المشاهد نت

المرارة بين اتفاقين

حسن العديني

حسن العديني

كاتب صحافي يمني

سنة وتزيد على توقيع اتفاقية في أقصى الأرض، وشهور قليلة على توقيع الثانية في أدناها.كذلك إن نظرنا للجغرافيا من موقعنا في اليمن. ستوكهولم المدينة الباردة والمطوقة بالبحر والغابات، عاصمة البلد الذي لم يقع في لوثة الاستعمار، كما انزلقت إليه بلدان تجاوره في الأراضي المنخفضة (بلجيكا وهولندا). البلد الصناعي الذي أفاد الإنسانية في ضبط الوقت من خلال تقنية صناعة الساعات، والذي قدم للأممية ثاني أمين عام للأمم المتحدة “داج همرشولد”، بعد الدنماركي “تريجفي لي”.

ظهر مارتن غريفيث، المولود في البريقة (عدن)، هذا الذي يبدو صاحب حواس بلا ذاكرة، لأنه لو تذكر أو اشتم رائحة البحر الدافئ في تلك المدينة الجميلة، لاعتذر عن مهمته، خصوصاً وأنه على علم بالقيود التي تطوق عنقه قبل يديه من سلطات بلاده التي تمسك بملف اليمن تحت إبطها .

همرشولد، الذي قضى في حادث سقوط طائرته عندما كان يسعى لإنقاذ السلام في الكونغو، سنة 1961، يكفي السويد في المجال الذي يتزاحم فيه كثيرون لإخماد الحروب في الدنيا الضاجة بكل ما يدعو إلى القتل، رغم شبهات كثيرة حول حيادية وأمانة همرشولد، والظنون بأنه كان منحازاً ضد باتريس لومونبا، متحيزاً مع مصالح بلجيكا والقوى التي تعمل معها في البلد الغني بالألماس. لكنما السويد فشلت هذه المرة  عندما استضافت فرقاء الحرب في اليمن.في موضوع اليمن، لم يكن الأمين العالم للمنظمة الدولية سويدياً، وإنما ينتسب إلى البرتغال؛ الدولة التي لم يطوِ صفحة استعمارها لدول أفريقية، إلا ثورة القرنفل التي قادها ضباط يساريون ضد الدكتاتور العتيد سالازار.

ومع أن “أنطونيو مخاتلا” ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الذي تولى الحكم بزعامة “ماريوس سواريش”، بعد انسحاب الضباط، إلا أن هذا اليساري السابق يبدو أقرب إلى اليمين في مقاربته مع القضايا الساخنة على ظهر المعمورة.لربما هي البراجماتية الصرفة أمام مغريات أعلى وظيفة دولية، تطوي المسافة بين المبدأ والتحيز.

ولست أدري إن كان اتساقاً مع هذا أو افتراقاً أن تلقى الحمولة الثقيلة لما يجري في اليمن، فوق ظهر مارتن غريفيث، المولود في البريقة (عدن)، هذا الذي يبدو صاحب حواس بلا ذاكرة، لأنه لو تذكر أو اشتم رائحة البحر الدافئ في تلك المدينة الجميلة، لاعتذر عن مهمته، خصوصاً وأنه على علم بالقيود التي تطوق عنقه قبل يديه من سلطات بلاده التي تمسك بملف اليمن تحت إبطها، وبقرار غير معلن من الأمم المتحدة.حول موضوع اليمن، يبدو مجلس الأمن على موقف واحد عندما يصدر قرارات واضحة المعنى، ثم لم يلبث أن يلقيها في وجه الغبار والرياح والشمس حتى تهترئ وتذهب إلى عالم  النسيان، حتى لا يكون التمسك بها ممن ظنوها صالحة للاستعمال سوى عرض أسمال بالية تؤذي من يرتديها، وتجلب عليه السخرية. يظهر هذا من التعامل مع القرار 2216 الذي تتشبث به السلطة الشرعية باليمن، ولا تشير إليه الدول الراعية إلا وتسارع إلى إدارة ظهرها دون أن تشير بسبابة الغضب.إن هذا التوافق حيال الشعب اليمني بين الغرب المعربد والشرق المراوغ، يمكن فهمه بدون عناء في التفكير.

لقد أوقع الإمام يحيى غباءه السياسي المفرط، في مصيدة استولى بموجبها سلطان نجد عبدالعزيز، على أراضي السلطنة الإدريسية التي كانت جزءاً من اليمن الطبيعي.غير هذا، لم تحقق الدبلوماسية السعودية سوى الخسارات الفادحة

إن روسيا والصين أقرب إلى مواقف إيران المنخرطة في خلافات مع أمريكا وحلفائها حول بعض القضايا، بعضها حقيقي، وكثير منها مفتعل، والدولتان من هذه الزاوية تضعان أوراقهما الدبلوماسية في جيب خامنئي، وإن لم تكفا عن إرسال ابتسامات لمن تذبحهم سواطيره. وفي مقابلهما تُظهر أمريكا وبريطانيا، وعلى نحو أقل فرنسا، وجهاً صارماً غاضباً على طهران، لكنها جميعها تعمل بوسائل شتى لإبقاء حياة الأدوات التي تستخدمها إيران.وكذلك أخرجوا الاتفاق المراوغ في ستوكهولم، وقبله منعوا بصوت صاخب إكمال تحرير مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة من المليشيات الحوثية. ترتب على هذا ألا تلتزم المليشيات بشيء، وأن تستثمر 14 شهراً حتى اليوم لتحسين مواقعها، ثم تتابع بإصرار إلى أن تجري المفاوضات بترتيبات نحو الحل النهائي مع أطراف داخلية وإقليمية.

إن السويد التي برعت في ضبط الوقت بصناعتها الساعات الدقيقة، وقعت في مطب المطاولة عندما اقتربت من الشأن اليمني، وذلك هو الفارق بين صرامة العلم ومراوغة السياسة .

بل لعلي أقول إن الترتيبات جارية الآن وفواحة بأشياء مشبوهة، مخجلة وضارة باليمن ومستقبله. سأضع جملة اعتراضية وأقول إن السويد التي برعت في ضبط الوقت بصناعتها الساعات الدقيقة، وقعت في مطب المطاولة عندما اقتربت من الشأن اليمني، وذلك هو الفارق بين صرامة العلم ومراوغة السياسة.

.أقول إنه بعد هذا الزمن المتطاول لا يجوز للذين وقعوا في الخديعة، أن يتباكوا على اتفاق كانوا يدركون أن تنفيذه لا يلبي  شروطهم، وأكثر منه أن الطرف الآخر لم يلتزم، ولن يقدم أي تنازل.ذلك عن اتفاق الخديعة في البلاد البعيدة الباردة بين البحر والثلج والغابات، وأما عن الاتفاق في المكان الداني الواقع في قلب الصحراء، حيث يتبادل صقيع الشتاء وقيظ الصيف، وفي القصر الذي يخلو من العراقة، فلم يكن أوفر حظاً.

تاريخ السعوديين لم ينتصروا بالدبلوماسية إلا على ملك جاهل بالسياسة يفتخر أتباعه أنه كان عالماً(!)، والعلم عندهم هو المخزون من الموروث كما دونه السابقون، سكنة الصحراء.

ففي مثل هذا المستحدث والسريع تسلق الأشياء، ولا تطبخ بمهارة. وفي تاريخ السعوديين لم ينتصروا بالدبلوماسية إلا على ملك جاهل بالسياسة يفتخر أتباعه أنه كان عالماً(!)، والعلم عندهم هو المخزون من الموروث كما دونه السابقون، سكنة الصحراء.

ولقد أوقع الإمام يحيى غباءه السياسي المفرط، في مصيدة استولى بموجبها سلطان نجد عبدالعزيز، على أراضي السلطنة الإدريسية التي كانت جزءاً من اليمن الطبيعي.غير هذا، لم تحقق الدبلوماسية السعودية سوى الخسارات الفادحة.وإذن، فهل بقي ظن بأن تنجح الدبلوماسية السعودية في إقرار أمر بالجنوب يضمن بقاءً للشرعية؟ لدي أكثر الشكوك.ليس من زاوية فشل الدبلوماسية، وإنما من رغباتهم. ولست في ظن أو تخمين، وإنما أنا على أكمل اليقين أن عيونهم هناك بالرياض مصوبة على حضرموت وعلى المهرة، حيث قد تقوم بتفاهمات مع مسقط التي دخلت لاعباً خطيراً وذكياً مع إيران، ومع أضدادها.تلك خبرة السياسة البريطانية وخبثها.وغريفيث يشدد على تحييد ملف اليمن عن التصعيد الأخير في المنطقة، كما لو أنه يقول بصوت مسموع إن من اللازم عدم الاقتراب من الحوثي إذا طال اللعب بين الولايات المتحدة وإيران.وكذلك نرى أن جميعهم يسعون إلى تمزيق اليمن. إن عين الحوثي على المملكة المتوكلية اليمنية في حدود سلطات بيت حميد الدين، وعيون الإخوان المسلمين شاردة، بينما القوى الوطنية تاهت وغاصت في الظلام، وربما انزلقت إلى خطايا وضعت اليمن في هذا المهب المخيف.

الأكثر قراءة