المشاهد نت

أزمة انهيار العملة اليمنية .. الأسباب والتداعيات

تعز- وفيق صالح :

يشهد الريال اليمني، تراجعًا مستمرًا، في قيمته، أمام سلة العملات الأجنبية، خلال الآونة الأخيرة، حيث هبط إلى أدنى مستوى له في تاريخه، مع استمرار حالة الانقسام الاقتصادي والنقدي، وانعدام الثقة في القطاع المصرفي الرسمي، وحظر الطبعة الجديدة من العملة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.

وتخطى سعر الدولار الأمريكي، خلال تعاملات الساعات الأخيرة، حاجز الـ 930 أمام الريال الوطني، في حين ارتفع سعر الريال السعودي، إلى 244 ريالًا للشراء، و245 للبيع.

وتأتي عملية تدهور العملة المحلية، في ظل اتهامات للبنك المركزي في طباعة مزيد من الأوراق النقدية، والتسبب في ارتفاع مستوى التضخم، في حين، تُفضل إدارة البنك المركزي، الصمت، وعدم إيضاح هذه المسائل، لا سيما مع ما تشهده العملة الوطنية، من انهيار مستمر، مقابل العملات الأجنبية.

وأخذت هذه المعلومات طابعها من الانتشار، مع ما تسرب مؤخرًا من معاناة البنك المركزي، وبقية البنوك التجارية والرسمية، من شحة شديدة في السيولة، وعدم استطاعتهم الإيفاء بالتزاماتهم المالية، نتيجة الاختلال في الدورة النقدية منذ سنوات، حيث يمتنع تجار الوقود ورجال الأعمال من توريد أموالهم أو أرباحهم الناتجة عن نشاطهم إلى الجهاز المصرفي وتفضيل تكديس أموالهم في متاجرهم ومنازلهم، أو إيداعها لدى شركات الصرافة التي تحتفظ بالجزء الأكبر من المعروض النقدي في خزائنها.

في المقابل استبعدت مصادر اقتصادية، في حديثها لـ”المشاهد”، صحة الأنباء التي تتحدث عن استمرار البنك في طباعة مزيد من الأرواق النقدية الجديدة، مشيرةً إلى أن البنك في إطار ادارته للسياسة النقدية يعمل على تأمين احتياجاته من النقد المحلي لأغراض محددة.

ولفتت إلى أنه يجب التفريق بين طباعة وتخزين النقد لتأمين احتياجات البلاد من العملة المحلية، وبين إصدار النقود لأغراض محددة أيضًا، بحيث يكون الانتقاد لإصدار نقد لتغطية عجز إيرادات الحكومة في تغطية نفقاتها وهي سياسة مالية ليس للبنك المركزي علاقة فيها.

تداعيات وآثار

وانعكست عملية تدهور الريال الوطني، على مجمل الأوضاع المعيشية، حيث شهدت أسعار المواد الضرورية والغذائية والاستهلاكية، صعودًا إضافيًا، بنسبة عالية، مقارنة بأسعار الأيام الماضية، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الضرورية، بنسبة كبيرة في الأسواق التموينية، عقب التدهور الذي شهدته العملة الوطنية، خلال الأيام الأخيرة.

كما تنعكس أزمة العُملة، على القوة الشرائية في غالبية المحافظات اليمنية، جراء ارتفاع أسعار السلع التي تستورد من الخارج بالعملة الصعبة، ويرفع التجار سعرها لتغطية العجز الحاصل في قيمة الريال، الأمر الذي يزيد المخاوف من شبح مجاعة تلوح في الأفق المعتم أكثر من أي وقت مضى.

وأبدى مراقبون مخاوفهم من الآثار والتداعيات السلبية التي تُخلفها عملية انهيار الريال الوطني، لا سيما في ظل الانقسام النقدي الحاصل، وحظر الطبعة الجديدة من العملة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، حيث تسببت عملية اتساع الفجوة في فارق الصرف، مؤخراً بارتفاع عمولة الحوالات النقدية الصادرة من مناطق الشرعية، إلى مناطق الحوثيين، بنسبة وصلت إلى 55% من حجم العمولة.

وعمل تمايز الأنظمة المصرفية في مناطق الشرعية، ومناطق سيطرة الحوثيين، على اتساع فارق سعر الصرف، بين تلك المناطق، حيث استقر سعر الدولار في المحافظات الواقعة ضمن نطاق سيطرة جماعة الحوثي عند حاجز الـ 600 ريال.

إقرأ أيضاً  بالصور.. السيول تُخلّف أضرارًا «بالغة» في لحج

ومؤخراً نشطت عملية المضاربة بالعملة، وزاد الطلب، على شراء العملات الأجنبية في العاصمة المؤقتة عدن، وكافة المحافظات التي تديرها الحكومة اليمنية، نتيجة التوسع في عملية الاستيراد، خصوصا استيراد الوقود والمشتقات النفطية، حيث يستفيد كافة التُجار والمستوردون، في مناطق الحوثي، من المزايا التي يقدمها النظام المصرفي في مناطق الشرعية، (نظام التعويم الحر) ويحصلون على الكميات المطلوبة من النقد الأجنبي، لتوفير عمليات الاستيراد، وهو ما يعمل على اتساع الفجوة بين العرض والطلب، في السوق المصرفية.

ويرى اقتصاديون، أن استعادة الثقة بالبنك المركزي والقطاع المصرفي الرسمي، لدى التجار والمودعين، سيعمل على استقرار السوق المصرفية، من خلال جلب الودائع الاستثمارية بالنقد الأجنبي، كما سيعمل على إعادة الدورة النقدية إلى القطاع المصرفي الرسمي، بعد أن شهدت اختلالًا واضحًا خلال السنوات الماضية، نتيجة لجوء كثير من المواطنين والمودعين، على وضع أموالهم ومدخراتهم في منازلهم وفي محلات الصرافة غير الرسمية.

وخلال السنوات الماضية منذ بدء الحرب، شهدت إجمالي الودائع المصرفية، تراجعًا من 2225،7 مليار ريال عام 2014، إلى 2150 مليار ريال، عام 2015، وبتغير سلبي، بلغ 3،4% عن العام 2014، نظراً لقيام المودعين بسحب مدخراتهم، وودائعهم من البنوك والاحتفاظ بها في المنازل، تخوفًا من أزمة سيولة أو اهتزاز المراكز المالية للبنوك، وفق تقرير المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن قطاع الدراسات والتوقعات في وزارة التخطيط والتعاون الدولي.

حلول

وفي ظل تراكم المشكلات الاقتصادية، وتزايد الضغوطات على الاقتصاد اليمني، بشكل عام، وعلى العملة المحلية، بشكل خاص، استبعد اقتصاديون، أن تكون تعمل المهدئات التي اعتادت عليها الحكومة، في حل مسالة أزمة العملة اليمنية، والقطاع المصرفي في البلاد.

وجرت العادة، خلال السنوات الماضية، أن تقوم الحكومة، خلال كل دورة انهيار في العملة المحلية، على اتخاذ مهدئات مؤقتة، تمنع تكبح العملات الأجنبية، بشكل نسبي، وبصورة مؤقتة، بيد أن العملة ماتلبث أن تعاود الانهيار، نتيجة عدم ملامسة الحلول الحكومية لجذور المشكلة العميقة.

وبحسب مراقبين، فإن الإشكالية، في عملية انهيار الريال، لا تقتصر على دور البنك المركزي، وغياب أدوات السياسة النقدية، بل أن الأمر مرتبط بضرورة تفعيل المالية العامة للدولة، وإعداد الموازنة السنوية المالية، وتفعيل موارد البلاد من النقد الأجنبي، وتوريدها إلى البنك المركزي اليمني، وكذلك ضرورة توريد الموارد السيادية وغيرها من موارد النقد الأجنبي من المصادر المختلفة إلى البنك المركزي لدعم رصيد البنك من العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في دعم موقف الريال اليمني في السوق وخلق حالة من الاستقرار لإيقاف نزيف العملة.

ويؤكد مصرفيون، أن الانقسام النقدي، وازدواجية القرارات المصرفية، وحظر الطبعة الجديدة من العملة، في مناطق سيطرة الحوثيين، من الأسباب المباشرة، التي ساهمت في معاناة العملة، وأدت إلى تدهور قيمة الريال، وفاقمت من الأزمة المالية في البلاد.

وطالبوا بضرورة حل هذه الإشكالية، عبر تدخلات جدية مباشرة، تلامس الجذور الأساسية في انهيار العملة، ومنها العمل على توحيد القرارات المصرفية، وإنهاء عملية الانقسام المصرفي، والسماح بتداول الطبعة الجديدة من الريال اليمني.

مقالات مشابهة