المشاهد نت

التعامل مع مشاهد حرب غزة والصدمات النفسية عند الأطفال

الصدمات النفسية عند الاطفال - صورة تعبيرة - المشاهد

تعز – أسامة الفقيه:

يعود الطفل إيهاب محمد (10 سنوات) الساكن في حي الثورة (غربي مدينة تعز) من المدرسة ظهرًا، يفتح جهاز التلفزيون لمشاهدة أفلام الكرتون كالعادة كل يوم. لكن منذ اندلاع الحرب في غزة، السابع من أكتوبر الماضي، يستمر والده بمشاهدة المجازر الشنيعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال والنساء، جراء القصف المتواصل على القطاع.

يقول إيهاب في حديثه لـ”المشاهد”: “أبي كل يوم يشاهد الأخبار، لا أستطيع تحمل تلك الصور. والأطفال يموتون، أخاف أن أموت مثلهم”.

الطفل إيهاب ليس الأول من شعر بالخوف، ولن يكون الأخير. هناك العديد من الأطفال يتعرضون لمثل هذه المشاهد كل يوم، سواء في التلفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعي. ما ينعكس سلبًا على صحتهم النفسية وسلوكياتهم التي قد تظهر مخلفاتها حتى ولو بعد سنوات، حسب منظمة قفوا مع الأطفال.

لؤي ردفان (15 عامًا)، أحد أبناء مديرية شرعب السلام، له قصة أخرى عاشها وهو يشاهد ضحايا قصف الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى المعمداني في غزة، ساعات الليل الأولى من يوم السابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. يقول لـ”المشاهد”: شاهدت مقاطع الفيديو للضحايا عقب قصف المستشفى. عشت صدمة كبيرة من بشاعة الموقف، لم أستطع المواصلة، أطفأت الهاتف والقشعريرة تغطي جسمي كاملًا.

ويضيف: ظلت تلك الصور تراودني لأيام، أسمع صياحهم في كل مكان، عانيت من اضطراب في النوم، ولأتفادى ذلك الموقف لم أفتح النت ثلاثة أيام إلى أن خرجت من الصدمة.

كان إيهاب ينام مع أخته في غرفة منفردة، وبعد مشاهدته لأشلاء الأطفال، والدمار، والمجازر المروعة بحق الأطفال في مثل سنَّه، لم يعد يجرؤ أن ينام إلا مع والدته في سرير واحد. يضيف: “لا أستطيع النوم من الكوابيس والخوف المفزع الذي يصيبنا، أشعر بالأمان في النوم بجانب أمي”.

لاحظ محمد عبدالله (40 عامًا)، والد الطفل إيهاب، تغير حالته في الآونة الأخيرة، حتى إنه أصبح يتبول على ملابسه وهو نائم. ثم حاول البحث عن سبب ذلك من خلال سؤاله عما يخيفه؟ لقد بات يخاف من مشاهدة الأخبار في غزة.

يقول محمد لـ”المشاهد”: بعد أن عرفت سبب خوف ابني، حاولت تجنب مشاهدة الأخبار في الظهيرة، حصرتها في ساعات المساء فقط، أي عندما يذهب للنوم، وتركت له المساحة في مشاهدة المسلسلات الكرتونية، بالإضافة إلى ساعات مذاكرة دروسه اليومية.

ويضيف: خفت أن يصاب ابني بمشكلات نفسية وصحية قد تؤثر عليه مستقبلًا، قمت بعمل احترازات لتخفيف قدر المستطاع من تعرضه لهذه المشاهد.

من هذا الجانب تستهل كريمة الصمدي، أخصائية نفسية بمستشفى الصفوة العام بتعز، حديثها لـ”المشاهد” بالقول: ما يحدث في غزة يتناقله العالم أجمع عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بكل تفاصيلها من دمار ودماء، قتلى وجرحى، ممزوجة بأصوات وآهات تدمي القلب حزنًا.

إقرأ أيضاً  رابطة أمهات المختطفين تطالب بتحريك ملف المختطفين

وتتابع الصمدي: “أحداث غزة مأساوية جدًا، ولها تأثير عميق على جوانب شخصية الأطفال بمختلف أعمارهم، وسواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، عبر مشاهدتهم لهذه الأحداث”.

وتواصل حديثها عن أبرز السلوكيات التي قد تطرأ على الأطفال، وتقول: قد يشعر الطفل بالتوتر والخوف والقلق، بالإضافة إلى الأرق، أو النوم برفقة كوابيس مزعجة، قد تكون فقدان الشهية، اضطراب في الجهاز الهضمي، التفكير الدائم بالموت، اضطراب ما بعد الصدمة، بعض المشاكل السلوكية.

وترى أنه يجب تعزيز الأمان لدى الأطفال، والإجابة على تساؤلاتهم، وشرح الأسباب والقضية لهم بشكل يستوعبها الأطفال، وعدم السماح لهم بمشاهدة هذه الأحداث بشكل متكرر، وعدم تركهم يشاهدونها لوحدهم، ومنعهم من المشاهدة قبل النوم.

أعراض صحية

مشاهد العنف والدماء سواء في غزة أو في البلدان التي تعاني من العنف والأحداث، أوصلت الإنسان بشكل عام إلى جوانب من الاضطراب واللاسواء.

يقول الدكتور جمهور الحميدي، أستاذ علم النفس في جامعة تعز، لـ”المشاهد”: الواقع يعطينا مؤشرات عن انخفاض مستوى الصحة النفسية بسبب مشاهدة المجازر الدموية أو الأحداث الرضة التي تتراكم، لا سيما لدى الأطفال، وتشكل لديهم عقدًا ورضوضًا نفسية يدوم أثرها إلى المدى البعيد.

ويتابع الحميدي: الانتهاكات الوحشية التي شاهدناها ويشاهدها الكبار والصغار، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمر مرور الكرام. لا بد أن تترك ندبات نفسية، وتترك كثيرًا من الرضوض التي تسبب الضغط النفسي، والأرق، والقلق، وتسبب العديد من المشاكل الصحية والجسميَّة كذلك. بل إن البعض يعاني من مشاكل لحظية قد تحدث له، كالإغماء، وارتفاع السكر، وضغط الدم وغيرها.

ويضيف أن ما تتناوله وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من النواقل الإعلامية، تحاول تغطية بعض تلك المشاهد. وهذه التغطية ناتجة عن دراسات بأن الأحداث الرضة والأحداث المؤلمة تؤثر بشكل كبير على نفسية الآخرين. وهنا يتحتم علينا أن نحرص على عدم مشاهدة تلك المجازر، ونكتفي بالرمزية، لذلك لا بد على مقدمي الرعاية من التعامل الإيجابي مع الطفل، والسماح له بالتعبير عن مخاوفه واستيعابها.

التعامل مع المشكلة

هيليت كليتر، أخصائية نفسية للأطفال والمراهقين في ستانفورد ميديسن، ومديرة عيادة الضغوط النفسية والمرونة، تقول في حديث لموقع منظمة قفوا مع الأطفال، إن على الوالدين توعية الصغار والمراهقين بما يدور من أحداث في غزة عن طريق الرد على أسئلتهم والمبادرة بسؤالهم ماذا سمعوا من أخبار وماذا يعرفون، مع مراعاة سن الطفل لتقديم المعلومة حسب مداركه.

وتفيد كليتر أن الأطفال الأصغر سنًا بحاجة في البداية إلى تطمينهم وإشعارهم بالأمان. كما أنه من المهم حث الأطفال على التفكير بطرق عملية لمساعدة الأسر المتضررة كإرسال المساعدات أو الأموال لجهود الإغاثة.

مقالات مشابهة