المشاهد نت

كورونا اليمني غير

د .سامية عبدالمجيد الأغبري

د .سامية عبدالمجيد الأغبري

أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام - جامعة صنعاء

منذ أن بدأ فيروس كورونا يغزو العالم، بدءاً بالدول المتقدمة كالصين وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا… ومروراً بإيران وتركيا، وبقية دول العالم والدول العربية، جاءت تقارير منظمة الصحة العالمية لتضع اليمن كالعادة في ذيل القائمة، ولكنها الآن في وضع أفضل، رغم أنها في الذيل، حيث كانت المفاجأة المطمئنة أممياً أن الفيروس لم يصل إلى يمننا الحبيب.
وكعادة اليمنيين -من شدة معاناتهم- يطلقون النكات، ويسخرون من المأساة، فتتحول ملهاة! فمنهم من يقول: لا يجمع الله بين عسرين، وآخرون يعلقون بالقول: إحنا ميتين أصلاً، لن يجد الفيروس معنا شيئاً، وترى غالبية المواطنين حياتهم ماشية طبيعياً، ولا يفكرون إلا بالراتب متى سيفرج عنه من البنك، أو كيف يوفرون قيمة الإيجار، أو من سيرسل لهم مساعدات من أهاليهم من خارج اليمن، وكيف يستقبلون رمضان، وما شابه ذلك.
والغريب أنك قد تجد بعض اليمنيين، وهم قلة بالطبع، من النوع الملتزم بالتعليمات الخاصة بالوقاية من المرض لدرجة الوسوسة. ومن الحكايات المضحكة أن أحد الموظفين ذهب إلى مديره يطالب بمستحقاته، فعطس الموظف بقوة، مما جعل المدير يتراجع إلى الخلف، وكاد أن يصطدم بمكتبه قائلاً للموظف بذعر: أيش فيك؟ فرد عليه عندي زكام وصداع وحمى، فقال له المدير: طيب خلاص، خذ إجازة، ولما تشفى ارجع، فانتهز الموظف الفرصة الثمينة، وقال له: تمام اصرف لي مستحقاتي، وقدم له ورقة بذلك، لكن المدير رفض التوقيع على الورقة، ولم يمسسها، نظر إليها بخوف وأمسك تلفونه، واتصل بأمين الصندوق، وأوصاه بصرف مستحقات الموظف، فتحرك الموظف مزهواً، ولسان حاله يقول: ما يقدر لك إلا الكورونا يا بخيل، وكأنك بتصرف لي من جيبك!

لا توجد معلومات مؤكدة من جهات مسؤولة تؤكد أو تنفي وجود حالات مصابة بفيروس كورونا، مع أننا كنا السباقين في كثير من الأمراض الوبائية التي لم تغادرنا بعد، كالملاريا، والكوليرا، والتيفوئيد، وحمى الضنك، وإنفلونزا الخنازير، والمكرفس، وغيرها من الأمراض التي أصبحت مستوطنة فينا، وأصبحنا متعايشين معها!


والأسوأ في الأمر أنه لا توجد معلومات مؤكدة من جهات مسؤولة تؤكد أو تنفي وجود حالات مصابة بفيروس كورونا، مع أننا كنا السباقين في كثير من الأمراض الوبائية التي لم تغادرنا بعد، كالملاريا، والكوليرا، والتيفوئيد، وحمى الضنك، وإنفلونزا الخنازير، والمكرفس، وغيرها من الأمراض التي أصبحت مستوطنة فينا، وأصبحنا متعايشين معها!
ففي بداية ظهور المرض في الدول المجاورة لنا، وفي إيران، بدأ طرفا الحرب والصراع في اليمن يتبادلون الاتهامات، وكل طرف يلقي باللوم على الآخر، وأنه من ينشر المرض لأسباب سياسية وعسكرية، جماعة الحوثي في صنعاء تتهم الحكومة الشرعية والتحالف بأنهم من أدخلوا الفيروس عن طريق استمرار الرحلات إلى مطاري عدن وسيئون، من مصر والأردن والهند، وأيضاً من المنافذ البرية مع السعودية وعمان، وفي المقابل فإن الشرعية والتحالف يتهمان أنصار الله بأنهم نقلوا مقاتليهم من اليمنيين من إيران عبر طائرة الأمم المتحدة إلى مطار صنعاء سراً، وأنهم مصابون بكورونا، وأن أنصار الله يخفون الأمر.
وانتشرت الشائعات والمواطنين بين مصدق ومكذب ومتخوف، وغير مبالٍ، ولكن حكومتي صنعاء وعدن بدأتا تطبقان إجراءات احترازية وقائية على استحياء، فأوقف التعليم بكل مراحله في كافة القطاعات، على أن يستعاض بتعليم عن بعد (إلكتروني)، دون أن يكون هناك تأهيل لذلك النوع من التعليم، علاوة على ضعف الإنترنت، وتكاليفه الباهظة على الأساتذة والطلاب. كما أوقفت الكثير من الأعمال التي تعاني ازدحاماً، وأغلقت منافذ المدن، وتعطلت مصالح الناس.
وأصبح شعار “خليك في البيت”، عبر كافة وسائل الإعلام، وعبر التلفون المحمول، وتلفون المنزل… ولكن كيف يبقى المواطن في البيت دون أن تتوفر له أبسط إمكانيات الحياة المعيشية؟!
فقد اختفت فجأة الكمامات والقفازات من الصيدليات، والمعقمات، وارتفعت أسعار مواد التنظيف بالذات، وأغلقت صالات الأفراح والحدائق والمنتزهات، ولكن أسواق القات رغم محاولة إغلاقها، إلا أنها خط أحمر، يمكن أن تقوم ثورة لو تم منعه!

إن كورونا اليمني غير، فهو من نوع خاص، إنه يقتلنا يومياً، دون سابق إنذار، فما يحدث من كوارث الأمطار والسيول، وحوادث الطرقات، وخصوصاً طرق السفر الطويلة، أكثر من كورونا المستورد.


إن كورونا اليمني غير، فهو من نوع خاص، إنه يقتلنا يومياً، دون سابق إنذار، فما يحدث من كوارث الأمطار والسيول، وحوادث الطرقات، وخصوصاً طرق السفر الطويلة، أكثر من كورونا المستورد.
فرغم كل ما تقوم به الجهات المعنية من توعية بالمرض، وتنبيه من خطورته، لكن الحياة تسير بشكل طبيعي، كأن شيئاً لم يكن، فالمواطنون من شدة معاناتهم من أمور لا حصر لها في معيشتهم، ومجالات عملهم، وما يحيط بهم من تلوث بيئي قاتل… أصيبوا بحالة من اللامبالاة المفرطة.
ففي باصات الأجرة الصغيرة والحافلات مازال السائقون يحشرون الركاب مع بعضهم البعض، فالكراسي التي تتسع لـ4 ركاب متلاصقين، يجلس فيها 5 ركاب، والناس لا تعترض، ولا تعقيم ولا يحزنون.. بعض السوبر ماركت الكبيرة فقط تهتم بالتعقيم وإجراءات السلامة، ولكن أغلبها لا تلتزم.
فعند القيام بالعزاء مثلاً، وما أكثر حالات العزاء، تجد الزحام شديداً، ولا أحد منهم مبالياً، فعلى سبيل المثال ذهبت إحدى زميلاتي، وهي دكتورة في جامعة صنعاء، لعزاء قريبة لها، وقامت بإجراءات احترازية كلبس الكمامة، وقفازات اليدين، وأخذت في حقيبتها المعقم، ودخلت للعزاء، فوجدت النساء يملأن أكثر من غرفة، ومتلاصقات، ولا يلبسن أي عوازل، بل يسلمن على بعضهن البعض على الطريقة اليمنية التقليدية عن طريق القبلات والضم وتقبيل اليدين و…، سلمت زميلتي على قريبتها المكلومة فقط بأطراف الأصابع، وقالت للبقية “السلام تحية”، وأخذت ركناً قصياً، فكانت النظرات مركزة عليها كأنها ارتكبت جرماً، كانت نظرات استنكارية، كأنها خرجت عن الملة.
ومازال الأطفال في حارات كثيرة يلعبون مع بعضهم إما في البيوت أو في الشوارع، دون أي إجراءات احترازية. الغالبية العظمى من المواطنين غير ملتزمين، ليس بسبب عدم الوعي بخطورة المرض فحسب، ولكن لعدم توفر أية إمكانيات تساعدهم على البقاء في البيت.

لم يستوعب اليمنيون خطورة كورونا، فمازالت حياتهم بشكل عام شبه طبيعية، ولم يلتزم معظمهم لعدم الوعي، وعدم الإلزام من قبل الجهات المعنية، وعدم توفر الإمكانيات التي تساعدهم على الالتزام والبقاء بالبيت، خصوصاً والكثير منهم يعمل بالأجر اليومي.


لذلك كورونا اليمني غير، لا احد يشبهه، فمازال اليمنيون يتعاطون القات في جلساتهم معاً دون أي إجراءات احترازية حقيقية، سواء النساء أو الرجال. فنحن اليمنيين عايشون بالبركة، لا نبالي، فلسان حالنا يقول دائماً أصلاً إحنا مش عايشين مثل خلق الله، وليش عاد نخاف من كورونا أو الموت؟ ما تفرق!
فحتى اليوم لم يستوعب اليمنيون خطورة كورونا، فمازالت حياتهم بشكل عام شبه طبيعية، ولم يلتزم معظمهم لعدم الوعي، وعدم الإلزام من قبل الجهات المعنية، وعدم توفر الإمكانيات التي تساعدهم على الالتزام والبقاء بالبيت، خصوصاً والكثير منهم يعمل بالأجر اليومي، ومن كان يعمل أضحى عاطلاً وانضم للعاطلين الذين يبحثون عن عمل، علاوة على وضع النازحين من مناطق مختلفة.
وأعتقد عندما تتوفر الشفافية من قبل الجهات المسؤولة من طرفي الصراع، ويتأكد الناس فعلاً أن كورونا يهددهم، وأن هناك حالات تم حجزها و مشتبهاً فيها، ربما يلتزمون ولو بالحد الأدنى.

الأكثر قراءة