المشاهد نت

من أجل البقاء.. عائلات تحت ظل «أنثى»

الحاجة علوية تُعيل أسرتها بالعمل على بيع المعجنات العدنية - صورة خاصة بالمشاهد

عدن – رَيا المزاحمي

على بُعد 500 مترٍ من منطقة القاهرة في مدينة عدن (جنوبي اليمن)، بعباءتها السوداء وخمارها القطني، تجلس الحاجة الخمسينية “علوية” أمام مدرسة “إدريس حنبلة” على كرسيها الحديدي، واضعةً أمامها مصنوعاتها المنزلية “معجنات عدنية”، ممسكةً بعصا خشبية ملفوفة بقطعة ريش، تهشُ بها الذباب دون توقف.

تقول علوية -من أبناء المنصورة- لـ«المشاهد»: إنها اعتادت على إعداد الكعك منذُ عام 1974، وتعتبر هذه المهنة هواية ورثتها من والدتها، كونها أسرة مهتمة بإعداد المعجنات العدنية الشهيرة”.

بعد مرور 41 عامًا، من العمل في هذهِ المهنة، تخرج “علوية” إلى الشارعِ لمواجهة الفقر بإمكانيات متواضعة، بعدما تقوم بتجهيز الكعك في المنزل بمساعدة ابنتها؛ لتنقذ نفسها وأسرتها من الجوع في ظل الظروف المعيشية القاسية.

“أقف هنا منذُ تسعة أعوام، وأنا واحدة من عشرات النساء المعيلات لأسرهن بمجهودنا وتعبنا، رغم صعوبة الظروف في هذهِ البلد، وعدم توفر فرص عمل للأيدي العاملة”، تضيف علوية.

كفاح في زمن الحرب

حال الحاجة “علوية” لا يختلف عن حال الكثير من النساءِ المكافحات، كلٌ بمهنتها وهواياتها، مثل طِباخة البخور أو العشار العدني والشاي العدني، أو الخمير، وغيرها من الأعمال المنزلية والمهن اليدوية.

فالوضع الراهن في البلاد فرض على النساء الكفاح، والقيام بالكثير من الأعمال اليومية أو المهن، وتعلم حرف يدوية، وأعمال شاقة في ظل ظروف البطالة والإنهيار الاقتصادي والمعيشي الذي خلفته الحرب.

وعلى مدى تسعة أعوام، من بدء الصراع في اليمن، دفعت النساء اليمنيات الفاتورة الأعلى، وتكبدنّ المشقة والمعاناة الأكبر، فقد حوّلت الحرب والصراع السياسي آلاف النساء إلى أرامل يحملنّ على عاتقهنّ همّ إعالة أسر لها متطلبات كبيرة، في ظل فقر خانق انعدمت بسببه مقومات الحياة الأساسية.

“نجاة” تنجو بأسرتها

“نجاة” (16 عاما) -من أبناء الشيخ عثمان – تجاهد هي الأخرى رغم صغر سنها؛ لتعيل والدتها المعاقة وإخوانها الصغار منذُ خمس سنوات.

كانت “أم نجاة” تتولى إعالة الأسرة، وعملت خادمةً في إحدى المنازل المجاورة لمنزلها الصغير، لكنها سرعان ما أُصيبت بمرض هشاشة العظام؛ أقعدها أسيرة المنزل.

تقول نجاة لـ«المشاهد» قُتل أبي في الحرب، مخلفًا بعده سبعة أولاد”.

تولت “نجاة” إعالة أسرتها؛ كونها الأكبر سنًا، فهي تبيع المناديل في الشارع، إضافة إلى خدمتها في أحد المنازل.

لا يبدو على “نجاة” الحزن لكونها تبيع المناديل، وتخدم في البيوت، فرؤيتها لأسرتها تأكل حلالًا ينسيها مشقة العمل، حد تعبيرها.

“بس كان نفسي أكمل دراستي، أدري أنه في أشغال شريفة وفرص شغل حلوة لكن كلها من نصيب المتعلمين”، بلهجتها العامية تتحسر “نجاة”.

حلم التخلص من العناء

أما “رحمة” (47 عامًا) من أبناء “منطقة الحسوة” تجاهد هي الأخرى، وتذهب كل صباح إلى مزارع “جعولة”، شمال عدن؛ لمساعدة المزارعين في جمع محاصيلهم، وتنظيف المزارع؛ بمقابل أن يكون لها نسبة بسيطة بمقدار كرتون من الليمون أو الخضروات المتساقطة التي تقوم بتجميعها، ثم ترسلها إلى السوق مع ولدها.

تقول رحمة: “الحمدلله الله هو الرزاق لكن مش كل مرة ابني يبيع، كل يوم وله نصيبه، أحيانًا يروح بـ 5000 ريال وأحيان 3000 ريال”.

ويظهر على “رحمة” أنها غير راضية في عملها الشاق، فهي تقضي 16 ساعة واقفةً على قدميها، لكن الحاجة أرغمتها، فهي تحلم بالعمل في أي مهنة توفر لها دعمًا تبدأ به مشروعًا؛ يساعدها وعائلتها على مقاومة الفقر والغلاء، كونها مطلقة وأم لثلاثة أولاد، تتحمل هي أعباءهم.

البحث عن التمكين

لا تختلف “أم محمد” عن سابقاتها، فهي تعيل ستة فتيات بعد أن قُتل زوجها في قصف للطيران عام 2015، وتتحمل نفقات دراسة فتياتها؛ مما تجنيه من صناعة البخور، لكن الإقبال على منتجاتها من العطور المُصنعة منزليًا قليل جدًا؛ نظرا لإمكانياتها المتواضعة، فلا يوجد لها أي داعم، حسب قولها.

إقرأ أيضاً  خديجة.. قصة التغلب على العنف وخذلان الأسرة

“العطور التي اشتريها مش غالية، لكن مع الغلاء، والوضع هذا مافيش خراج معي، أصفي فائدتي 15000 ريال من وراء كل طبخه اشتري معداتها بـ 9000 ريال”.

وتتساءلت “أم محمد” عن مشاريع التمكين التي تسمع وتقراء عنها عبر وسائل الإعلام، ولماذا رغم حاجتها المُلحة لم يشملها التمكين أو تستهدفها مشاريع المنظمات.

وتقول: “محتاجة للتمكين، معي بناتي أدرسهن وأهتم بهن، لكن الحمدلله سأكافح من أجلهن، حتى أراهن متعلمات يعتمدن على أنفسهن ولا يحتاجن أحدًا أبدًا”.

تحديات خطيرة

أن تكون المرأة بمثابة الأب والأم في نفس الوقت يمثل مسؤولية هائلة عاطفيًا وماديًا على حد سواء، حيث تعاني النساء من صعوبة كبيرة في مواجهة أعباء الحياة؛ نتيجة إعالة أسرهن.

كما تستوقفهن تحديات خطيرة منها الجهل، وغياب الخدمات، والظروف الصحية الصعبة، وتوقف الإنتاج الزراعي الذي تمثل النساء فيه حوالي 80 % من الأيدي العاملة.

ويضاف إلى ذلك أعباء إعالة الأسر، خاصةً الاهتمام والرعاية بأعداد متزايدة من المعاقين من أطفالهن وأزواجهن الذين تعرضوا للإعاقة نتيجة الحرب.

بالإضافة إلى قلة الدعم والبرامج المخصصة لهذه الفئة التي تعتبر أكثر الفئات هشاشة، وتوقف ما يقارب 86 % من الخدمات المخصصة لهذه الفئة، وقد أثبتت دراسة ميدانية لأوكسفام أنه وضمن 544 أسرة تمت مقابلتها 6.7 % لديهم أفراد معاقين.

غالبية النساء خارج التمكين

أضحت المرأة اليمنية خارج الأعمال المؤسسية، تعمل على تطوير مهاراتها الحرفية بمقابل ضئيل، لا يسد رمق حاجتها، وتكافح رغم الظروف غير الملائمة، والجهل الذي يخيم عليها.

ورغم الأنشطة وما تقدمه المنظمات المحلية والدولية في محاولة لتمكين النساء إلا أن ذلك غير كافٍ، ولا يعطي مؤشرًا على تحقيق تقدم للأمام في سبيل تمكين المرأة لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أعلن أنه قدّم خلال عام 2021 فرص عمل فورية لأكثر من 5900 امرأة يمنية، فيما حصلت أكثر من 1200 امرأة على منح صغيرة لإنشاء أو تنمية مشاريعهن الصغيرة.

كما فتحت المنظمات الدولية آفاقًا جديدة أمام المرأة اليمنية، وحصلت أكثر من 300 إمرأة في عدد من المحافظات على فرص لتطوير مهاراتهن في صناعة الأغذية والمنسوجات وصيانة السيارات والنجارة، وصيانة الهواتف المحمولة والأجهزة الكهربائية، وهي مهن كانت محصورة على الرجال فقط.

وعلى الرغم من المساعدات الإنسانية والمنح التي تُقدم لفئة النساء والأطفال، وبرامج التمكين الصغيرة، يظل العدد الأكبر من النساء خارج التمكين وبحاجة ماسة إلى المساعدة لتتمكن من العيش ومقاومة الفقر.

دور الدولة

وتعليقًا على هذه الجزئية؛ تقول مدير إدارة تنمية المرأة بديوان محافظة عدن اشتياق محمد سعد لـ«المشاهد»: “يجب أن يُنظر وبعين الرحمة والمسؤولية والرعاية لتلك النساء اللاتي يعُلنّ أسرهنّ بعد أن عصفت بهن الحروب والصراعات والوضع الاقتصادي المتردي وفُرضت عليهن الحياة القاسية أن يكنّ المعيل الوحيد لأولادهنّ وصغارهنّ”.

وتضيف “واجب الدولة أن تهتم وترعى مثل هؤلاء النساء والعمل على كفالتهن، وتكاتف الجهود من كل الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لتبني همومهن، وخصوصًا من لا تشملهن فرص التمكين الاقتصادي”.

وطالبت سعد بأن يكون هناك آلية واضحة للعمل على البحث والتقصي بكل الطرق التي توصل العاملين بهذا المجال إليهنّ واعطائهن فرصة بناء القدرات والتاهيل والتمكين وإتاحة سبل العيش لهن من خلال منحهن تمويل مشاريع صغيرة لتستطيع ان تعيش هي وأسرتها بأمان اقتصادي واجتماعي في مجتمعها والذي بدوره سيؤدي إلى استقرار أُسري ودعم السلام المجتمعي”.

وتتابع في حديثها: عدم تمكين بعض النساء المعيلات للأسر في ظل الوضع الراهن، أجبر الكثير منهن على التسول داخل الحواري الشعبية بتستر، فقد وجدت نساء عدنيات يتسولن بانكسار، وصمت”.

وتتألم قائلة: “بعض النساء يمتلكن خبرة كبيرة، وتشجيعهن سيعود بفائدة كبيرة للبلاد، على صعيد الفرد والمجتمع والدولة”.

مقالات مشابهة