المشاهد نت

مآسي التدخل الخارجي في الأزمة اليمنية

عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

إذا كانت اليمن قد عرفت في تاريخها القديم والحديث الكثير من التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، وواجهت قديماً وحديثاً الكثير من الغزوات الاستعمارية والاعتداءات الأجنبية، فإن التدخل الخارجي في الأزمة اليمنية المستمرة منذ العام 2011م، يتميز بكونه متعدد الأطراف، متناقض المصالح والأهداف.
وخلافاً للسياق التاريخي المعروف عن التدخلات الخارجية في اليمن، فرضت التدخلات في الأزمة الراهنة مسارات متناقضة للصراع، واتجاهات مختلفة عن طبيعته المحلية وحدوده الوطنية، فذهبت باليمن أولاً إلى الحروب المتناسلة، وثانياً إلى المأساة المستمرة والمتزايدة بفوضى تفكك التحالفات اليمنية، وتشعب التجاذبات الخارجية.
ومن نافلة القول هنا إن موقع اليمن الاستراتيجي في طرق التجارة العالمية، وتحكمه بأهم ممراتها المائية، يغري قوى المصالح الحيوية في العالم، بالتحكم في هذا الموقع، والحرص على تأمين مصالحها فيه، خصوصاً مع ظهور النفط، وتزايد أهميته في أسواق الطاقة العالمية، إلا أن التدخل الخارجي المتزايد منذ العام 2011م، هو الأسوأ، نظراً لتأثيراته السلبية على طبيعة الصراع المحلي ومساراته السياسية والعسكرية. ومن أهم هذه التأثيرات السلبية، ما يلي:
أولا – تعمل التدخلات الخارجية في الأزمة اليمنية على تغذية بؤر الصراعات الداخلية، وتوفير عوامل استمرارها وتجددها من خلال ضخامة الدعم الخارجي لقوى الصراع المحلي بالمال والسلاح والإعلام، ومساعدتها على التصلب السياسي، وتكوين التشكيلات المسلحة، والمساهمة في تغييب الدولة اليمنية وخلق الكيانات الموازية لها والمعادية لسلطتها.
ثانيا- تمزيق الوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي من خلال دعم الجماعات الطائفية وإذكاء النعرات المناطقية وتقوية النزعات الانفصالية وخلق الثأرات وإحياء وتوسيع امتداداتها التاريخية مناطقياً وقبلياً، وزيادة مساحة وحجم الارتهان للقوى الخارجية وتجاذباتها الإقليمية والدولية.

ما يزيد من مخاطر التدخلات الخارجية الراهنة في اليمن، غياب الوطنية اليمنية عن المجال السياسي، وتحول كل قوى العمل السياسي في الدولة والمجتمع إلى أدوات أو وكلاء للقوى الخارجية، وهو ما يجعل الصراع فاقداً الأفق السياسي الذي يحدد لأطراف الصراع حجم المصالح والمخاطر المترتبة على استمرار الحروب أو على التسويات السياسية.


ثالثا- تحويل اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وانتهاج العنف وسيلة لإدارة ملفات هذه السياسة للدول التي تعمل على تصفية حساباتها بأدوات يمنية، والمساهمة في زيادة فجوة الخلافات بين الأطراف اليمنية المتصارعة من خلال أدلجة الصراع بالطائفية والمناطقية، والحرص على إبقاء جميع الأطراف في حالة عجز عن الحسم العسكري، والابتعاد بها بكل الوسائل عن متاح الحلول السياسية.
ومما يزيد من مخاطر التدخلات الخارجية الراهنة في اليمن، غياب الوطنية اليمنية عن المجال السياسي، وتحول كل قوى العمل السياسي في الدولة والمجتمع إلى أدوات أو وكلاء للقوى الخارجية، وهو ما يجعل الصراع فاقداً الأفق السياسي الذي يحدد لأطراف الصراع حجم المصالح والمخاطر المترتبة على استمرار الحروب أو على التسويات السياسية.
إن الارتهان الكلي للنخب اليمنية للخارج، يضاعف من مأساوية التدخل الخارجي في الأزمة الراهنة، وهي حالة غير مسبوقة، ولا حتى معهودة في تاريخ اليمن السياسي الحديث، حيث كان التدخل الخارجي يأتي غالباً دعماً وإسناداً لمشاريع محلية وأولويات وطنية، ولذلك كان يتسم بالمحدودية المكانية، وإلى حد ما الزمنية، غير أن الوضع الراهن يشير بكل معطياته إلى تحول أطراف الصراع المحلي إلى وكلاء للخارج، وبغير ما رؤية سياسية للأولويات الوطنية.
وحتى نقترب من رؤية التأثير المدمر للتدخل الخارجي في الأزمة اليمنية الراهنة، سنحاول رسم خريطة تقريبية

إن الارتهان الكلي للنخب اليمنية للخارج، يضاعف من مأساوية التدخل الخارجي في الأزمة الراهنة، وهي حالة غير مسبوقة، ولا حتى معهودة في تاريخ اليمن السياسي الحديث، حيث كان التدخل الخارجي يأتي غالباً دعماً وإسناداً لمشاريع محلية وأولويات وطنية، ولذلك كان يتسم بالمحدودية المكانية، وإلى حد ما الزمنية .

توضح أطرافه، وتبين حجم تناقضاتها، وتعرفنا على تشعب تجاذباتها ودورها فى تعقيد مسارات الأزمة اليمنية.
فالسعودية، وهي أكبر اللاعبين في الساحة اليمنية، تعمل وفق أولويات ليس بينها القضايا الوطنية، فهي تعمل على تأمين حدودها، وتسعى إلى مواجهة إيران خارج حدود المملكة، وتسعى إلى أن تجد لها منفذاً في الشواطئ اليمنية على بحر العرب، ولذلك تعمل على استمالة القبائل وشراء ولاءاتها، وعلى تقوية الطائفية لمواجهة التمدد الشيعي لإيران، ومواجهة التحالف القطري التركي، وتدير الأزمة اليمنية بغموض تام في موقفها من حزب الإصلاح (إخوان اليمن) ومن شريكتها في تحالف دعم الشرعية: الإمارات العربية المتحدة.

تعمل الإمارات مع السعودية، في مواجهة الأطماع الإيرانية، ودعم الحكومة اليمنية، من خلال التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، إلا أن للإمارات أطماعاً في الشواطئ والجزر اليمنية، وبخاصة جزيرة سقطرى، حيث تسعى الإمارات إلى إيجاد بدائل لأسواق دبي وجبل علي، وتأمين حركة الملاحة في البحار والمضايق اليمنية.


من جهتها، تسعى إيران إلى تشكيل قوة مؤثرة في خاصرة السعودية الجنوبية، من خلال تحالفها مع الحوثيين، وتعمل على تحويلهم إلى جماعة طائفية مسلحة موالية للنظام الإيراني، من خلال دعمهم مالياً وعسكرياً وإعلامياً، واستخدامهم في خدمة أطماعها في المنطقة العربية، وصراعاتها على النفوذ والمصالح مع القوى الإقليمية والدولية.
وبينما تعمل الإمارات مع السعودية، في مواجهة الأطماع الإيرانية، ودعم الحكومة اليمنية، من خلال التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، إلا أن للإمارات أطماعاً في الشواطئ والجزر اليمنية، وبخاصة جزيرة سقطرى، حيث تسعى الإمارات إلى إيجاد بدائل لأسواق دبي وجبل علي، وتأمين حركة الملاحة في البحار والمضايق اليمنية، لذلك شكلت قوة حليفة لها من الانفصاليين الجنوبيين ومن السلفيين وأتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو ما أضعف تحالف الحكومة “الشرعية” بالصراع المستمر بين هذه القوى والقوات الموالية لحزب الإصلاح والرئيس هادي، وتكاد الإمارات الآن أن تدخل في صراع مباشر مع السعودية، على خلفية الخلاف حول تنفيذ اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية.
ومع أن سلطنة عمان بقيت محايدة في الأزمة اليمنية، إلا أن أطماع الإمارات في الشواطئ والجزر اليمنية، وتدخل السعودية على حدودها الغربية مع المهرة اليمنية، دفعت بعمان إلى تعزيز تحالفات خارجية لمواجهة كل من السعودية والإمارات، حيث عملت مع إيران على مساعدة الحوثيين، وتنسق مع التحالف القطري التركي لمواجهة الدولتين على الساحة اليمنية.
وتحاول قطر، بالتحالف مع تركيا، تصفية حساباتها مع كل من السعودية والإمارات، في اليمن، من خلال التنسيق مع عمان وإيران، في سياسة دعم مالي وإعلامي مزدوج لكل من الحوثيين وحزب الإصلاح (أكبر مكونات تحالف الحكومة الشرعية)، لمواجهة الأذرع الإماراتية المكونة من قوات المجلس الانتقالي في الجنوب والسلفيين في تعز وقوات طارق عفاش في الساحل الغربي.

تكمل الوصاية الأممية حلقات التدخل الخارجي في الأزمة اليمنية، وفق سياسة رعاية ومراعاة مصالح الدول المؤثرة في الساحة اليمنية، إذ تحرص إدارة الأمم المتحدة للأزمة على مراعاة التجاذبات الإقليمية والدولية بصورة تحول بين اليمنيين وبين الاقتراب من نهاية المأساة المتزايدة بأي شكل من الأشكال.


بينما تعمل كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، على استدراج إيران في اليمن، لخلق محيط معادٍ لها في المنطقه العربية، وتعملان بوسائل غير مباشرة على استمرار الحوثيين فزاعة لتهديد السعودية والخليج، لإبقاء السيطرة الأمريكية على النفط وممراته، واستمرار استنزاف الخزائن النفطية بصفقات الأسلحة وتمويل التواجد العسكري وعمليات الحرب على الإرهاب.
وتكمل الوصاية الأممية حلقات التدخل الخارجي في الأزمة اليمنية، وفق سياسة رعاية ومراعاة مصالح الدول المؤثرة في الساحة اليمنية، إذ تحرص إدارة الأمم المتحدة للأزمة على مراعاة التجاذبات الإقليمية والدولية بصورة تحول بين اليمنيين وبين الاقتراب من نهاية المأساة المتزايدة بأي شكل من الأشكال.
وهكذا تتزيد مآسي التدخل الخارجي في الأزمة اليمنية، بسبب تعدد قوى التدخل، وتنافر أطماعها في هذا المجال الحيوي بممرات الطاقة والتجارة الدولية، وهو ما يعمل على استمرار الصراع العنيف، واتساع مساحته، وزيادة حدته في المسارات السياسية والاجتماعية، وتعقيدات هذه المسارات على الصعيد العسكري، وتأثيراتها المأساوية على الصعيدين: الاقتصادي والمعيشي لملايين اليمنيين.
وإجمالاً، فإن التدخل الخارجي المشحون بأطماع إقليمية ودولية، لا يتوقف تأثيره على توليد الصراعات العنيفة، وإنما يمتد إلى تمزيق النسيج المجتمعي طائفياً ومناطقياً، ويعمل بقوة على إطالة أمد الحروب في ظل سيطرة مستمرة على القرار من نخب يمنية مرتهنة بالكامل للخارج، ومسلوبة الإرادة السياسية في مواجهة أطماعه المتزايدة.

الأكثر قراءة