المشاهد نت

هل ينجح التحالف الدولي في البحر الأحمر؟

المستجدات العسكرية في البحر الأحمر - المشاهد صورة تعبيرية

عدن-مازن فارس :

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد المزيد من الحلفاء والدعم للتحالف البحري الجديد الذي أعلنت عن تشكيلة مؤخرًا لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن من هجمات جماعة أنصار الله (الحوثيين).

حتى الآن، وافقت أكثر من 20 دولة على المشاركة في التحالف المتعدد الجنسيات، المعروف باسم عملية “حارس الازدهار”، بحسب بيان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ومع ذلك لم تؤكد بعض الدول مشاركتها.

وقال البنتاغون في بيان الخميس الماضي (21 ديسمبر/كانون الأول الجاري) إنّ واشنطن ستواصل في الأيام المقبلة التشاور مع حلفائها الذين يشاركونها المبدأ الأساسي لحرية الملاحة، وتتوقع أن ترى التحالف يواصل نموه.

ومنذ تدخل جماعة الحوثي في الحرب الدائرة في غزة بين حماس وإسرائيل، شهد البحر الأحمر توترات متزايدة، خصوصًا مع تكثيف الجماعة الهجمات على السفن. ففي 19 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت الجماعة أنها ستمنع السفن الإسرائيلية من المرور في البحر الأحمر، إلا أنّها وسعّت نطاق عملياتها، وأعلنت منع مرور كافة السفن المتجهة إلى إسرائيل، “إذا لم يتم إدخال الغذاء والدواء الذي يحتاجه قطاع غزة”. 

ويقول رئيس مركز أبعاد للدراسات عبد السلام محمد، إن الصراع في البحر لا يزال إلى الآن “مُتَحكم به وهو صراع في ظاهره مع الحوثيين، لكن قد يتطور ويُصبح صراعا غربي شرقي ما بين الولايات المتحدة وروسيا والصين”.

ويضيف لـ “المشاهد: “أحداث غزة وما سبقها أيضًا، وما يتبعها الآن بحريا ومن ضمنها حروب اليمن والسودان، كلها تأتي في إطار حدث واحد وهو إعادة رسم خارطة المنطقة”.

وحتى 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تعرضت نحو 12 سفينة شحن في البحر الأحمر، لهجمات نفذها الحوثيون عن طريق الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيرة. وألحقت بعض هذه الهجمات أضرار مادية بالسفن ونشوب حريق على متنها؛ كما حدث مع ناقلتي ستريندا، والجسرة. وبعض الهجمات الحوثية كانت عشوائية؛ إذ استهدفت سفنا لا صلة لها بإسرائيل. 

لا تزال جماعة الحوثي تحتجز سفينة “غالاكسي ليدر” في الحديدة غرب البلاد، وعلى متنها 25 شخصًا، وتعود ملكية السفينة لرجل أعمال إسرائيلي. 


التهديد بالتصعيد

مع تزايد هجمات الحوثيين على السفن، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن تشكيل تحالف دولي للتصدي للهجمات في البحر الأحمر. ذلك الإعلان أثار غضب الحوثيين الذين توعدوا باستمرار الهجمات واستهداف المصالح الأمريكية في حال هاجمتهم واشنطن.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في ​​كلمة متلفزة: “لن نقف مكتوفي الأيدي إذا انجذب الأمريكيون لمزيد من التصعيد وارتكاب الحماقات باستهداف بلادنا أو شن حرب عليها” مضيفًا: “سنجعل البارجات الأميركية والمصالح الأميركية والحركة الملاحية الأميركية هدفا لصواريخنا وطائراتنا المسيَّرة وعملياتنا العسكرية”.

سيعمل التحالف الدولي تحت قيادة القوات البحرية المشتركة وفرقة العمل 153 التابعة لها، وستقوم القوات المشاركة بدوريات في البحر الأحمر وخليج عدن لتأمين ولمساعدة السفن التجارية عند الضرورة، بحسب المتحدث باسم البنتاغون، الجنرال بات رايدر. 

لكن يبدو أن الحوثيين جادون في تهديداتهم باستهداف المزيد من السفن، وماضون في ذلك غير مُكترثين للتحالف الدولي. ففي 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري، استهدفت هجمات جديدة مدمّرة أميركية وسفينتي نفط في البحر الأحمر.

القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم“، قالت في بيان، إن الحوثيون أطلقوا صاروخين باليستيين على خطوط الشحن الدولية في جنوب البحر الأحمر، فيما اعترضت المدمرة “يو إس إس لابون” أربع طائرات بدون طيار أطلقها الحوثيون باتجاهها، دون وقوع أي إصابات أو اضرار.

أما ناقلة النفط الغابونية “سايبابا” التي ترفع علم الهند فقد أصيبت بطائرة مسيّرة، وسفينة “بلامانين” التي ترفع علم النرويج أيضًا استُهدفت بطائرة بدون طيّار وكادت تصيبها، أثناء ابحارهما في البحر الأحمر، بحسب البيان، ما يرفع حصيلة هجمات الحوثيين على السفن التجارية منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 15 هجومًا.

وللمرة الأولى لم يتبنى الحوثيون الهجمات الأخيرة. وأعلن كبير مفاوضي جماعة الحوثيين محمد عبدالسلام، أنّ ما حدث هو ناتج عن انفجار أحد الصواريخ بالقرب من سفينة تابعة لجمهورية الغابون، أثناء قيام بارجة أمريكية بإطلاق النار “بطريقة هيسترية” على طائرة استطلاعية تابعة للجماعة.

وقال في تغريدة على منصة إكس، إنّ “تهديد الملاحة البحرية الدولية ناجم عن عسكرة البحر الأحمر من قبل أمريكا وشركائها الآتين إلى المنطقة دون وجه حق سوى توفير خدمة الأمان لسفن كيان العدو الإسرائيلي”.

إقرأ أيضاً  وفد من مكتب المبعوث يختتم زيارة إلى عدن

ويتهم البيت الأبيض إيران بـ”الضلوع بعمق” في التخطيط لعمليات الحوثيين ضد السفن. لكن طهران نفت تلك الاتهامات وزعمت على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كاني، أن جماعة الحوثي لديها “أدوات قوتها وتتصرف وفق قراراتها وإمكانياتها”، حد تعبيره.

“تحالف عادي”

حتى الآن، أعلنت عشر دول فقط أنها ستنضم إلى الولايات المتحدة في التحالف البحري وهي: البحرين، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وسيشيل، والمملكة المتحدة، اليونان والدنمارك.

ورغم ذكر بيان البنتاغون مشاركة إسبانيا في التحالف إلا أن مدريد لم تحسم بعد قرار مشاركتها. وقالت المتحدثة باسم الحكومة اليسارية الإسبانية بيلار أليغريا إن بلادها اختارت “توخي أقصى درجة من الحذر ولن تشارك إلا تحت مظلة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي”.

بدورها قالت وزارة الدفاع الإيطالية إنها سترسل فرقاطة إلى البحر الأحمر لكنها ستبقى تحت القيادة الإيطالية وأن مشاركتها يأتي في إطار عملياتها الحالية وليس جزءا من عملية “حارس الازدهار”.

وتحوم تساؤلات حول غياب الدول المشاطئة للبحر الأحمر وعلى رأسها السعودية ومصر. حتى اليوم، البحرين هي الدولة العربية الوحيدة المشاركة في التحالف الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية.

ويُفسر عدم انضمام السعودية إلى هذا التحالف بأنه مرتبط بهدفها الاستراتيجي بشأن رغبتها في الخروج من الحرب في اليمن الدائرة منذ تسعة أعوام، وحرصها على عدم تعريض المساعي الحالية لإنهاء الصراع وبناء السلام في اليمن للخطر؛ بالإضافة إلى تجنب أي توترات مع إيران أو الإضرار بالعلاقات بين البلدين والتي استؤنفت في العاشر من مارس/آذار الماضي بوساطة صينية، بعد قطيعة دامت سنوات.

وتطل تسع دول على البحر الأحمر، خمسٌ منها على الضفة الإفريقية، هي: مصر، والسودان والصومال وجيبوتي وإريتريا، وتقع على الضفة الآسيوية أربع دول، هي: اليمن، والسعودية، والأردن، وفلسطين المحتلة التي تديرها إسرائيل.

يعتقد رئيس مركز أبعاد للدراسات عبد السلام محمد إن “هذا التحالف عادي جدًا ويبدو أن كثيرا من الدول تجنبت الدخول فيه حتى لا تُعطي مجالا ربما لعسكرة البحر الأحمر من جديد والصراع ما بين الولايات المتحدة وروسيا والصين”.

ويشير إلى أن التحالف “هو امتداد لتحالف القوة 153 الموجودة في المنطقة بقيادة أمريكية وكل مرة تقوده دولة من الدول، وكان آخرها مصر”.

وتأسست قوة المهام المشتركة 153 في 17 أبريل/حزيران 2022، ويضم طاقم عملها ما يصل إلى 15 عسكريا أميركيا ودوليا من الدول الأعضاء في القوات البحرية المشتركة التي يقع مقرها بالقاعدة البحرية الأميركية في المنامة بالبحرين. وتتمثل مهمة هذه القوة في العمل على ضمان الأمن البحري الدولي وجهود بناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

آلية عمل التحالف 

ولم يُكشف بعد عن آلية عمل هذا التحالف وماهية خياراته في التصدي لهجمات الحوثيين وضمان حماية حركة السفن في آن معًا. يرى مدير مركز سوث 24 للدراسات في عدن، يعقوب السفياني، أنّ “هذا التحالف سيبدأ في المرحلة الأولى وخلال الوقت الراهن بالتصدي للهجمات أي ستكون مهمته دفاعية”.

 أما في حال جدد الحوثيون استهداف السفن أو الوحدات العسكرية البحرية المشاركة في حماية الملاحة الدولية، يقول السفياني: “قد تتحول مهمة التحالف من دفاعية إلى هجومية تشمل قصف مواقع الحوثيين ومنصات لإطلاق الصواريخ والطيران المسيرة”.

ويضيف  لـ “المشاهد”: “إن حماية إسرائيل هو هدف مزدوج بالنسبة للولايات المتحدة، لكنه في المقام الأول حماية الملاحة الدولية التي تعرضت للشلل الجزئي بسبب هذه الهجمات”.

في الأيام الماضية، أوقفت 13 شركة شحن عالمية ودولية عملياتها التي تمر عبر البحر الأحمر وغيّرت مسار رحلاتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح. ويعدّ البحر الأحمر واحدا من أهم طرق الملاحة الرئيسة في العالم، فهو يربط بين قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا.

معظم الهجمات الحوثية على السفن حدثت بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي، والذي يبلغ عرضه حوالي 20 ميلًا عند أضيق نقطة فيه، ويعدّ أحد أكثر الممرّات البحريّة ازدحامًا في العالم، إذ يمر عبره أكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا، وتمر عبره 12% من إجمالي التجارة العالمية.

مقالات مشابهة