيئة العليا للأدوية لكل فئة من الأصناف المتوفرة في السوق اليمنية.

وحث الدكتور أحمد العبادي الأطباء في مأرب على توجيه المريض لشراء الدواء وإعادته إليه للتحقق مما إذا كان هو المناسب، ومن شركة ذات جودة عالية، وأن تكون الوصفات مطبوعة حاسوبيًا، وعلى المريض عند شراء الدواء من أي صيدلية أن يطلب سندًا رسميًا يحمل اسم الدواء والسعر الذي دفعه، وأن يعود بهذا السند إلى الطبيب للتحقق من وصف الاستخدام وسلامة العلاج.

ضبطيات الأدوية المهربة

وبشأن مكافحة ألوية المهربة، تمكنت الأجهزة الفنية في لجنة التصحيح التابعة لمكتب الصحة بمحافظة مأرب، من ضبط كميات كبيرة من الأدوية المهربة في المدينة، حيث ضبطت 350 عبوة من الأصناف الدوائية المختلفة في شهر أغسطس/آب الماضي. 

وكشف رئيس لجنة التصحيح، الدكتور ناصر العبادي لـ«المشاهد» أن فرق التفتيش الميدانية ضبطت منشآت مخالفة للاشتراطات الصحية والقانونية، وحررت محاضر إغلاق بحق 10 صيدليات ومخزنَين للأدوية في منطقتي المطار والشركة، و5 صيدليات بمنطقة الروضة، و3 صيدليات في منطقة المجمع بمديرية المدينة.

وفي إطار جهود مكافحة الأدوية المهربة والمنتهية، قام مكتب الصحة العامة والسكان في مديرية مدينة مأرب بإتلاف وحرق 2 طن من الأدوية المهربة والمنتهية، تضمنت 50 صنفًا، وذلك في السادس من سبتمبر/آيلول الجاري، واتخذت الإجراءات القانونية ضد المخالفين، وأحيلوا للجهات المختصة، بحسب العبادي.

تصحيح الوضع الصحي

الحملة الصحية في مديرية مدينة مأرب هدفت إلى تصحيح الوضع الصحي، وكشفت العديد من المخالفات في المنشآت الصحية، وفق تأكيدات مكتب الصحة في مديرية المدينة، الدكتور عبدالله الرملي.

ويوضح الدكتور الرملي أن الحملة بيّنت وجود بعض الصيدليات تعمل بدون تراخيص، كما تم العثور على أدوية مهربة وقريبة الانتهاء، بالإضافة إلى بعض الأدوية الحكومية، كاشفًا أن من هذه الأصناف التي تم مصادرتها مرهم ”الميبو” (mebo)، وحبوب المعدة، ومطهرات مهبلية، وغيرها.

ولفت إلى إغلاق 20 منشأة مخالفة، وفرض غرامات مالية وصلت إلى 100 ألف ريال يمني، بحسب نوعية المخالفة المرتكبة، كما تم تم توقيع تعهد على الصيدليات والمخازن والمستوصفات المخالفة بعدم تكرار استيراد مثل هذه الأدوية، وإلا سيتم تقديمهم للنيابة العامة. 

مقالات مشابهة