المشاهد نت

العدالة ضرورة لمنع تكرار النزاع

عبدالعالم بجاش

عبدالعالم بجاش

كاتب صحافي يمني

لا بد لأي إطار لبناء السلام في اليمن، أن يضمن محاسبة ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات.
بالنسبة لعشرات الآلاف من الأفراد ضحايا النزاع، من غير المقبول مكافأة مرتكبي الانتهاكات عبر إغرائهم بمناصب ومكاسب في حكومة المصالحة الوطنية وضمان إفلاتهم من العقاب، في سبيل رغبة الوسيط الدولي في رؤية نتائج سريعة لعمله تركز على وقف إطلاق النيران.

إن مشاعر الضيم لدى كثير من اليمنيين، الناتجة عن الانطباع الذي يتركه الحماس الأمريكي الزائد في ما سميت خطة المسار السريع للسلام في اليمن، لا تخفى. ورغم أن هذه الخطة لم تظهر للعلن رسميًا، فإن خطوطها العريضة سُربت، وأثارت ردود فعل شعبية تميل إلى التوجس والشعور بالضيم من جانب كثيرين.


العدالة الفردية ضرورية وأولوية من متطلبات العدالة الانتقالية في أية عملية سلام لإنهاء الحرب في اليمن وتجاوز الماضي، لأن أية خطة تأتي بمرتكبي الانتهاكات الأكثر عنفًا، لتضعهم في المكان البارز في سلطة توافقية من أجل ضمان عدم عرقلتهم مسار السلام، تتحول إلى خطة لشرعنة العنف وتتويجه، ولا تحقق سلامًا فعليًا يدوم طويلًا.
يكمن الخطر الراهن في أن الولايات المتحدة تتعامل بخفة مع الملف اليمني، كأنه لا معنى لتضحيات ملايين اليمنيين وما لحق بحياتهم من دمار لسبب جذري، وهو الانقلاب الذي أشعل الحرب، وكفاح اليمنيين في سبيل سلام ينهي الانقلاب وفق القرار الدولي 2216 والمرجعيات الأخرى.
بالنسبة للمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينج، يدفعه حماسه لتصميم تصور جديد لبناء عملية السلام في اليمن.
هذا التصميم الذي تبدو واشنطن متحمسة له، لا يهمش فقط دور الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن كطرف ميسر لعملية سلام شامل لليمن، تبرز مؤشرات عدم تناغم برغم التصريحات الأمريكية التي تقول بأن مبعوثها عمله رديف لعمل الأمم المتحدة ومبعوثها، بل إنه مستفز لمشاعر شريحة واسعة من اليمنيين.
إن مشاعر الضيم لدى كثير من اليمنيين، الناتجة عن الانطباع الذي يتركه الحماس الأمريكي الزائد في ما سميت خطة المسار السريع للسلام في اليمن، لا تخفى. ورغم أن هذه الخطة لم تظهر للعلن رسميًا، فإن خطوطها العريضة سُربت، وأثارت ردود فعل شعبية تميل إلى التوجس والشعور بالضيم من جانب كثيرين.
يمكن ملاحظة ذلك على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي.
ففي جانب شريحة سكانية كبيرة موالية للحكومة الشرعية ومناهضة للانقلاب، بات يُنظر للدور الأمريكي الذي يحاول أن يكون وسيطًا متفوقًا على الدور الدولي، باعتباره خطة إنقاذ لجماعة الحوثيين، تتعجل عملية بناء سلام سريع دون اعتبار لفاعلية السلام وديمومته، ولتأثيره على شرائح الشعب اليمني.
التصور الأمريكي قائم على إغراء الحوثيين بحصة كبرى في السلطة، دون اعتبار لرأي آلاف، بل عشرات الآلاف من الضحايا المباشرين على الجانب الآخر المناهض لجماعة الحوثي الانقلابية.
وما يفكر به هؤلاء الضحايا على هذا الجانب، أن الحرب الأهلية أشعلتها جماعة الحوثي بانقلابها بقوة السلاح على حكومة شرعية وتوافق وطني، وتسببها بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وبكل المعاناة الناتجة عن إشعال الحرب.
والتفكير بحجم الدمار والمعاناة والضحايا يجعل من أي تصميم لعملية السلام في اليمن، يتيح الإفلات من العقاب، هو بمثابة انحياز لمرتكبي الانتهاكات.
إن فكرة الذهاب إلى سلام يكفل منح الحوثيين مشاركة بارزة في السلطة، هي بالنسبة لكثير من اليمنيين ليس فقط إضفاء شرعية على تمرد مسلح، وإنما مكافأته على انتهاكات قد ترقى إلى حرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
على الجانب الآخر، وهم الحوثيون ومناصروهم، ما يسمونه العدوان السعودي تحديدًا هو المعيار لديهم، ورفع الحصار البري والجوي والبحري قبل أية مفاوضات.. دون ذلك، يعتبرون المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن ممثلًا للسعودية.
بالنسبة لقيادة الشرعية في اليمن، ووفقًا لتصريحات أحد مستشاري الرئيس هادي، كان المأخذ على دور المبعوث الأممي إلى اليمن أنه تحول من ميسر إلى وسيط، وهو ما يؤدي إلى خطأ جوهري في التعامل مع الشرعية والمتمردين كطرفين على قدم المساواة.
إن المساواة في المراكز القانونية لكل من الشرعية والانقلاب، هي الخلل الجسيم الذي يؤدي إلى اختلال مسار السلام والإخفاقات المتكررة، كما قال عبدالملك المخلافي، مستشار الرئيس هادي.
ما يحصل الآن، على صعيد الدور الأمريكي، شيء أبعد من ذلك، ويثير حساسية واسعة لدى كثير من اليمنيين. ومما رشح عن الرؤية الأمريكية، فإنه لا يتم فقط المساواة في المراكز القانونية لكل من الشرعية والمتمردين الحوثيين، بل تعطى أفضلية للمتمردين استنادًا إلى حجم سيطرتهم جغرافيًا وسكانيًا، وهي معايير لا تتواءم مع القوانين الدولية في مثل هكذا حالات.
إذ سبق للمجتمع الدولي التعامل في ضوء القوانين والمواثيق الدولية وإنهاء تمردات في دول كانت هي المسيطرة على الداخل، فيما كانت الحكومة في المنفى وتم تشكيلها هناك، وتمت إعادتها وفرض سلطتها على كامل أراضي البلاد، كما في تحربة الحرب الأهلية اليونانية.
ثمة أهداف أمريكية خاصة أخرى تدعو لخطة مستعجلة تلبي ما يريده الأمريكيون، الذين لا يأبهون إذا كانت خطتهم تلائم شركاءهم في المنطقة أو الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليًا والشريحة السكانية الأوسع من المناصرين للشرعية.
ذلك أن تصميم خطة سلام تلبي معظم ما يريده الحوثيون على حساب الطرف الآخر، هي تصور ينطوي على ضيم كبير. إن أي نقاشات أو تصورات جارية تركز فقط على مسائل محددة، كالحصار المفروض على اليمن بموجب القرارات الدولية، وتتجاهل حصار الحوثيين لمدينة تعز، كما تركز كل الجهود الدولية على إعادة فتح مطار صنعاء ورفع القيود على ميناء الحديدة، بينما لا يسمع اليمنيون أي نقاش عن إعادة فتح مطار تعز، وتفعيل نشاط ميناء المخا.. وتلك أمثلة للأسس التي يجري عليها حاليًا، ومنذ سنوات، وضع مخطط للسلام الشامل في اليمن، وهي أمثلة كافية عن سلام هش لعدم احترامه كما يجب أبسط قواعد الإنصاف، خصوصًا بالنسبة للشريحة السكانية الأوسع في البلاد والمناوئة للانقلاب دون شك، حتى وإن كانت أعداد كبيرة تقطن في مناطق تحت سيطرة جماعة الحوثي الانقلابية التي تفرض قمعًا شديدًا للحريات، ومنها حرية الرأي.
نحن أمام اندفاع أمريكي يريد وقفًا للحرب في اليمن بأسرع وقت، وتقديم ذلك كمنجز سريع لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على حساب المضمون، وعلى حساب الشعب اليمني الذي يتطلع لحل سياسي حقيقي ومستدام، يبدد المخاوف من مساعي الإدارة الأمريكية لإحراز انتصار سياسي دعائي دون مبالاة إذا تسبب ذلك في إلحاق أذى وضيم كبيرين بغالبية الشعب اليمني عندما يرى أن كبار المنتهكين لحقوق الإنسان قد مُنحوا قدرًا أكبر من السلطة، وافلتوا من العقاب بسهولة بموجب خطة السلام الأمريكية.
فالأمريكيون يقولون -وتحديدًا المبعوث ليندركينج- إنه من الواضح أن الحوثيين يلعبون دورًا رئيسيًا في اليمن. مثل هذه التصريحات كان لها وقع مقلق شعبيًا لدى الموالين للحكومة الشرعية المعترف بها، فهي تتضمن إشارة قوية لمنح الحوثيين حصة كبيرة في السلطة، أكبر من حجمهم، مما يجعل فرص تحقيق العدالة عقب انتهاء الحرب، معدومة، ويكفل منح بعض منتهكي الحقوق مناصب كبيرة بدلًا من ضمان عدم إفلاتهم من العقاب.

من المبكر الحديث عن مصالحة وطنية في اليمن، كما حصل في بلدان أخرى، والمضي في إجراءات أخرى بهدف تجاوز الماضي، غير أن ضمان عدم الإفلات من العقاب هو شكل من الإنصاف يضمن إرساء سلام أكثر ديمومة .


وبالرغم من أن المغريات الأمريكية للحوثيين تأتي بسبيل استمالتهم بعيدًا عن إيران، رغم صعوبة ذلك، وربما استحالته، لم يحز المبعوثان الأممي والأمريكي أية ثقة شعبية، سواء لدى الموالين للحكومة الشرعية أو المناصرين لجماعة الحوثي الانقلابية.
ومع فارق النظر إلى جذر الأزمة اليمنية المتسبب بإشعال الحرب، وهم الحوثيون بالتأكيد، منذ انقلابهم على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر 2014، وإشعالهم الحرب منذ 2015، فإن الشعور بالضيم أعمق لدى شريحة واسعة من السكان المناهضين للانقلاب، ومن بينهم آلاف الضحايا، لعدم اليقين بإمكانية تحقيق سلام فعلي مع جماعة بمواصفات جماعة الحوثي وطبيعة ارتباطها العضوي بإيران من جانب، وما آل إليه الدور الإيراني المباشر حاليًا في الأزمة اليمنية، وهو واقع لا تحبذ واشنطن التعامل معه بجدية.
وإنه لمن المبكر الحديث عن مصالحة وطنية في اليمن، كما حصل في بلدان أخرى، والمضي في إجراءات أخرى بهدف تجاوز الماضي، غير أن ضمان عدم الإفلات من العقاب هو شكل من الإنصاف يضمن إرساء سلام أكثر ديمومة، لسبب بسيط، وهو أنه لن يسبب شعورًا واسعًا بالضيم لدى معظم السكان والمحافظات ممن ضحوا كثيرًا في مواجهة التمرد، ومن حقهم الوصول إلى حالة سلام حقيقي ودائم.
في آخر إحاطة له لمجلس الأمن الدولي، اشار المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى محاسبة مرتكبي الانتهاكات، وضمان عدم الإفلات من العقاب، ضمن الخطوات نحو السلام الشامل. لكن الطريقة الأمريكية أكثر تساهلًا، وتقدم العروض الباذخة لجماعة الحوثي، ظنًا أنها ستكسبهم إلى صفها بعيدًا عن إيران، فيما الواقع هو العكس تمامًا، فالتسرع الأمريكي وخطأ المساواة في المراكز القانونية كما وصفه المستشار الرئاسي المخلافي، لم يحققا أي اختراق نحو السلام، وإنما عززا ثقة الحوثيين وطلباتهم للمجتمع الدولي بنسف كل المرجعيات السابقة كشرط مسبق قبل أي حوار. ومن دون شك، يعلم الجميع من يقف وراء هذه الدبلوماسية التي تجيد طلب كل شيء من دون تقديم شيء. فمع كل خطاب حوثي تكرر إيران أن خطتها للسلام في اليمن هي الحل الوحيد.

الأكثر قراءة