المشاهد نت

خديجة.. قصة التغلب على العنف وخذلان الأسرة

الجوف – العنود أحمد 

خديجة “اسم مستعار”، لفتاة من مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف، ساقتها الأقدار للارتباط بعلاقة زوجية على شخص يكبرها سنًا بحوالي 33 عامًا. حينها كانت تراوح 17 سنةً.

تحمست للزواج ورغبت بأن تكون زوجةً ثالثة، لكنها لم تكُن تعلم أن ذلك سيغير حياتها على نحوٍ مختلف لن ترغب به سلفًا أي امرأة.

تقضي خديجة حاليًا الثلاثين من عمرها. لكن يبدو على ملامحها شيخوخة أتعاب وأثقال سنوات عجاف عبرت فيها مراحل كبيرة مليئة بالمسؤوليات والمهام المنزلية.

تروي لنا حكاية مؤلمة عن علاقتها الزوجية تلك وعن المعاناة التي استهلكت كل جميل فيها. ولم يتوقف الأمر هنا، بل تطور إلى حدود تعرضها للعنف والاعتداءات الجنسية.

مسؤولية تكبرها 

وجدت خديجة نفسها أمام مسؤولية تكبرها كثيرًا، كطفلة يتفاوت سنها مع أبناء زوجها. وكربة بيت يتحتم عليها تربيتهم وتربية أطفالها، حيث توالى الإنجاب ولم يقبل زوجها استخدام وسيلة لمنع الحمل ووسائل تنظيم الأسرة، “كان مصرًا على إنجاب الكثير من الأولاد رغم كثرة الموجودين” تقول خديجة.

وعلى الرغم من تحملها مسؤولية تربية اثنين من أبناء زوجها السابقين وسبعة أبناء ممن أنجبتهم وإدارة شؤون منزل، إلا أن زوجها أرغمها على القيام بأعمال شاقة، تخصص للرجال في مجتمعها، ولا تتناسب مع قدراتها الجسمانية ” كان يقول الفلوس التي سأعطيها لعامل غريب أنتي أحق به منه”.

تتابع القول، “بدأت أتماشى مع هذا الوضع سنوات من تعب والقيام بالأعمال شاقة ومرهقة، وتربية الأولاد إلى جانب أطفالي، ولم أتضايق قط، وكان ولده الكبير ذو 10 أعوام متعلق بي جدًا”. ومع مرور الأيام، زاد اعتماد زوج خديجة عليها وبدأ يتهرب من المسؤوليات والواجبات العائلية، لدرجة أنها أصبحت تعوله وأولاده.

إعالة الأسرة

تدخل حياة خديجة منحنى جديد مليء بالمشقة مقارنةً بما سبق، إذ أصبحت هي من تقوم بدور زوجها بسبب خذلانه وتقاعسه وتهربه من متطلبات العيش، وحملت على عاتقها توفير المأكل والمشرب له ولأبنائه، ولأجل ذلك عملت في تنظيف مستوصفات ومنازل، وكافحت على أمل أن يتغير زوجها، وصبرت عليه وتحملته حتى وصل إلى مستوى تعنيفها، كما تقول.

تضيف خديجة، “رغم كل ذلك وصل الحدود به إلى مد يده عليّ وإنهال بالضرب والإهانة والسب والطعن في عرضي”. تغاضت عن ذلك لفترة وتحملت ما تتلقاه، لكن ضاق بها الحال، ولم تعد تتحمل، فقررت أن تستنجد بأسرتها ومحفوفة بالكثير من الأمل بالحصول على النجاة.

تواصل الحديث، “ذهبت إلى أهلي لكن لم يكن الترحيب بي كما يجب، فالجميع وجوههم عابسة ولا يريدون أطفالي السبعة، أصبحوا ينفرون مني، ومن بعدها رجعت إليه مكسورة، وزاد من التعنيف والشتم”.

تقول خديجة إن الشتم والمزايدة بالاستنقاص أكثر ما أحزنها، “قال ألم أقل لكِ أنكِ سوف ترجعين إلى عند أقدامي عندما أدفع لهم أموال”. هنا شعرت “بأنني مجرد حيوان يباع ويشترى”.

اعتداء جنسي 

كان الابن الكبير لزوج خديجة يساعدها في مصاريف المنزل بعد أن أصبح شابًا، وبذلك خفف عنها نسبيًا من المسؤولية، لكنه في إحدى الليالي الحالكة، حاول إيقاضها من النوم، ولم تستجب له بسبب تعب وإرهاق نهار طويل، “بدأ يمسك بعنقي ليخنقني ويرميني بالألفاظ السب والشتم، وبدأ يخلع كافة ملابسه والتصرف بجنون، بدأ يلوي ذراعي وكسرت إحدى أصابعي والاعتداء عليّ”.

لم تفق خديجة لوهلة من هول الصدمة، وتقول: “تعبت حالتي النفسية جدًا وبدأت حقًا أفكر بالتخلص من كل شيء حولي وإن كان بالانتحار، فحالتي تتدهور”.

قررت خديجة أن تذهب إلى أهلها، لكنها تذكرت بأن الكل أشعرها بعدم الرغبة في مجيئها إليهم، ومع هذا ذهبت، وفي اليوم الثالث قدم زوجها قاصدًا إرجاعها، فرفضت، وعندما فعلت ذلك ومانعت العودة معه، بدأ يتهمني بوجود علاقة غير شرعية بيني وبين أبنه الكبير، حينها انصدمت ولم أستوعب الكلام الذي نقل لي منهم”.

إقرأ أيضاً  الأسر المنتجة تسعد الفقراء في العيد

تردف خديجة، “ذهبت إلى أخي الكبير، وكنت أعتقد أنه سوف ينجيني لكن كان كلامه نفس زوجي، واتهمني كما فعل الأول، وضربني ضربًا مبرحًا ومن ثم أخذتُ من خصره آله حادة ” الجنبية” وكننت أريد أن أتخلص من حياتي لكن لم يسمح لي”.

ذهبت خديجة إلى أحد القبائل في المحافظة وطلبت منهم أن يخرج زوجها من المنزل كي تعيش فيه مع أولادها، وحصل ذلك بالفعل، “بدأت أشعر بالراحة بأني انفصلت عنه وقررت الذهاب إلى طبيبة نفسية لأستعيد نفسي”.

طي المعاناة 

قاومت خديجة كثيرًا، بالمزيد من الإرادة والإصرار، ونجحت في طيء سنين المعاناة، واستقلت بنفسها، فهي تعمل حاليًا على إنتاج مادة الفحم وبيعه، إضافةً إلى مزاولة العمل في تنظيف مستوصفات ومنازل بمدينة الجوف.

أسباب العنف

تقول الاخصائية النفسية، إيمان البريهي أن هناك أسباب قد تدفع الزوج لممارسة العنف على زوجته، منها، السيطرة والتحكم إذ قد يشعر الزوج بحاجة للسيطرة على الشريك والتحكم فيها.

وتضيف: هناك عوامل أخرى محتملة تتمثل في تعرض الزوج لضغوطات نفسية واقتصادية تجعله يفقد السيطرة على تصرفاته وينتهج سلوكًا عنيفًا، إلى جانب أنه قد يكون نشأ في بيئة تربوية سلبية تجعله يعتقد أن استخدام العنف هو وسيلة فعالة لحل المشكلات، وإثبات للرجولة والسيطرة الذكورية.

وتتفق مع ذلك هي الأخرى الاخصائية النفسية، الدكتورة حلا شمسان، مؤكدةً بأن العنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان ولا يوجد مبرر له، ويتطلب التعامل مع هذه المشكلة جهودًا متعددة كالتوعية، والدعم النفسي، وتغيير الأنماط الثقافية والاجتماعية التي تسمح بالعنف.

وتلفت شمسان إلى التأثيرات الأخرى للتعنيف الذي تتعرض لها النساء، كالاكتئاب والشعور بالحزن وفقدان الاهتمام بالأنشطة المعتادة، والاضطرابات والشعور بالقلق والتوتر المستمر، والخوف من المستقبل، إضافةً إلى انخفاض الثقة بالنفس.

تأثيرات نفسية

غالبًا ما يكون الجهل هو من أبرز أسباب تعنيف الأزواج لشريكاتهم، وعدم وعيهم بالحقوق الزوجية والواجبات، وأيضًا ضعف الوازع الديني الذي يشرع بحق المرأة وأهمية دورها بالمجتمع.

إلى جانب العادات والتقاليد السلبية التي تسود المجتمع، خاصةً في محافظة الجوف الذي يتسم بكونه مجتمع شرقي قبلي محافظ على العادات والتقاليد السلبية المدمرة للمرأة والتي همشت دورها بالمجتمع، وحصرتها على البيت والمزرعة وتربية الأبناء فقط.

حلول ومقترحات

وتصف الباحثة والناشطة في قضايا المرأة والطفل، مجيدة الأعتس، أن معالجة هذه الظاهرة بتوعية في المجتمع، بدءًا بالقادة المجتمعيين كالمشايخ والوجهاء، ورجال الدين، حول المرأة ودورها في المجتمع، وحقوقها الشرعية والقانونية.

تلك الاجراءات تعتقد مجيدة أنها تضمن حماية دور المراة ويضمن لها الحق في شتى مجالات الحياة، والنظر إليها بأنها ليست نصف المجتمع كما وصفها البعض، بل هي النواة التي ينبثق منها المجتمع بأسره، كما وصفها الدين والسنة لما لها من حق يضمن لها الحياة الكريمة.

 وترى مجيدة أن تحقيق ذلك يبدأ بتعليم النساء وإكمال مسيرتهن العلمية، وإتاحة اتخاذها القرار في اختيار شريكها للحياة كونها هي من يرتبط ويعيش معه وليس الأسرة.

 مشيرةً إلى أن إرغام المرأة على الزواج يجعلها تعاني نفسيًا ومعنويًا وجسديًا، وسوف تخفق نوعًا ما في تأدية دورها على أكمل وجه مما يؤدي إلى الطلاق والتفكك الأسري والتشرد للبعض. 

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام، الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي

مقالات مشابهة