المشاهد نت

١١ فبراير .. ثورة واجهت التوريث والإمامة

عبدالعالم بجاش

عبدالعالم بجاش

صحافي يمني

في الشارع اليمني يدور جدل على نطاق واسع بخصوص 11 فبراير.

بين تلاشي الأمنيات المشرقات بوطن لا تحكمه عصابة ولا سلالة ولا مذهب، وبين إعادة تدوير الخيبات، وتذكر المرارات على ذمة الثورة.

لكنها تظل واحدة من أكبر التحركات الشعبية في التاريخ اليمني، ومن أهم الثورات التي فتحت جراحات كانت تتعفن تحت سطح هش.

هناك من يفكرون بأنها جلبت التدخل الإيراني، وآخرون يعتبرونها انكساراً لآخر قلاع الصمود الجمهوري، ممثلة بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لكنهم لا يحسبون حساباً لعملية التوريث المشتركة التي كانت جارية منذ عام 2006، تحديداً بين أسرة صالح والهاشميين.

كانت جميع المراكز الهامة في الجيش والحرس الجمهوري، تسلم تباعاً لقيادات عسكرية يجمعهم مشروع عرقي للهيمنة على البلاد.

في 2007، وعندما ذهب مراسل لقناة عربية في اليمن، للمقيل مع أحمد علي عبدالله صالح، خرج بانطباع؛ حيث وجد جميع من يحيطون به عناصر هاشمية.

هذا ليس خطاباً ينطوي على تمييز على أساس العرق، ولكن جماعة من الناس بنت مشروعها، منذ عقود، على هذا الأساس، وتغلغلت في مفاصل الدولة أكثر مما كان آباؤهم السلاليون متغلغلين أصلاً في مراكز اتخاذ القرار والدوائر المالية منذ ما بعد ثورة الـ26 من سبتمبر 1962، وتحديداً منذ العام 1967.

كان هنالك مشروعان ينسقان لبعضهما، أحدهما مشروع توريث عائلي يمهد لنفسه عبر تقريب مشروع التوريث السلالي الإمامي، وكلاهما وجد في الآخر سلّماً، إلى أن انفض هذا التحالف كما يبدو، وانتهى بمقتل الرئيس السابق صالح، على يد شركائه الحوثيين، وليس بفعل ثورة 11 فبراير، التي يدور حولها جدل كثير في الوقت الراهن.

والواقع أنه رغم ما خالط الثورة الشعبية السلمية من خطايا حزبية وتحيزات، وتداخلت أو تقاطعت فيها ومعها أجندات بعض الأحزاب مع الإرادة العامة والرغبة لصناعة تغيير يعيد لليمنيين جميعاً حقهم في حكم مناطقهم وأقاليمهم، دون مركزية جائرة، ودون نهب جائر للثروة، وتفرّد مذهبي بالسلطة، وإساءة استخدامها، وفي ظل فساد هائل. رغم كل ذلك، فتحت الثورة الباب واسعاً لتغيير حتمي.

تغيير فرض حواراً وطنياً كانت نتيجته الواضحة وثمرته الاتفاق على دولة اتحادية من 6 أقاليم، سرعان ما تآمرت على الاتفاق قوى متعددة في إقليم آزال، وهو المركز الذي استأثر طويلاً بالسلطة والثروة، وأعد العدة لتسليم البلاد إلى ما يسمونه الدولة العميقة؛ حراس المذهب، وهم السلاليون الذين أشعلوا حرباً في البلاد لهدف معلن.

هدف أعلنه الرئيس السابق صالح، وعبدالملك الحوثي، وهو منع قيام دولة اتحادية متعددة الأقاليم، وعرقلة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني من أجل يمن لكل اليمنيين على أساس اتحادي يعيد بناء الشراكة في السلطة والثروة على أسس سليمة.

كان ذلك السبب الداخلي لإشعال الحرب التي سعت لها إيران عبر أداتها المحلية ممثلة بجماعة الحوثي، وهي حرب أعدت لها طهران منذ عقود من داخل محافظة صعدة.

وليس الخطأ في الثورة الشعبية التي نادت بمطالب عادلة ومشروعة، إنما في ممارسات كثير ممن انخرطوا فيها، ومن وجدوا فيها مصدراً للتكسب، ومن اعتبروها فرصة وظيفية ثالثة، واغتنام منصب هنا أو هناك.

ناهيك عمن تم إدراجهم من قبل أجهزة مخابرات دولية، وتم وضعهم ككراس على مسرح مفتوح في الهواء الطلق، كان لايزال شبه خالٍ، ودون قيادة، حتى تمكنت الأحزاب، وخصوصاً الإصلاح، من الاستئثار عنوةً بقيادة الثورة، وادعاء ذلك الدور، وفرضه من خلال الإقصاء.

وليس بمقدور أية إشادة بدور الأحزاب، بخاصة التجمع اليمني للإصلاح، فقد اقترف خطايا لا تغتفر من أجل تجيير الثورة وتقزيمها، حاله حال قادة عسكريين ورموز دينيين آخرين جاؤوا إلى ساحات الثورة، وكان ذلك من حقهم، لكنهم جلبوا معهم مخططاً جاهزاً للسطو عليها. خطايا ساسة وعسكر تدفع البلاد ثمنها حتى يومنا، فيما تبقى الحقيقة قائمة، وهي أنه لا يمكن سرقة ثورة، لأن هناك أوضاعاً تقتضي معالجات، قد تكون الحرب الراهنة طريقاً إليها، رغم جائحة الآراء المتشائمة التي لا ترى ما كنا ماضين نحوه قبل العام 2011.

ولم يكن المآل بالجنة الضائعة، وإنما كان مشروعاً إيرانياً إمامياً اتخذ من توجهات أحمد علي عبدالله صالح، مطية ملائمة، وذهبوا معاً في ترتيبات مشتركة، والكل يعلم دور قادة في المؤتمر الشعبي العام، كالقيادي ياسر العواضي، في تلك الترتيبات.

صورته مع أبو علي الحاكم، تحت الشجرة، لم تكن تعبيراً عن بيعة الشجرة الأولى أو الأخيرة، إنما كانت التقاطة لما اعتبره بعض قادة المؤتمر الشعبي دهاءً وحكمة في الرد على الشعب الذي ثار في 11 فبراير. وقد أثبتت الأيام خطأ حسابات المؤتمر الذي يكاد يتلاشى، وفقد المقدرة على الالتئام من جديد.

الحال لم يكن مبشراً بأفضل مما نحن فيه اليوم، فالإمامة ممثلة بالحوثيين المدعومين من إيران، عملت لسنوات للعودة إلى المشهد، والانقضاض على الجمهورية كلها من أقصى المهرة إلى الصليف وميدي وكامل أرجاء البلاد.

كانت خطة الإمامة مدفوعة بنزعة قديمة لإعادة ابتلاع المجتمع اليمني عبر الانقلاب عليه ونهبه دون رادع. خطة وجدت بيئة لها وفرصة مواتية ضمن مشروع إيراني لابتلاع المنطقة.

والآن، يبقى الوضع اليمني بعد 9 سنين من ثورة 11 فبراير، قابلاً للإصلاح، وأقرب للحل على أساس اتحادي، مما كان متوقعاً أن نصل إليه في ظل تحالف مشروع التوريث الأسري ومشروع التوريث السلالي الإمامي.

على الأقل، لدى اليمنيين في مختلف أقاليم البلاد أمل وأفق وطريق للمضي فيه من أجل دولة تنهي الهيمنة المطلقة على السلطة والثروة من قبل أقلية يريدون تقرير الطريقة التي يجب أن يعيش عليها ملايين اليمنيين، والتحكم بمصيرهم، وإعادة قولبة المجتمع باتجاه ينهي المواطنة، ويلغي أبسط الحقوق، ويحول البلاد إلى مشاريع للسلب والنهب والفيد.

رغم كل الجدل والتشاؤم المفرط، لدى اليمنيين  بالاتجاهات الأربعة ما يكافحون من أجله اليوم، وبوسعهم إحراز تقدم أفضل، على الرغم من أمواج الشك الراهنة، وفقدان اليقين بالمستقبل الذي يسود البلاد.

الأكثر قراءة