المشاهد نت

12 يوماً في بلد أوروبي يفتقر للشمس كما يفتقد اليمن السلام

عبدالعالم بجاش

عبدالعالم بجاش

كاتب صحافي يمني

نظرت ربا، وهي حسناء ممشوقة القوام، تدير منصتي 30 على الشبكة الإلكترونية، نحو شمس باهتة في أفق مدينة أوبسالا، وقالت مازحة: ربما يفكرون بوضع شمس صناعية في سماء البلدة، تعوض السكان إحساساً بوجودها على الأقل.
في مثل هذا الوقت من العام، ديسمبر ، تتحول أوبسالا ثلجية بلا شمس ودون طقس صحو.
في تلك المدينة الباردة، الواقعة شمال مملكة السويد، كانت الثلوج تتساقط بخفة في ديسمبر عام 2018، وكانت الأجواء أقرب إلى الغسق في الصباح، وبدءاً من ساعة مبكرة بعد الظهر.
“سمعت أنهم في المناسبات الهامة في بعض مدن السويد
يستخدمون مادة تزيل الغيوم” قالت ربا.
إن التواجد على أراضي امبراطورية أوروبية سالفة صارت من أكثر الدول تقدماً ورفاهية كالسويد، يمنحك شعوراً بالزهو لعظمة الهبات التي وهبتها الطبيعة لبلد عريق مشمس، مغبر ومفقر كاليمن، يعاني فقط بسبب تمرد عنصري طائفي يتكرر خلال الألف سنة الماضية، وهي أزمة تاريخية لا تفهم حكومات أوروبية، ومنها الحكومة السويدية، طبيعتها بجلاء.
إن طبيعة الصراع التاريخي في اليمن، يجعل فرص الحل نادرة، كندرة سطوع الشمس في أوبسالا، خلال ديسمبر.
كما أن إصرار المجتمع الدولي على تشجيع العنصرية في اليمن وأفعالها تحت مسمى الأقليات، قد ساعد المتمردين على مزيد من التوحش والتعنت.. ولم تكن جولة مفاوضات السويد نهاية عام 2018، سوى عملية إنقاذ للانقلاب الحوثي من خسارة الحديدة، وكان استكمال تحرير مدينة وميناء الحديدة من قبل الحكومة الشرعية وتحالف دعم الشرعية، بمثابة ضربة قاضية للانقلاب.
لقد اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً برقم 2216، يقضي بإنهاء انقلاب الحوثيين في اليمن، لكنه لم يقرر أي تدابير تنفيذية جادة رغم مقدرة المجتمع الدولي على ذلك.
هذا التناقض بين القول والفعل الدوليين، يجعل الأمر شبيهاً عندما ترى أشعة الشمس ساطعة، وتهرول نحو جسر في العاصمة ستوكهولم على نهر، كي تنعم بقليل من الدفء، ثم تكتشف أن الشمس هناك ترسل أشعة باردة.
تشعر أنك تعرضت لخداع، من يومها كل من سألني: لماذا لم تبقَ هناك وتأخذ لجوءاً؟ أجبته:
إن سماءهم بلاستيكية لا حركة فيها، وإن شمسهم مزيفة، وترسل أشعة باردة، وإن ذاك ثالث بلد تكتشف فيه أن سماء بلادك وشمسها وبحرها أجمل.

على أرض أوبسالا التي يكسوها الجليد في مثل ذاك الوقت من ديسمبر، تشرق الشمس بمعدل ساعة ودقائق فقط يومياً، بمتوسط 33 ساعة خلال الشهر.


على أرض أوبسالا التي يكسوها الجليد في مثل ذاك الوقت من ديسمبر، تشرق الشمس بمعدل ساعة ودقائق فقط يومياً، بمتوسط 33 ساعة خلال الشهر.
كانت المرة الأولى التي أرى فيها بلداً كل شيء فيه تقريباً يتحرك مثل عقارب الساعة.
الواقع أن السويد تشهد واحداً من أرقى الأنماط الحياتية المتحضرة، إلى درجة أن إحساساً غمرني كما لو رأيت أول مجتمع للإنسان الآلي.
بالنسبة لصحفي يأتي من بلد يعتصر الماضي الدامي حاضره، ويهدد مستقبله، تشعر بقلق تجاه الآثار الجانبية المحتملة للتقدم العلمي على الإنسانية.
في ستوكهولم وأوبسالا ومحافظات السويد البالغ عددها 21 محافظة، لم يعد التمرد ولا المجاعة تخيف الناس، وتدفعهم للهجرة نحو الولايات المتحدة بمعدل 1% سنوياً، كما حدث خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر هناك.
التمرد هناك قاده غوستاف الأول ضد ملك الدنمارك كريستيان الثاني، زعيم اتحاد كالمار، المسيطر على معظم السويد آنذاك.
وغوستاف الأول هو أول ملوك آل فاسا، أسرة ذات نفوذ ظلت العائلة المالكة في السويد أغلب القرنين السادس عشر والسابع عشر.
وبعد تمرده انتخب غوستاف، عام 1521، وصياً وملكاً للسويد.
في اليمن يتهم المتمردون الحوثيون بتنفيذ انقلاب وفقاً لمخطط إيراني يستهدف المنطقة. والحوثيون لا ينكرون صلتهم الوثيقة بإيران، وأنهم جزء من محور المقاومة في المنطقة.
أخفق اتفاق السويد كلياً في تحقيق أي تقدم، وعزز من فرصة الانقلابيين الحوثيين في إعادة ترتيب صفوفهم.
في بلاد السويدي ألفريد نوبل، مخترع الديناميت، مدن لا ترى الشمس، وأخرى تعاني شمس منتصف الليل. وهي آخر دول أوروبا التي زال عنها الجليد، وفيها 100 ألف بحيرة.. وفي عاصمتها لا تتوفر دورات مياه بكثرة بالنسبة للعابرين، حتى إنك قد تذهب نحو مبنى في ستوكهولم ظناً أنك ستجد دورة مياه، وتكتشف أن المبنى وزارة الخارجية.
كنا فريقاً من الصحفيين اليمنيين، وقد أكملنا جولة تسوق، وكان علينا المرور بمقر الخارجية للحصول على بطاقات حضور المفاوضات، بهدف تغطيتها.

وقفنا عند ركن أحد المباني، بانتظار باقي الفريق، وكنت بحاجة للدخول إلى دورة مياه، ولم أكن أعرف أن الباب الذي قصدته بحثاً عن دورة مياه، هو باب وزارة الخارجية في السويد. كان عادياً ومشرعاً في شارع جانبي، وليس حوله جيش من الحراس، ولا سواتر.


وقفنا عند ركن أحد المباني، بانتظار باقي الفريق، وكنت بحاجة للدخول إلى دورة مياه، ولم أكن أعرف أن الباب الذي قصدته بحثاً عن دورة مياه، هو باب وزارة الخارجية في السويد. كان عادياً ومشرعاً في شارع جانبي، وليس حوله جيش من الحراس، ولا سواتر.
إن السلام في السويد لم يعد يشغل بال أحد من الساسة أو السكان هناك، منذ أكثر من 200 سنة، ولا أحد يبحث عنه. كما أن السويديين هم الأطول عمراً على مستوى أوروبا، بسبب الرفاهية.
لقد خرجت بسلام من زمن الطاعون والموت الأسود، وباتت من أبرز الدول الناشطة في مجال السلام للبلدان المحرومة منه، التي تشهد حروباً ونزاعات، لكن السويد ودول أوروبا عامة لا تنظر لجماعة الحوثيين بعيون غالبية الشعب اليمني الذين يرون هذه الجماعة كالموت الأسود، لكثرة نشرها للموت، وتسببها بوفاة عشرات الآلاف، وبالتالي لا تدرك تلك الدول حقيقة المعاناة في اليمن، وهو بلد يرفض الغالبية فيه عودة الإمامة والتمييز العرقي والطبقي.
خارجية السويد وساستها ممن يتعاملون مع الملف اليمني، لا يتذكرون أنه في القرن الرابع عشر الميلادي، فتك الطاعون بالسويد، وأهلك الموت الأسود الكثير من سكان البلاد.
كما أنهم لا ينظرون إلى جانبهم المشرق، عام 1335 حين ألغت السويد العبودية والقنانة بمرسوم ملكي.
إن جهود دول أوروبية كالسويد وبريطانيا، لا تثمر، بل تعمل على ترسيخ أقدام جماعة تجاوزت جماعة داعش في جرائمها بحق المدنيين، وتسعى لتحويل العنصرية إلى قانون رسمي، من خلال إعلانها ما يسمى قانون الخُمس، وهو قانون يفصل بين المواطنين على أساس العرق، ويفرض منح خُمس ثروات البلاد للهاشميين.
إن بلداً كالسويد تجاوز حقباً زمنية من الحروب الخارجية والداخلية، وخرج من الفقر إلى أعلى مراكز الرفاهية، من الطبيعي ألا ترى حكومته طبيعة معاناة شعب وبلد كاليمن، من خلال الجهل بطبيعة النزاع، ومن خلال التساهل المفرط مع جماعة تمثل ذراعاً لنظام الملالي في طهران، وتعتبر التعامل الأوروبي فرصة لتثبيت الانقلاب وتمكينه من رقاب اليمنيين وغذائهم ووقودهم وحياتهم.
إن اليمن بلد يفتقر للسلام منذ ألف سنة، وكلما حاول الخروج من مأزقه، والانتقال إلى دولة اتحادية تزول فيها الهيمنة الطائفية، تشهد البلاد تدخلاً دولياً يفاقم الصراع الداخلي الذي هو امتداد لصراع إقليمي دولي، بدلاً من معالجته بوسائل ناجعة.
يصبح الملف اليمني حقل تجارب لمتناقضات دولية، السويد طرف فيها، رغم نواياها الحسنة تجاه إيجاد حل شامل للصراع في اليمن الذي يعاني بسبب إصرار أقلية من السكان على فرض العنصرية على الأكثرية، وتقرير الطريقة التي يعيش بها اليمنيون، وحشرهم كوقود لمشروع إيراني يستخدم جماعة يمنية طائفية تتخذ من صرخة الخميني شعاراً لها.
قديماً عانت دول أوروبا، ومنها السويد، من نزاع مماثل، لكن السويد اليوم، وكواحدة من الدول الاسكندنافية، تعاني فقط متناقضات الطقس، حيث “يزيد عدد ساعات النهار في الصيف ويقل في الشتاء، وكلما اتجهنا شمالاً أكثر، وفي المنطقة الواقعة إلى الشمال من الدائرة القطبية، يستمر ضوء النهار لحوالي شهرين في الصيف، بينما يستمر الظلام لحوالي شهرين في الشتاء”.
في مدينة جوكموك مثلاً، يمكن رؤية الشمس تسطع في منتصف الليل، لكن مدينة أوميو “تغيب عنها الشمس طيلة ساعات النهار، ولا تزورها خلال فصل الشتاء”.
ولتعويض السكان عن النقص الذي يعانون منه نظراً لغياب الشمس لساعات طويلة، أسست شركة الطاقة بمدينة أوميو، مواقع في 30 محطة للحافلات، يتعرّض فيها المواطنون إلى الأشعة فوق البنفسجية. وذلك على الرغم من أن طقس السويد، عدا المحافظات الشمالية، يوصف كطقس معتدل نسبياً.
إن بلداً كاليمن متخم بالشمس، لكنه يفتقد السلام، ويعجز عن إنقاذ نفسه من سطوة النفوذ الإيراني ومليشياته الذي يستخدم البلاد ساحة لحروبه ضد دول المنطقة. كما يعاني اليمن لأن مجتمعاً دولياً لا يقدم مساعدة ناجعة لإنهاء الانقلاب الحوثي في اليمن، وفقاً للقرارات الدولية، إذ على صعيد الممارسات تقدم كبرى الدول للانقلاب فرص نجاة على الدوام، ولا تدعم إنهاءه عسكرياً طالما يرفض الانقلابيون الجنوح للسلام، ونقضوا كافة الاتفاقات التي أبرمت معهم، برعاية الأمم المتحدة.
يترك ذلك أثراً.
السلام الخارجي العام، أو الاجتماعي بتعبير أدق، بالنسبة لبلد كالسويد، لم يعد مشكلة. إنه مجتمع وصل إلى مرحلة متقدمة في تنظيم حياته على كل الصُّعد، حتى إنك ترى الحافلات الكبيرة تمرق في شوارع أوبسالا، رابع أكبر مدينة في السويد، كما لو كانت آلات موسيقية ضخمة تشبه الأكورديون.
بالنسبة لمجموعة صحفيين جاؤوا من اليمن البعيد، وعليهم غبار أكثر من ألف سنة من الحروب، سيبدو كل شيء مدهشاً.. وبارداً.
كنا هناك في ديسمبر 2018، لرؤية ما يمكن أن تتمخض عنه جولة مفاوضات كانت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أعدوا لها من قبل أشهر، بكثير من الرومانسية وحسن الظن أن ما ينطبق على دول العالم من قواعد وأعراف الدبلوماسية، ينطبق على اليمن أيضاً.. لكن ظنهم خاب.
ربما تحقق لبعض أطراف دولية هدف غير معلن، فقد كانوا على عجلة من أمرهم لوقف معركة تحرير مدينة وميناء الحديدة.
لم يكن ذلك جلياً على طاولة المفاوضات، فقد أسفرت تلك الجولة عن توقيف معركة تحرير كانت شبه ناجزة في الحديدة، حيث كانت القوات المحسوبة على الحكومة الشرعية، على وشك استكمال طرد جماعة الحوثي من مدينة وميناء الحديدة.
كان واضحاً أن اتفاقاً حول إطلاق جميع الأسرى، هو النتيجة الواضحة لجولة المفاوضات تلك.. مازلت أتذكر مراسل قناة العربية حمود منصر، وهو يقول معلقاً: “خذ لك سنوات لما الحوثيين ينفذوا، سيماطلون لسنوات، ولن يطلقوا سراح المختطفين، ناهيك عن تنفيذهم اتفاقي الحديدة والانسحاب من تعز”.
جرى تصميم جولة ستوكهولم، وكانت تطلعات غريفيث عالية، فقد فكر وهو وفريقه يخططون لتلك الجولة، أنها ستنتهي بجلب السلام إلى اليمن، وطي صفحة الحرب.
ولم يكن الوفدان الحكومي والحوثي، وبعض كبار مسؤولي الأمم المتحدة ووزراء خارجيات دول كبرى، وفرق وأطقم من كبريات وسائل الإعلام وقنوات التلفزة الدولية، كل أولئك لم يكونوا وحدهم، كما كنا فريقاً صحفياً من محافظات يمنية متعددة هناك، ضمن جهد رديف للوكالة الفرنسية للتعاون الإعلامي، بالتنسيق مع مكتب غريفيث، حيث تم تكوين غرفة أخبار على أساس ضمان الحيادية، كما كان هناك فريق إعلامي من جماعة الحوثي، وإلى جانبهم فريق لبناني من إعلام حزب الله كما تبدو سحناتهم.

لم يكن اتفاقاً منصفاً، وشكل بالمجمل اعترافاً رسمياً بجماعة انقلابية كطرف وحيد بعد تخلصها من شريكها صالح وجناحه في حزب المؤتمر ممن تم طيهم تحت عباءة الحوثيين، وليس بصفة شريك في طرف الانقلابيين، مقابل الحكومة الشرعية. وجرى مراقبة أعضاء مؤتمريين في وفد جماعة الحوثيين خشية إعلانهم اللجوء السياسي.


كنا في طابق ثانٍ للمركز الإعلامي، نشغل غرفة تقابلنا غرفة خُصصت لطاقم إعلاميي جماعة الحوثي، وبين الغرفتين صالة صغيرة تطل على مرج أخضر.
ولم نكن وحدنا أيضاً مع جيش الإعلاميين والصحفيين ذاك.. فقد جرت مراسيم روتينية أفضت بسرعة لإعلان نتائج مفاوضات أُعدت مسبقاً، تحت ضغط جثة خاشقجي وطيفها الذي سهّل ممارسة أقوى ضغط أمريكي بريطاني دولي على المملكة العربية السعودية، التي بدورها أرغمت وفد الحكومة الشرعية على توقيع اتفاق بلا ضمانة.
بدا لاحقاً أن الحوثيين وإيران كانوا المستفيد الوحيد من اتفاق لم تنفذ بنوده حتى اليوم.
لم يكن اتفاقاً منصفاً، وشكل بالمجمل اعترافاً رسمياً بجماعة انقلابية كطرف وحيد بعد تخلصها من شريكها صالح وجناحه في حزب المؤتمر ممن تم طيهم تحت عباءة الحوثيين، وليس بصفة شريك في طرف الانقلابيين، مقابل الحكومة الشرعية. وجرى مراقبة أعضاء مؤتمريين في وفد جماعة الحوثيين خشية إعلانهم اللجوء السياسي.
وانتهت المفاوضات، ولم تطوَ صفحة الحرب، بل دخل الصراع دوامة تعقيدات، وتمكنت جماعة الحوثي من إعادة تنظيم صفوفها، وإلقاء نصوص الاتفاق جانباً.
لم يكن حضور اللبنانيين وآخرين ربما من إيران، شكلياً، فقد كان نفوذ طهران حاضراً كالعادة في حرب بالوكالة لمصلحة الأمن القومي الإيراني، كما أعلن كبار رموز النظام في طهران.
إن الحرب في اليمن هي حرب إيران نفسها، وهذا يجعل كل جولات المفاوضات شكلاً من المثابرة الدولية على ممارسة عبث نتائجه معلومة سلفاً.
في القصر الذي جرت فيه المفاوضات في بلدة ريفية، حيث تمتد المروج الخضراء والأشجار التي اكتست بالثلوج، كان البحث في ذاك الطقس عن سلام لليمن، بمثابة محاولة لإيجاد شمس حقيقية لتلك الدولة التي تشبه في كثير من تفاصيلها آلة موسيقية أو ساعة.
إن بلداً وشعباً كالسويد يمكنك رؤيته ببساطة متشبعاً بالسلام، في كل ركن منه، غارقاً في السلام لدرجة تصيبك بالهلع، فكل إنسان هناك منطوٍ على ذاته، ينطلق بسرعة كعادة معظم شعوب أوروبا.
إنه واحد من أكثر الشعوب سرعة في المشي، وقد كنت الوحيد في الفريق الذي يسير بسرعة السويديين أنفسهم.
في العاصمة ستوكهولم، في مدينتها القديمة وسوقها المكتظ، الزحام شديد، لكنك لا تسمع أصواتاً، كنا وحدنا مصدر ضوضاء مثيرة للغرابة هناك.
والحق أن ستوكهولم في بلد كالسويد يفتقر أيضاً لقليل من الضجيج الذي يضفي شيئاً من حيوية الحياة نفسها.. قليل من فوضى أصوات وحركة وغبار ينقذ مشهد الحياة من حالة البرود.
على أن حياة شعوب أوروبا المتحضرة والمنتظمة بدقة متناهية، لم تأتِ من فراغ. لقد شُيد هذا النمط من العيش على ركام من الجماجم وأنهار من الدماء في نزاعات وحروب أكثر ضراوة مما تعيشه بلدان كاليمن.
لأزمان سابقة عرفت شعوب ودول أوروبا حروباً أوغلت في الدم، وصراعات جعلت السلام أبعد من عين الشمس الحقيقية التي تشرق على مجرتنا درب التبانة. وكان يفترض لتجاربهم أن تساعد في فهم طبيعة البعد الداخلي للصراع في اليمن، إلى جانب كونه حرباً بالوكالة لصراع إقليمي.
في الوقت الراهن، اتفاق السويد مهدد بالانهيار كلياً، وهو لم يكن ذا فعالية منذ توقيعه في ديسمبر 2018..بدأت مفاوضات جنيف حول ملف الأسرى 18 سبتمبر 2020، كمحاولة جزئية لإنقاذ اتفاق السويد.
الحكومة الشرعية والبرلمان الموالي للشرعية ومجلس الشورى، في حالة تململ، ويريدون إنهاء التزام الحكومة بالاتفاق، واستئناف معركة تحرير مدينة وميناء الحديدة.
وأياً تكن السيناريوهات التالية، اتفاق ستوكهولم يتحول الآن إلى عقبة بدلاً من أن يكون قاعدة انفراج للأزمة اليمنية.
لقد تحلت الأمم المتحدة ومبعوثها على الدوام بالمقدرة على جذب ضغط دولي على جانب الحكومة الشرعية، وظلت قبضتها رخوة تجاه الحوثيين، ربما لإدراك منها أنهم واجهة محلية لطرف إيران.

الأكثر قراءة