المشاهد نت

تعز ومسرحية السلام المزعوم

نبيل البكيري

نبيل البكيري

كاتب صحافي يمني

7 سنوات ومدينة تعز تقبع تحت حصار همجي لاإنساني، مفروض عليها من قبل مليشيات جماعة الحوثي، التي أسقطت الدولة اليمنية، وانقلبت على كل ثوابت اليمنيين ومنجزاتهم السياسية على مدى نصف قرن، من الدولة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، وكان آخر منجز لليمنيين، أطاحت به جماعة الحوثي هي مخرجات الحوار الوطني الشامل التي كان يفترض أن تكون مقدمة لمرحلة جديدة لاجتماع سياسي يمني جديد.
كل ذلك تم الانقلاب عليه، وتجاوز حالة إجماع وطني غير مسبوق يمنيًا، في ما يتعلق ببناء الدولة والانتقال السياسي، الذي أقرته مخرجات الحوار الوطني، وهكذا أدخلت هذه المليشيات اليمن في أتون حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس على امتداد 7 سنوات مضت، وقبلها 7 جولات حرب تمرد في محافظة صعدة، بمعنى آخر، عقدين من الزمن وهذه الجماعة مصدر حروب دائمة في اليمن، لا تكاد تتوقف إلا لتبدأ من جديد.
فها هي اليمن على وشك أن تدلف عامها الثامن من الحرب والمعاناة، التي أصابت اليمنيين جميعًا، وفي الأخص منهم الذين قاوموا مشروع الانقلاب الحوثي، وكسروا هذا المشروع، وأفشلوا سيطرته على كامل الجغرافية اليمنية، هؤلاء الذين ثبتوا مع مشروع الدولة الشرعية، والجمهورية المنقلب عليها، وبالأخص مدينة تعز التي دفعت الضريبة الأكبر في هذه الحرب، ولاتزال حتى اليوم، تدفع التضحيات تلو التضحيات من أبناء هذه المحافظة، وبخاصة أولئك العايشين داخل المدينة، ويقاومون أعتى حصار مفروض على مدينة في التاريخ المعاصر.
يتحدث المجتمع الدولي، من خلال مبعوثه لليمن السيد هانز جروندبرج، والدول المعنية بالملف اليمني، منذ شهرين، عن هدنة وإعادة تطبيع الحياة في اليمن، لكن للأسف، تعيش اليمن كلها أوضاعًا مأسوية، وتعز بخاصة، رغم هذه الهدنة، التي استثنت تعز، ولم تدخل حتى في حسابات السلام المزعوم، فتعز لاتزال محاصرة ومغلقة كل الطرق المؤدية إليها ، فلاتزال تعز محاصرة ولايزال قناصة المليشيات يترصدون المدينة في كل وقت وحين، ويتصيدون المدنيين دائمًا، وتحصد ألغامهم الأبرياء في أطراف المدينة وأريافها كل يوم.

ثمة خلل كبير في رؤية وأداء البعثة الأممية في اليمن منذ بداية الحرب، وثمة انحراف كبير في عمل هذه البعثة، وما طول أمد بقائها وتعدد مبعوثيها سوى دليل بسيط وواضح على حقيقة هذا الخلل وهذا الفشل الكبير الذي ارتكبته هذه البعثة، منذ لحظتها الأولى


لا أحد يتصور حجم معاناة السكان في تعز، على امتداد 7 سنوات مضت، والأكثر غرابة أيضًا، أن بعضًا من المنظمات الدولية والناشطين المدنيين متورطون في تزييف حقيقة الوضع في تعز، فثمة نخبة من “سماسرة” تمويل منظمات المجتمع المدني، يقدمون أنفسهم صناع سلام، ويتحدثون باسم المجتمع المدني، وهم في حقيقة الأمر بمثابة جناح مدني ناعم للمليشيات، في أحسن الأحوال.
حيث يقدم هؤلاء تصورات مغلوطة، وكاذبة، عن الوضع بتعز للمجتمع الدولي، والأكثر غرابة هو أن المبعوث الدولي يعتمد كثيرًا على هذا النوع من الأدعياء، الذين يمثلون جناحًا ناعمًا للانقلاب، ويقومون بمهمة تعويم الحقائق وترويج الأكاذيب، كما هو الحال اليوم في ما يتعلق برؤيتهم لآليات فتح المنافذ للمدينة المحاصرة التي لن يفيد شيء فتح مثل هذه المنافذ في ظل بقاء المليشيات متحكمة بهذه الطرقات والمنافذ والمعابر، وتهين كرامة الناس يوميًا عبرها.
ثمة خلل كبير في رؤية وأداء البعثة الأممية في اليمن منذ بداية الحرب، وثمة انحراف كبير في عمل هذه البعثة، وما طول أمد بقائها وتعدد مبعوثيها سوى دليل بسيط وواضح على حقيقة هذا الخلل وهذا الفشل الكبير الذي ارتكبته هذه البعثة، منذ لحظتها الأولى، وهو ما يتضح اليوم من خلال الكثير من الحقائق للمراقب العادي، لطبيعة المعايير المزدوجة للتعاطي مع مطالب المليشيات الانقلابية، والتعاطي مع قضية تعز المحاصرة على سبيل المثال.
قُدمت الكثير من التسهيلات للمليشيات من خلال فتح المطارات والموانئ الخاضعة لها، دون أي مقابل لهذه التنازلات في ما يتعلق برواتب الناس وحقوقهم وحرياتهم، حيث ثمة انتهكات كبيرة تتم للسكان في مناطق سيطرة المليشيات، وحرمانهم من أبسط حقوقهم، هذا عدا عن حصار هذه المليشيات للمدن وقطع الطرقات عنها في تعز وإب وغيرهما من المناطق، فيما في الجانب الآخر منذ شهرين ولم يتم أي تقدم في ملفات تعز المحاصرة، عدا عن عدم وجود أية آلية لتنفيذ فكرة فتح المعابر التي ينبغي مناقشتها في ظل وجود آلية عمل واضحة، كوجود بعثة دولية للمراقبة وتسيير عمل هذه المعابر على سبيل المثال.

حديث السلام فقد كثيرًا من بريقه اليوم، ومؤخرًا حديث الهدنة واستمرارها شهرين آخرين، بتدخل وضغط دولي كبير، دون وضع حصار تعز في الحسبان


يدرك الجميع اليوم، أن تصلب مليشيات الحوثي، طول السنوات الماضية وحتى اللحظة، بخصوص عملية السلام، يرجع بشكل كبير لحجم التنازلات التي تُقدم لها، دون أي مقابل منها، عدا عن المعايير المزدوجة في التعاطعي مع تعنتاتها واشتراطاتها الدائمة في ما يتعلق بآليات المضي نحو عملية سلام حقيقية، وليس مسرحية كالتي يتم الترويج لها اليوم، وتسويقها على اعتبار أنها عملية سلام وهدنة ستسهم في تخفيف معاناة الناس وتوفير حاجياتهم وصون حقوقهم وحرياتهم المسلوبة واستعادة دولتهم المنقلب عليها.
إن حديث السلام فقد كثيرًا من بريقه اليوم، ومؤخرًا حديث الهدنة واستمرارها شهرين آخرين، بتدخل وضغط دولي كبير، دون وضع حصار تعز في الحسبان، وفي الوقت ذاته الذي يتم فيه الحديث عن تمديدها، كانت تعز تشهد زخات من قذائف المدفعية والدبابات على أحيائها الشرقية وعلى أريافها في منطقة الشقب وعركب وجبل حبشي وغيرها، ولهذا يتساءل الناس ما جدوى كل هذا الحديث العبثي، عن أوهام سلام وهدن لا ينعكس وضعًا إيجابيًا على سكان هذه المدينة المحاصرة للسنة السابعة على التوالي.
ما تعانيه تعز، لم يعد مفهومًا، وبخاصة من قبل البعثة الدولية ومسؤوليها، أما الحوثيون، فاليمنيون والتعزيون تحديدًا يؤمنون إيمانًا يقينيًا بأن لا سلام مع مليشيات ارتكبت بحق اليمنيين كل الجرائم الوحشية، من قصف وقنص وألغام سيجت بها تعز وخطوط تماسها مع الأرياف التي تسيطر عليها هذه المليشيات، ويسقط ضحاياها بشكل شبه يومي.
ختامًا، لسنا هنا متشائمين بخصوص السلام، ولكن نحن هنا متفائلون أن لا سلام يبنى على الأوهام والأكاذيب، لا سلام على حساب معاناة الناس واحتياجاتهم وأمنهم واستقرارهم، لا سلام دون وجود آليات دولية ضامنة لتحقيق هذا السلام المزعوم، الذي لا يمكن أن يكون سلامًا حقيقيًا، في ظل تجارب طويلة وكثيرة مع هذه المليشيات، التي تتنصل من كل الالتزمات والاتفاقات السابقة على مدى سنوات طويلة، من تجارب الفشل الكبير في الوصول معها إلى بر الأمان، من خلال سلام تستعاد به الدولة اليمنية الضامنة لحقوق كل أبنائها، وهذا ما يتعارض جملة وتفصيلًا مع تصورات جماعة الحوثي للدولة والسلام.

الأكثر قراءة