المشاهد نت

من يصنع السلام في اليمن

حسن العديني

حسن العديني

كاتب صحافي يمني

حين يسأل أي من المنتسبين للسلطة الشرعية عن السبيل إلى إقرار السلام في اليمن، يكون الجواب واحدًا، وهو أن على المجتمع الدولي أن يقنع إيران برفع يدها عن اليمن، والكف عن دعم الحوثيين. ولايزال المسؤولون الحكوميون يتوسلون المجتمع الدولي بأن يضغط على الحوثي لكي يضع توقيعه على قرار تمديد الهدنة منذ رفض وصمم مطلع الشهر الماضي.
المثير للاستغراب أن المنتسبين للشرعية لا يرون أن المجتمع الدولي الذي يناشدونه ويلح عليه، لم يستطع أن يثني إيران عن بسط نفوذها في العراق ولبنان، أو أن يكون طرفًا بين القوى العديدة التي تعبث بسوريا. ولم يرَ هؤلاء أيضًا أن المجتمع الدولي عجز عن إقناع النظام في إيران بالتنازل قيد شعرة في موضوع الملف النووي، وأن الحصار والضغوط كلها فشلت أمام تصلب الإيرانيين وبراعتهم في الأداء السياسي والدبلوماسي، وفي إدارة مواردهم.
الحوثيون من ناحيتهم يستمدون الصلابة من صمود إيران، ومن تحديها وكبريائها أو تكبرها في الحقيقة، ثم من قبل هذا وليس من بعده، يقيمون قوتهم على رعشة خصومهم واهتزاز إرادتهم. وهم لا يتحرجون عن إهانة المجتمع الدولي بأثقل وأردأ الكلام، فيصرح أحدهم بأنهم يضعون تحت أقدامهم قرارات مجلس الأمن. والعجيب أن مجلس الأمن، بالأحرى الدول دائمة العضوية فيه، لم تغضب لشرفها، فقد ألقت هي بقراراتها إلى حيث يستطيع الحوثي أن يدوس عليها، فعن هذه القرارات وأهمها القرار 2216 سكت الكلام، وبات الحوثي في نظر كثيرين يذكر بإسرائيل التي اعتادت أن ترمي بقرارات مجلس الأمن.
ومنذ انتهى التمديد الثاني للهدنة، وضع الحوثي شروطًا قاسية حتى يوقع على هدنة جديدة، ثم راح بعدها يستعرض قوته ويقصف في مأرب وفي تعز، ويخوض حربًا ضد القبائل في شبوة، ثم يطول بيده ويضرب موانئ تصدير النفط في الضبة بحضرموت والنشيمة وقنا في شبوة، ولا ترد الحكومة بأكثر من التوسل والشكوى إلى المجتمع الدولي واستجداء عطفه وكرمه.
أمام هذا التصميم تواصلت على الجانب الآخر الحروب بين الوحدات العسكرية المحسوبة على الحكومة الشرعية، وتكرر في أبين وشبوة ما حدث في تعز في سنوات سابقة، مع تبادل دور الضحية والقاتل. كذلك استؤنفت الاغتيالات لكبار الضباط، وتواصلت القائمة من عدنان الحمادي وثابت جواس حتى محمد الجرادي الذي اغتيل في الأمس القريب في وادٍ غير ذي زرع في محافظة مأرب.
في الملف السياسي، لم يطرأ جديد على اللقاءات الروتينية بالمبعوثين والسفراء الأجانب غير حملة علاقات عامة قام بها الدكتور رشاد العليمي، رئيس المجلس الرئاسي، شملت المشاركة في العديد من المحافل الدولية، وزيارة عواصم عربية وأوروبية.
ولا جديد في الملف الاقتصادي أو في غيره.
والحال هكذا ينتصب السؤال القديم: إلى متى تستمر الحرب؟ ومن يقدر على إطفائها؟ ثم يسبقه سؤال عن طبيعة الحرب وأطرافها.
الحق أنه ليس هناك التباس في القول بأنها مزيج من الحرب الأهلية والوطنية. وهي في وجهها الأول مواجهة بين قوى في الداخل تتنازع الحكم والمصالح. وفي وجهها الثاني فقد اختلفت القوى ذاتها في النظر إليها. فهي عند الذين يقاتلون مع الحوثي حرب وطنية ضد عدوان سعودي/ إماراتي، بدأ في 25 مارس 2015، وهي عند الذين يصطفون مع الحكومة وعند غالبية الشعب، سواءً المتعاطفين معها أو الغاضبين عليها، حرب ضد عدوان إيراني بدأ قبل هذا التاريخ بسنوات.
ولقد انتهى الوقت الذي كانت فيه إيران تخفي انخراطها بشكل مباشر في الحرب اليمنية، وبات دورها مكشوفًا، وهو دور يشبه إلى حد كبير دور “الناتو” في الحرب على روسيا في أوكرانيا. تدريب وإمداد بالسلاح والعتاد والخبراء من غير جنود يمشون على الأرض. ولا فارق سوى أن التدخل هنا أقل ضجيجًا. تفسير ذلك قوة الإعلام الغربي الذي قاد معه الوسائل الناطقة بكل اللغات إلى تقديم الحرب هناك على أنها عدون روسي على أوكرانيا.
ذلك ما لم يقدر عليه إعلام حزب الله وجيل إيران في المنطقة العربية.
ولقد يكون من لزوم ما لا يلزم توكيد أن خدمة المشروع الإيراني هي الوظيفة الحصرية لحزب الله، بعد أن تمزق قناع المقاومة، وبين أن فلسطين ليست في برنامجه بعد أن وافق على اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، بما يعنيه من اعتراف بسيادة إسرائيل على أرض فلسطين.
وقد أوردت دراسة أمريكية صدرت عن مركز مكافحة الإرهاب في نيويورك، ونشرت مؤخرًا، بعض أسماء قادة الحرب الحقيقيين في اليمن، وهم ضباط في فيلق القدس التابع للحرس الثوري اللبناني، وفي حزب الله. لكن إعلام الحكومة الشرعية في اليمن لا يزيد على كلمتي “المدعومة من إيران”، عند الحديث عن جماعة الحوثي، دون أن يقدم أدلة وشواهد ووقائع. دول التحالف هي الأخرى تعاني من عجز وفشل ذريع في الإعلام والسياسة، يساويه فشلها في الميدان العسكري. وزاد إعلام الدول الثلاث، اليمن والسعودية والإمارات، وصمم على أن السعودية والإمارات تقودان تحالفًا من عشر دول، ما يقدم للحوثي أساسًا للدعاية بأنه يخوض مواجهة مع تحالف واسع يضيف إليه إسرائيل والولايات المتحدة.
والواقع أن في هذا الادعاء ظلًا من الحقيقة، فإن إسرائيل موجودة في جميع الحروب والأزمات والمشاكل في العالم العربي، وهي إن لم تقم بدور مباشر في الحروب القائمة، فإنها تمارس التأثير على سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما تجاه ما يجري في اليمن والعالم العربي، وتمارس هذا التأثير بواسطة موظفين كبار يهود وصهاينة مسيحيين على صلة بصناعة القرار في تلك البلدان.

يبدو من رابع المستحيلات أن تحرص أمريكا والدول الغربية أو ما يطلق عليه المجتمع الدولي على إنهاء الحرب في اليمن، قبل أن تحقق هذه أغراضها بما يتفق مع أهوائهم ومصالحهم. والأمر نفسه ينسحب على دول التحالف سواءً بحساباتها الخاصة أو بارتباطها وتبعيتها للدول الغربية.


وليس يهم إسرائيل في ما تقوم به وتمارسه، أن تنتصر الحكومة الشرعية على الحوثي كما يصوره، ولا يعنيها أن تزيح السعودية إيران من الفضاء اليمني. ما يهم إسرائيل أن تغرق البلدان العربية في المشاكل، وأن يلطخ الدم خرائطها، وأن تتقطع أوصالها إذا أمكن.
وباتفاق أو بدونه، فإن الأهداف تلتقي، وقد تتطابق مع أهداف الولايات المتحدة وبريطانيا ورغبتهما في استمرار الحرب في اليمن.
في 1990 شجعت الولايات المتحدة والدول الغربية على توحيد اليمن في سياق استكمال تصفية مواقع النفوذ السوفيتي، ثم عادت وراحت تخلق المشاكل وتغذي الخلافات من موقع ادعاء الحرص على الوئام، والقيام بدور الحكم بين القوى المتعارضة، حتى نجحت في أن تدفع خلافاتها إلى صدام ثم إلى حرب.
وهي تريد الحرب في ذاتها باعتبارها مطلب شركات صناعة السلاح، ثم إنها تريدها من أجل تمزيق اليمن أو إبقائه ضعيفًا على الأقل، حتى لا يقوى على التحكم بمقاديره والسيطرة على ثرواته النائمة تحت الأرض، ومنع استغلالها ونهبها من القوى الأجنبية.
ولذلك يبدو من رابع المستحيلات أن تحرص أمريكا والدول الغربية أو ما يطلق عليه المجتمع الدولي على إنهاء الحرب في اليمن، قبل أن تحقق هذه أغراضها بما يتفق مع أهوائهم ومصالحهم. والأمر نفسه ينسحب على دول التحالف سواءً بحساباتها الخاصة أو بارتباطها وتبعيتها للدول الغربية.
وكذلك يتأكد أن القرار في أيدي اليمنيين وحدهم، وليس غيرهم.
وفي هذا فإن أمامهم ثلاثة خيارات لا تزيد:
الأول: أن يجلسوا على طاولة الحوار ولو امتد الوقت، لكي يتفقوا على تسوية تقوم على قاعدة الوحدة والاحتكام إلى الديمقراطية مهما بلغت هشاشتها، أو على التقسيم إلى دويلات تتجاور وتتعايش داخل حدود ترسم بعناية بحيث لا تحمل أسبابًا لنزاعات وحروب قادمة.
الثاني: أن تعيد السلطة المعترف بها دوليًا ترتيب أوضاعها، وأن تستعد لحرب حاسمة تحقق فيها الانتصار على مشروع الحوثي العنصري، وتقيم فيدرالية ديمقراطية.
والثالث: أن تعترف السلطة المعترف بها بالعجز، فتنهي العلاقة بدول التحالف، ثم تعلن الانسحاب، وتترك للحوثي أن يتقدم بقواته، ويستولي على كامل تراب اليمن.
يستدعي الخيار الأول توجيه ضربة أو ضربات عسكرية تسقط الحوثي من مركز الغرور إلى نقطة التوازن والعقل. ويستدعي الخيار الثاني إلحاق هزيمة ساحقة بالحوثي تقتلع مشروعه وتزيحه إلى الأبد.
على أن الوضع الآن يميل في ظاهره للخيار الثالث. فإذا ما كانت الشرعية قريبة من التسليم بهذا الخيار، فعليها أن تعجل بطي صفحتها، وأن تفتح الطريق للحوثي حتى يجيء حسابه على يد الشعب في وقت لن يطول.
وأما إذا كانت الحكومة تستشعر العزم والإرادة، وتشعر بأنها تستطيع، وهي تستطيع بالفعل إذا أرادت وقررت، فإن عليها أن تقوم بمهمتين في الوقت نفسه:
الأولى إعطاء أولوية قصوى لإعداد القوات، وإجراء تغييرات واسعة في القيادات العسكرية والأمنية، واعتماد معيار الكفاءة والعلم في الاختيار، والمثابرة على التدريب والتأهيل ورفع الجاهزية، مع توفير وتوزيع الأسلحة والعتاد للوحدات بحسب طبيعة تكوينها وتخصصها.
ومع صعوبة توحيد القوات في المدى القصير، فإنه يتوجب إقامة غرفة عمليات مشتركة لتوحيد القرار وإدارة العمليات والتنسيق على جميع الجبهات.
الثانية بناء جسور التواصل مع المجتمع، والقيام بمعالجات مناسبة للمشاكل الاقتصادية والمالية وفقًا للظروف والإمكانيات المتاحة، وبما يوفر الاحتياجات والخدمات الأساسية.
سوف يستوجب هذا إصلاح الجهاز الإداري، وتمكين الكادر المؤهل من العمل، مع سد الخانات الفارغة في الإدارة الحكومية.
ذلك يستلزم النظر في وضع جيش الموظفين الشاردين في العواصم، وإلزام المؤهلين والقادرين على العمل بالعودة إلى الداخل، وممارسة وظائفهم، ونقل غير القادرين -وهم الأغلبية- إلى صندوق الفائض.
يتطلب هذا بالضرورة الانسجام والتجانس والتفاعل بين أعضاء المجلس الرئاسي أولًا، ثم بينهم وبين القيادات التنفيذية والعسكرية. هذا الانسجام والتفاعل الذي يؤدي بالنتيجة إلى تحقيق الفاعلية.
وأظن أن الوقت الذي تصرم منذ تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل الماضي، استغرق في الإلمام بالأوضاع، وأن الوقت حان اليوم لوضع الاستراتيجيات وتصميم البرامج اللازمة للتصدي للمرحلة المقبلة.
أظن كذلك أن رئيس المجلس يمتلك القدرة على خلق أجواء الأسرة والفريق الواحد في النطاق الذي يقوده، وأنهم جميعًا في تلك الأجواء يستطيعون أن يفكروا وأن ينجزوا.

الأكثر قراءة