المشاهد نت

حضانة الأم لطفلها… الحق المسلوب

حرمان الأم من الحق في حضانة الطفل في اليمن
يقوم بعض الأزواج بمصادرة حق الأم في حضانة طفلها بالرغم من تصريح القانون اليمني بحقها في ذلك

عدن- سماح عملاق

“كنتُ نائمةً بأمان، وبعد أن استيقظت، لم أجد طفلتي في فراشِها. وجدتُ ملابسَها مبعثرة على أرضية الصالة، تتبّعتُها مذعورة، لأتفاجأ بورقة طلاقي معلقةً على باب المنزل”.

بهذه الكلمات تحكي أم زهور، 33 عامًا، من عدن، عن  طلاقِها بعد أربع سنوات زواج، وكانت ثمرتهُ ابنةً، اختطفها والدها غدرًا، وعمرها ستة أشهر. 

تقول أم زهور:”تزوجتُه بعد أن ضاقت بي الحياة، أقاربي توفاهم الله، بقي لي أخ واحد مغترب، عشنا أربع سنوات بحلوها ومرها، وكنت أعمل للمساهمة في توفير متطلبات المعيشة”. 

تضيف أم زهور أن زوجها السابق طلب منها ارتداء النقاب وترك العمل والتفرغ للمنزل، لكنها رفضت، ووعدته بأن تقوم بمهامها في البيت على أكمل وجه. لم يهدّدها بالطلاق، بل نفذه فجأة، وانتزع الطفلة من والدتها، وتزوج فتاةً أخرى، واستقر في صنعاء مع ابنته زهور التي تبلغ من العمر اليوم ثلاث سنوات. 

أم البنات، كما تحب أن تقدم نفسها، 30 عامًا، من لحج، تزوجت رجلًا، ولها منه ابنتان، الكبرى 7 أعوام، والأصغر ذات سِت. تقول إنها باعت كل ما تملك – منذ خمس سنوات- بعد طلاقِها، لتلجأ للقضاء في محافظة إب، لاستعادة طفلتيها من أبيهم الذي تزوج أخرى، واختفى. 

أم البنات، ربة منزل، ومتفرغة لبناتها، لكن زوجها طلقها لأنه بحسب قولها :”له زوجةٌ أولى في قريته، وهي ابنة عمه، وقد أنّبه ضميره”.

تضيف :”ضميره صحا فجأة بعد ست سنوات من زواجه بي، وإنجابه ابنتين، أين ضميره حينما تركني وحيدةً وسرق بناتي من البيت”.

البحث عن العدالة 

لا زالت أم زهور تأمل أن تعود إليها ابنتها، وتقول لـ “المشاهد”: “أسعى لتوفير حياة لائقة لابنتي، حين يهدي الله والدها ويعيدها إليّ. لا أستطيع اللجوء لمحاكم صنعاء، وأنا في عدن بسبب الحرب التي تمر بها البلاد”.

لم تفكر أم زهور رغم أنها جامعية اللجوء للقضاء، كون صديقات كُثر لها حُرمنَ من أطفالهنّ، وجاء حكم القاضي لصالح الأب. 

أما أم البنات فقد باعت قطعة أرض تمتلكها، و استدانت أكثر من 5 ملايين ريال، وسافرت مع والدها إلى إب لتلجأ لمحكمة يريم، وقد حكم القاضي لها بحضانة طفلتيها، إلا أن الأب لم يمتثل للحكم، واختفى. 

في الأشهر الماضية، انتشرت بعض المعلومات المضللة عن الفتيات اللاتي يعملن في المنظمات الدولية في اليمن، وكان لتلك الحملة أثرا سلبيا على النساء. 

سمر، موظفة في منظمة دولية في عدن، تقول إن حملة التشويه التي استهدفت الفتيات العاملات بالمنظمات دمرت حياتها الزوجية. توضح سمر أن زوجها منعها من السفر الذي يتطلبه العمل، ورفض مرافقتها أيضًا، فاختارت عملها ورفعت ضده قضية خلع في المحكمة.

تقول سمر:” حكم القاضي بعد الخلع لزوجي بالحضانة، بسبب عملي مع منظمة دولية في عدن، واشترط قعودي في منزلي بصنعاء شرطًا لحضانة طفلتيّ، فأخذت طفلتي بسيارة خاصة، وفررت معهم إلى عدن، وتركت كل شيء”. 

تداعيات

تعاني أم زهور من اكتئاب حاد، واضطراب ما بعد الصدمة، وتقول إن غدر زوجها السابق بعد تنويمها واختطاف طفلتها لن تغفره. تحاول أم زهور المضي قدمًا في حياتها، لكنها فقدت الثقة بجميع الناس، وتعتزل عن المجتمع في معظم الأحيان. تشير إلى أنها منذ عامين تخضع للعلاج النفسي وجاهيًا وعبر الإنترنت، لكنها تعتقد أن علاجها وسعادتها ونجاحها يكمن في عودة ابنتها للعيش معها. 

إقرأ أيضاً  وزارة الاتصالات تصدر تعميمًا لشركات الهاتف النقال

بعد أن فقدت أم البنات والدها، وباعت كل ما تملك، وجدت نفسها مديونة بالملايين، فافتتحت بسطة لبيع الإكسسوارات في حديقة عامة بمدينة عدن، وتقضي روتينها بين سفر يومي من لحج إلى عدن للعمل وبين النوم، لتتمكن من العيش وسداد ديونها التي لا زالت عاجزة عن التخلص منها. 

أما سمر تبدو أقوى، إذ لم تندم لأنها هربت بطفلتيها. ولأنها امرأة موظفة، فهي تستطيع توفير حياة هانئة لطفلتيها، لكنها تقول :”لا أستطيع العودة إلى صنعاء، لأن طليقي بلّغ عني، واسمي مرصود في النقاط الأمنية، حُرمتُ من صنعاء وأهلي الذين فيها، لكن لا يهمني طالما بناتي يعشن معي”.

الدعم النفسي والقانوني

يقول الإخصائي النفسي قاسم محمد، من عدن، لـ “المشاهد”:” إن اختطاف الأطفال بعد الطلاق يؤثر بشكل كبير على الأم والطفل نفسيًا وعاطفيًا، فالأم قد تشعر بالحزن والقلق والعجز والاكتئاب، وتحتاج إلى الدعم النفسي والقانوني، أما الطفل فيعيش في صدمة وقلق وضياع، وقد يُظهر سلوك غاضب، ويعاني من اضطرابات النوم والتغذية”.

وينصح محمد الأم بالحصول على الدعم النفسي من قبل الأهل والمجتمع والمختصين النفسيين، والعناية بنفسها من خلال التغذية والنوم الكافي والرياضة، وعدم الاستسلام ليأسها وذكرياتها، والبحث عن حلول قانونية واجتماعية لمشكلتها. 

وتشير مختصة الدعم والإرشاد الأسري شيماء شمسان إلى ضرورة العودة لتعليمات الشريعة الإسلامية المتعلقة بالزواج والطلاق، وقول الله في القرآن “إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان”، وقوله تعالى:”ولا تُضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٔ له بولده”. 

تؤكد شمسان أن المكان الطبيعي للطفل هو في كنف والدته مع إنفاق الأب، ومخالفة هذه التعليمات الدينية والقانونية خطأ كبير يهدد كيان الأسرة، ويضر الأطفال. 

الحاجة لإعادة النظر في القانون

 يلخص عميد كلية الحقوق بجامعة تعز الدكتور محمد عبد العزيز النظرة القانونية للحضانة بقوله: “نظم المشرع اليمني أحكام الحضانة في المواد (137 _ 148) من قانون الأحوال الشخصية، وحدد مدة الحضانة بـ 9 أعوام للذكر و 12 عامًا للأنثى”.

يوضح عبد العزيز أن القانون قد أعطى الأولوية في الحضانة للأم، لكن أحكام الحضانة تواجه بعض الصعوبات، كالشروط القانونية المتعلقة بالأم الحاضنة، والتعقيدات الإجرائية، وطول مدة المنازعات المتعلقة بالحضانة، وعزوف بعض الأمهات عن اللجوء إلى الجهات الرسمية. 

ويؤكد عبد العزيز بأن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في أحكام الحضانة وتطوير الإجراءات المتعلقة بها.

الناشطة الحقوقية أسيل المقرمي تقول لـ “المشاهد” :”يحدث حرمان المرأة من أطفالها لعدة أسباب، منها ضعف الوعي بحقوقها التي كفلها الشرع والقانون مثل النفقة والحضانة، وضعف شخصيتها ومستواها المعيشي الذي يجعلها عاجزة، وبعض المحاكم غير منصفة، حيث تخضع النفقة لتقديرات القاضي، وحسب دخل الزوج، وفي أحيان كثيرة لا تكفي لمعيشة الطفل”.

تشير المقرمي إلى أن المرأة قد تتعرض للعنف الجسدي، والمشكلات النفسية والعاطفية، فيدفعها خوفها بسبب انعدام الحماية للاستسلام والتنازل عن أطفالها.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.

مقالات مشابهة