المشاهد نت

بعض الخيبات

حسن العديني

حسن العديني

كاتب صحافي يمني

قد لا يرى المتابع للشأن اليمني جديدًا في تقرير الفريق الأممي إلى مجلس الأمن، عن أعماله السنة الفائتة 2020. حتى الوثائق سبق نشرها، كلها أو أكثرها، في وسائل التواصل الاجتماعي. وربما أن من الناس من يعرف معلومات لم يطلع عليها أعضاء الفريق، بل قد يكون بين المنخرطين في الحرب من يضحك في نفسه أو مع شركائه، لأن التقرير لم يأتِ على جرائم ارتكبوها ووقائع شاركوا فيها أو عرفوا عنها.
والحق أن الفريق لم يدَّعِ أنه أحاط علمًا بكل شيء، وإنما تحدث عن عوائق منعته من الوصول إلى كل مكان، ومن الإمساك بكل الأشياء. إن الحرب في ذاتها أكبر العوائق، وزادت جائحة كورونا فحتمت عليه أن يمارس مهمته عن بعد، وبعد ذلك فإنه لم يتلقَّ ردودًا على أسئلة وجهها لأطراف محلية، ولدول في الإقليم. وأحسب أنه توخى الصدق ما استطاع، ولم ينزلق إلى مطب التحيز لأحد فرقاء الصراع. ذلك المطب الذي وقع فيه اثنان من مبعوثي الأمم المتحدة الثلاثة؛ جمال بن عمر، راعي وثيقة السلم والشراكة، يوم اجتاح الحوثي صنعاء، ومارتن غريفيث الذي حرس الحديدة، ثم اقترح مؤخرًا مشروعًا للسلام يؤسس لحروب المستقبل.
التقرير جمع المعلومات المتطايرة في وثيقة واحدة، ووضع الأصابع على مخاطر يدركها اليمنيون جميعًا، بمن فيهم أولئك الخائضون في شعاب الحرب. وقد تنبه مجلس الأمن لموضوع واحد من بين المواضيع الكثيرة الواردة فيه، فأضاف إلى قائمة العقوبات شخصًا من جماعة أنصار الله، في القرار 2564 ، الصادر الخميس الماضي، بناءً على اتهامات تضمنها التقرير. وفي القرار مدد المجلس ولاية فريق الخبراء سنة إضافية. وليس في هذا وحده وعد أو بشارة بأن الحرب سوف تتطاول، ذلك أنه لم يتضمن قرارًا ملزمًا بإيقاف النار، واكتفى بإدانة التصعيد، والدعوة إلى تنفيذ دعوة الأمين العام في 25 مارس 2020، بالوقف الفوري لإطلاق النار.

أن التحالف العربي لم يكن بريئًا عندما لبى طلب القيادة اليمنية التدخل العسكري لمساعدتها على استعادة السلطة، فقد كان لدول التحالف مقاصد تخصها.


سأمضي مع تقرير الخبراء بالمحاذاة، وليس بالسفر في العمق، ففيه التفاتة واضحة إلى أن التحالف العربي لم يكن بريئًا عندما لبى طلب القيادة اليمنية التدخل العسكري لمساعدتها على استعادة السلطة، فقد كان لدول التحالف مقاصد تخصها. وفيه أن الفاعلين الإقليميين هم الإمارات والسعودية وإيران وعمان، دون أن ينسى منح كل من تركيا وقطر شهادة براءة، إذ قال إنه لم يعثر على أدلة تثبت تورطهما في الحرب، رغم إشارته إلى شخص بعينه قام بإنشاء قوة عسكرية خارج نطاق الجيش التابع للحكومة الشرعية. ذكر ذلك، وأغفل السؤال المنطقي عن مصدر التمويل، ولو أنه أطلقه وبحث وتحرى لوصل إلى إحدى الدولتين أو كليهما. على الأقل كان على الفريق أن يسكت ولا يدلي بالشهادة.
علامة الاستفهام تنتصب أمام عمان؛ الدولة المعروفة بأنها تمشي جوار الحائط، وتنأى بنفسها عن سياسة المحاور، ولا تدخل في خط الصراع والخلافات، لكنها في اليمن غرقت حتى شعر الرأس. والتقرير أورد وقائع عن نقل متكرر لأسلحة ومعدات ثقيلة إيرانية عبر مطاري مسقط وصلالة، ثم بالطريق البري عبر ميناء نشطون اليمني بالمهرة، كما أن مهربي الأسلحة يقومون بنقلها من سفينة إلى أخرى داخل المياه الإقليمية العمانية. وتحدث التقرير عن أشخاص سافروا إلى إيران عبر عمان، في 2015، وأفاد أحدهم، في وقت لاحق، أنه تلقى تدريبًا بحريًا في بندر عباس، ثم قام بتيسير تهريب الأسلحة بحرًا إلى الحوثيين. في هذا قال الفريق الأممي إن رحلات الرحمة بين صنعاء ومسقط لنقل المرضى والجرحى بغرض العلاج، يساء استخدامها.
تلك عمان الوديعة والمسالمة.
وأما إيران فهي الغول الكبير، حتى ليكاد خطرها على العالم العربي يضاهي الخطر القادم من إسرائيل، إن لم يتجاوزه. وكان الشاه محمد رضا بهلوي معاديًا للقومية العربية، صديقًا لإسرائيل يمدها بالنفط، ويرتبط معها بتعاون عسكري وأمني وثيق، مع ذلك فلم يتخذ سياسات تزعزع استقرار البلدان العربية. خلافًا له، بدأ الملالي عهدهم بمقاطعة

أعود إلى الفريق الأممي، وأقول إنه رأى ما نراه قائمًا على الأرض، وهو أن النزاع لم يعد بين فريقين. لقد برز المجلس الانتقالي وغيره، ما جعل الفريق يقترح أن تشمله أية مفاوضات قادمة مع كيانات الساحل الجنوبي والغربي

إسرائيل، وفي الوقت ذاته مدوا أنوفهم وأيديهم خارج حدودهم، لتصدير الثورة من منظورهم. لم يأبهوا إلى أن الثورة قيم تلهم، وليس بضاعة تصدر. ثم إنهم لم يقيموا نظامًا يغري بالإلهام، لا بالتقليد. وكذلك تحول تصدير الثورة إلى تصدير للمذهب، ضمن مشروع إقامة امبراطورية فارسية، بالنفوذ وليس بالاحتلال. وتجاه العرب بالذات تتجلى رأي العين شوفينية مفرطة على نحو لم يعهد في حكم سلالة الأباطرة.
وأعود إلى الفريق الأممي، وأقول إنه رأى ما نراه قائمًا على الأرض، وهو أن النزاع لم يعد بين فريقين. لقد برز المجلس الانتقالي وغيره، ما جعل الفريق يقترح أن تشمله أية مفاوضات قادمة مع كيانات الساحل الجنوبي والغربي. ويلفت التقرير إلى أن الحكومة خسرت أرضًا استراتيجية كانت في قبضتها، وانتقلت إلى يد المجلس الانتقالي في الجنوب، وإلى الحوثيين في الشمال، خصوصًا في نهم والجوف ومأرب والبيضاء. وقد لاحظ أن تحالف دعم الشرعية غير فعال في فرض السيطرة على القوات، وأن هناك غيابًا لاستراتيجية متماسكة لدى القوى المناهضة للحوثي، دون أن يغيب عنه أنها تعاني من انقسام وصل إلى درجة الاقتتال. وهو يسمي فصيلًا بذاته استثمر الحرب بعيدًا عن أهدافها، بل ضد أهدافها، وكثيرًا ما وظف وجوده في القطاع العسكري لإسداء خدمات للحوثيين، واحد من مظاهرها أن الأسلحة تخرج من معسكراته، وتذهب إلى الحوثي، فضلًا عن أنه كثيرًا ما يوجه السلاح لقوات نظامية أو مجموعات عسكرية أخرى تقاتل الحوثي.
ولا يجد الفريق الأممي حرجًا في أن ينسب إلى أشخاص سماهم فظائع ارتكبت في حق المواطنين في تعز وعدن، وقال إن الأطراف كلها ترتكب انتهاكات صارخة للقانون الدولي. يبقى في النهاية أن الفريق استنتج أن النزاع تحول إلى عمليات تربح اقتصادي واسع النطاق، تقوم بها شبكات من القادة العسكريين ورجال الأعمال والسياسيين والزعماء المحليين.
ورأى أن التنفيذ الكامل للقرار 2216 بات متعذرًا بسبب استيلاء الحوثي على أراضٍ استراتيجية، وتوطيد المجلس الانتقالي سلطته في عدن ومحافظات جنوبية أخرى.
هكذا يقول. غير أن الشرعية تغرد لوحدها، وهي حاضرة الذاكرة إلى درجة أنها تسترجع المبادرة الخليجية، وتطلب الحل وفق مرجعيات ثلاث، كما جاء في ترحيب وزارة خارجيتها الأخير.
إن حضور الذاكرة يرادف غيبوبة كاملة عن فهم ما يجري. لكأننا أمام حالة زهايمر عجيبة. ولكأننا سنقرأ بعد سنة -إذا تباعد الأجل- تقريرًا للفريق الأممي يروي الكثير مما قرأناه في تقرير هذا العام. وأنا إنما أشرت لبعض الخيبات، وتحاشيت أن أقترب من الأهوال والمآسي.

الأكثر قراءة