المشاهد نت

عن أوهام الحرب وشروط السلام في اليمن

عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

كاتب صحافي

تتباعد المسافات، مع استمرار الحرب، بين اليمنيين وبين السلام الذي ينشدونه خلاصاً لحاضرهم ومستقبلهم، واستعادة لحياتهم التي كانت منتظمة في إطار دولة قابلة للتطور والانتقال من ديمقراطية ناشئة إلى ديمقراطية ثابتة.
لقد تغيرت طبيعة الحرب التي اندلعت في 2015م، وانحرفت عن مسارها الذي كان محصوراً بين شرعية التوافق الوطني المدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية، وتمرد انقلابي حوثي تدعمه إيران، إذ تولدت في مسارات الحرب قوى مبعثرة على الجغرافيا تبتعد عن مسعى استعادة الدولة ومتطلبات الخروج من الحرب إلى سلام ممكن ومتاح.
ولعل 5 سنوات من الحرب المدمرة في اليمن، تكفي لإثارة الأسئلة عن متاحات السلام وشروطه، وآليات الانفتاح على الحوار حول سبل وقف الحروب والبدء بمفاوضات جادة تفضي إلى نتائج قابلة للتحقق في الواقع الحياتي للشعب اليمني كله، وبما يمكنه من استعادة مقومات وجوده السياسي في نظام عام ومؤسسات دولة وطنية.
كشفت لنا سنوات الحرب فظاعة المآسي التي صنعها غرور القوة المسلحة وغياب الأفق السياسي لدى الأطراف المتقاتلة، والتي يجب عليها الآن أن تتحمل مسؤولية إخراج الشعب اليمني من دوامة العنف وفظاعة مآسيه، والبحث عن حلول سياسية متاحة للجميع، وقابلة للتطبيق، ابتداءً من تخلي أطراف الحرب جميعاً عن الأوهام القاتلة، والتحرك بإيجابية مع مقتضيات الشروط الموضوعية للسلام الممكن والمتاح في اليمن.

5 سنوات من الحرب المدمرة في اليمن، تكفي لإثارة الأسئلة عن متاحات السلام وشروطه، وآليات الانفتاح على الحوار حول سبل وقف الحروب والبدء بمفاوضات جادة تفضي إلى نتائج قابلة للتحقق في الواقع الحياتي للشعب اليمني كله، وبما يمكنه من استعادة مقومات وجوده السياسي في نظام عام ومؤسسات دولة وطنية.


تستمر الحرب بناءً على جملة أوهام مهيمنة على تفكير الأطراف المتصارعة، وتنغلق بها على الآفاق السياسية التي سوف تنقذها من جحيم الاحتراب إن هي استطاعت التخلي عن أوهام الحرب، وتمكنت من الاستجابة لمطالب الشعب وشروط التسويات السياسية.
أول هذه الأوهام، الوهم المركب من وهم القوة التي ذهبت بأطراف الصراع بعيداً عن المقاربات السياسية لإدارة الأزمات الناجمة عن صراعات المصالح والنفوذ، ومن وهم الغلبة الذي ذهب بالحرب بعيداً عن سياقاتها السياسية حين تخيلت كل الأطراف أن بمقدورها الوصول بالحرب إلى الحسم المستحيل والانفراد بالمجالين السياسي والاجتماعي، بعيداً عن حقائق الشراكة الوطنية والمشاركة السياسية في القرار والإدارة.
ثاني هذه الأوهام وأخطرها، الوهم المركب من وهم ارتهان أطراف الحرب للخارج، والذي ذهب بها بعيداً عن أولويات المصلحة الوطنية، ومن وهم الانتفاع المالي الذي ذهب بالوصاية الأممية إلى إدارة الأزمة اليمنية بعيداً عن مقتضيات الواقع، والوقوع في متاهات إرضاء التجاذبات الخارجية على حساب مصالح الشعب اليمني وحقه في الحياة بأمن وسلام.
هذه الأوهام ذهبت بالفاعلين على الساحة اليمنية بعيداً عن أسس الصراع السياسي، وعن المقتضيات الإنسانية للحرب وما خلفته من ويلات وكوارث تضيِّق كل يوم على الشعب اليمني فسحة الأمل باستعادة حياته الطبيعية، والتحرك ضمن مؤسسات تستقيم بها ومعها مقومات الحياة الكريمة، بعيداً عن عواصف الصراع المسلح وويلات الارتهان المحلي لتجاذبات القوى الخارجية إقليمياً ودولياً.
فإذا تخلصت أطراف الحرب من هذه الأوهام وما ترتب عليها في الواقع، فإنها معنية بالاستجابة لشروط السلام التي يتحدد الآن أولها وأهمها بإعادة بناء الحكومة اليمنية على النسق الذي قام عليه تحالفها لحظة اندلاع الحرب، وتمثل بالتوافق السياسي بين أحزاب اللقاء المشترك وغيرها، وبين الرئاسة الانتقالية لعبد ربه منصور هادي، على مرجعيات إعادة بناء الدولة اليمنية، وفي مقدمة هذه المرجعيات مخرجات الحوار الوطني الشامل، حيث تصدعت هذه الشرعية من الداخل والخارج بالتشكيلات العسكرية والأهواء السياسية المناقضة تماماً لمعادلة الشرعية المتوافق عليها وعلى مرجعياتها.
إن الواقعية العسكرية قبل السياسية تدفعنا إلى القول إن المواجهات العسكرية لم تعد محددة في المعادلة السياسية التي ابتدأت بها بين الحكومة قائمة وسطوة مسلحة للقوة الحوثية، فعلى الأرض تتحرك جبهة الحكومة بأذرع متصادمة ضمن تكتلات ثلاثة موزعة بوضوح بين قوات المجلس الانتقالي، وقوات حزب الإصلاح، وقوات طارق صالح، والمشترك العام بين هذه التكتلات هو مواجهة الحوثيين من جهة، ومن جهة أخرى غياب الرئاسة التوافقية لحركتها على الأرض واتجاه الخارج، وإن بقي الأساس الذي تتميز به جميعاً في عنوان واضح ومحدد باستعادة الدولة الوطنية لكل اليمنيين.
هذه التكتلات الثلاثة معنية ابتداء بالتوافق على مفهوم الدولة وآليات استعادتها وإعادة بنائها وتحديد وجودها المؤسسي والوظيفي ضمن أسس ثلاثة هي: الجمهورية والوحدة والديمقراطية، وبما يعني تنازل المجلس الانتقالي عن وهم الانفصال، وتنازل حزب الإصلاح عن وهم الاستحواذ، وعودة الحكومة إلى السلطات الانتقالية للرئيس عبد ربه منصور هادي كمحور لحركة الوطنية اليمنية في مواجهة الطائفية الحوثية المسلحة، ومسعى استعادة الدولة وإعادة بنائها على أساس اتحادي جديد.
بهذا يتحقق الشرط الموضوعي الأهم للتحرك نحو السلام الممكن والمنشود في اليمن، حيث تتجسد الدولة الوطنية ابتداء في أطر مؤسسية وإرادة سياسية متحركة بهذا الواقع في مواجهة سطو العصابات المسلحة الحوثية على الدولة والمجتمع من جهة، ومن جهة أخرى في مجال إدارة العلاقات الخارجية ضمن مقتضيات المصلحة الوطنية وسياقات علاقاتها الخارجية بدول الإقليم والعالم كله.

إن الخروج من أوهام الحرب، والاستجابة للشروط الموضوعية للسلام، تضع قوى الصراع الدامي في سياق المعادلة السياسية للدولة الوطنية وصياغاتها الجديدة المحتفظة بالجمهورية هوية والديمقراطية نظاماً، والمتجددة بالصياغات الوحدوية التي يقرها التوافق الوطني على مسمى الجمهورية اليمنية


غير أن هذا الشرط يكتمل ويتكامل مع ضرورات الوضوح في الوصاية الخارجية على الأزمة اليمنية، ابتداء من تحالف دعم الحكومة الذي يتوجب عليه رفع اليد عن أي تشكيل سياسي أو عسكري خارج سياقات الأطر الشرعية الممثلة للدولة في اليمن، وانتهاء بتغيير أسلوب الإدارة الأممية للأزمة اليمنية، والابتعاد عن إرضاء الخارج وتجاذباته ومصالحه بعيداً عن أولويات المصلحة اليمنية واستحقاقات الصراع السياسي بين القوى الوطنية، حيث يتوجب على المبعوث الأممي إلى اليمن صياغة المعادلة السياسية للصراع في اليمن، ضمن مرجعياتها الحكومة، وبعيداً عن معادلات الوكلاء المحليين للتجاذبات المستعرة في الإقليم والعالم.
إن الخروج من أوهام الحرب، والاستجابة للشروط الموضوعية للسلام، تضع قوى الصراع الدامي في سياق المعادلة السياسية للدولة الوطنية وصياغاتها الجديدة المحتفظة بالجمهورية هوية والديمقراطية نظاماً، والمتجددة بالصياغات الوحدوية التي يقرها التوافق الوطني على مسمى الجمهورية اليمنية؛ أقول إن هذه هي الخطوات الكفيلة بصياغة معادلات المواجهة على طبيعتها التي قامت بها في الواقع بين دولة وطنية وعصابات طائفية مسلحة متمردة على شرعية التوافق الوطني ومرتهنة لتجاذبات الخارج.

الأكثر قراءة