المشاهد نت

حصار تعز على هامش الاهتمام

مصطفى ناجي الجبزي

مصطفى ناجي الجبزي

كاتب وباحث في الشؤون السياسية

منذ اتفاق ستوكهولم وموضوع فك حصار تعز يأخذ حيزًا من الاهتمام، لكنه اهتمام هامشي كما في ذلك الاتفاق، أو غير شرطي رغم أن المسألة لا تخص محافظة واحدة، بل محافظتين، بما يشكل ثلث سكان الجمهورية، ورغم وضوح الانتهاك وأثره الاقتصادي والاجتماعي.
في الإجابة على سؤال لماذا حصار تعز؟ ولماذا الإصرار على عدم رفع حصار تعز؟ ينغي تقديم إطار أوضح وأشمل يمكن من خلاله فهم الحصار، ووضع خطوات تحرك لفكه بتعيين الجهة المستهدفة وأبعاد التحرك.
فقدت تعز أهميتها الاستراتيجية بمجرد الانحراف في تحقيق الهدف المعلن من الحرب، والمتمثل في استعادة الدولة. وفرضت مشاريع بديلة تشطيرية بديلًا عن استعادة الدولة وإرساء نظام فيدرالي يعالج مشكلة المركزية وهيمنة طرف على آخر، وإعادة توزيع الثروة.
لتوضيح الأمر سنتناول ما تمتاز به تعز من خصائص، وتجد نفسها غير قادرة على توظيفها التوظيف الأمثل في هذه المرحلة:
أولًا: طغيان السياسة والتنوع في الانتماءات السياسية على حساب عصبيات أخرى. وبما أن التعدد السياسي يعني الديمقراطية، فإن المناخ السائد هو معاداة الديمقراطية، ولهذا لا تجد تعز نفسها في هذا الإطار. وفي إطار الحرب على الإخوان، فإن تعز التي كانت منبع كل التيارات السياسية في اليمن، خصوصًا القومية واليسارية، بل أكبر رديف لحزب المؤتمر، وجدت نفسها متهمة بأنها محافظة الإخوان، وهم جزء من كل. ربما أسهم الإصلاح على نحو ما في دمغ هذه المحافظة بهذه الوصمة.

الحوثي يسير وفق منطق الثورة المضادة، ولديه حساسية من ثورة ليست حصرية وطائفية، إنما تسعى إلى توسيع الحريات العامة بمنحى إدماجي. فهو بحصاره وحربه على تعز، يقمع أهم معاقل ثورة فبراير، وفق تصور بدائي، هو إما الاستسلام أو الإفناء، كما يتجلى من ممارساته في القنص والتلغيم.


ثانياً: موقعها الجغرافي في إطار الجغرافيا اليمنية، والذي يعني إما استحواذ الحوثي على هذه الجغرافيا، وتهديد فكرة الانفصال والهيمنة على مضيق باب المندب وتهديد الملاحة الدولية وتعزيز شوكة إيران في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، بحكم ارتباط الحوثي بسياسة واستراتيجية إيران على حساب الشعب اليمني، أو استعادة الشرعية لمديريات تعز الساحلية والجبلية كاملة، بإسناد من قوى الجنوب، بالتالي إسقاط مشروع الانفصال. وبما أن المرحلة مرحة تشطير وتجزيء، فإنه من غير المفكر به تحرير كامل مناطق تعز، والاكتفاء بتحرير الساحل تأمينًا لحاجة دولية، والاصطبار على المديريات التي حررت نفسها بجهد ذاتي، ومساعدة اسمية من التحالف.
ثالثًا: انها محافظة بحكم كثافتها السكانية التي تخلق منافسة شديدة تعليميًا واقتصاديًا، تدفع بأبنائها خارج المحافظة، نحو مناطق اليمن وخارج اليمن، لا تستطيع التنفس إلا في إطار وطني، وتقدم للإدارة العامة خبراتها الفنية، وللاقتصاد الوطني رساميل أساسية. وحضورها في الإدارة العامة والوظائف الحكومية العليا هو حضور خبرات وليس عصبيات.
تشكل وعي ضد العصبيات لصالح العمل الحزبي منذ وقت مبكر وكان إسهام أبناء محافظة تعز في إسقاط حكم الإمامة، وتثبيت الجمهورية في الشمال، إسهامًا كبيرًا أورثهم حقد جماعة إمامية كالحوثية.
بل إن متصدري المشهد الآن والقائمين على أعلى الوظائف في البلاد، من أبناء تعز؛ من رئيس المجلس القيادي، إلى رئيس الوزراء، إلى رئيس مجلس النواب، هم أشخاص الضرورة، وليس التمثيل السياسي. لكنهم لا يملكون حولًا ولا قوة تجاه المحافظة.
مضت هذه المرحلة منذ 2011 وحتى الآن، كمرحلة ولاءات، وليس مرحلة كفاءات، بل إن الفترة منذ انقلاب الحوثي وحتى الآن، هي أسوأ المراحل من هذه الناحية.
إلى جانب أن الحوثي يدرك أنه لا يملك قاعدة شعبية كبيرة في محافظة نزقة في خياراتها السياسية، فلم يتوسع بأبعد من مراكز الثقل الإنتاجي والصناعي في المحافظة، والتي تدر عليه ذهبًا خالصًا، مع إحكام القبضة على منافذ المحافظة تجاه الجنوب.
هذه النقاط أعلاه توضح لنا كيف تم تحرير جزء من المحافظة دون بقية المديريات، ولماذا لم تتقدم القوات الشرعية أبعد من ذلك. ولماذا لم يتمسك الحوثي ببعض أجزاء من محافظة تعز.
لكن الحوثي يسير وفق منطق الثورة المضادة، ولديه حساسية من ثورة ليست حصرية وطائفية، إنما تسعى إلى توسيع الحريات العامة بمنحى إدماجي. فهو بحصاره وحربه على تعز، يقمع أهم معاقل ثورة فبراير، وفق تصور بدائي، هو إما الاستسلام أو الإفناء، كما يتجلى من ممارساته في القنص والتلغيم. لكنه بحصاره المدينة وتعمده القتل دون رادع، يريد أن يضع المحافظة المقاومة أمام أمر واقع مفاده أن وقوفكم في صف الشرعية هو وقوف خاطئ، لأنكم ستخذلون وسيخذلكم التحالف أيضًا، وليس أمامكم إلا الخضوع لإرادتي.
هناك بعد اقتصادي في الحصار ينبع من مفارقة أسعار العملة بين مناطق الشرعية ومناطق الحوثي، وبالتالي أسعار السلع. تبدو أسعار السلع أرخص في مناطق الحوثي، لكنها وفق أسعار العملات الأجنبية تعتبر أعلى سعرًا. تيسير الطرقات يعني فتح المجال أمام السلع وتدفق العملة واستخدام الريال الشرعي مقابل الريال الحوثي وتدفق السلع خصوصًا الوقود والقمح والسكر، وبالتالي تخف القبضة الاقتصادية للحوثي على المواطنين هناك، واضطراره إلى السماح بالتعامل بالريال الذي يدور في مناطق الشرعية.
ما هو ملفت للنظر هو أن هناك تدفقًا كبيرًا للسلع الزراعية التي تنتج محليًا بين الجانبين، خصوصًا من مناطق الحوثي إلى مناطق الشرعية، لاسيما الخضروات والقات والفواكه. ولأنها سلع محلية ليست مستوردة، ويتم المقايضة بها من خلال اعتماد عملات أجنبية في كثير من الأوقات.
يناور الحوثي في تعامله السياسي مع الجهود الأممية ليكسب مزيدًا من الوقت والفوائد المادية والمعنوية. ويصر على عدم التنازل عن شبر واحد في ملف تعز. ليس في الأمر غاية استراتيجية على المدى القريب أكبر من الحديدة أو مأرب النفطية، لكنه حقد أعمى. لا أقول حقدًا أعمى مبالغة وعاطفة، لكن طبيعة ضحايا الأفعال الحوثية في تعز تشير إلى ذلك بوضوح. ما معنى تعمد القتل قنصًا لأطفال ونساء، واستهداف مدارس ونقاط توزيع الماء، ما لم يكن حقدًا؟ ما هي القيمة العسكرية من استهداف راعي أغنام أو ربة منزل في قرية نائية؟
وأمام تنازلات الشرعية المتتالية، ومن ورائها التحالف، بلا مقابل، تحت ضغط دولي، تجد تعز نفسها عزلاء بل نصير. تتحرك حملة فاضحة للحصار الحوثي على تعز تطالب بفكه.
أجد في الحملة الإلكترونية والإعلامية ما يشير إلى التذمر من خذلان الشرعية والمجتمع الدولي لتعز. ورأيي ألا توجه هذه الحملات الشاكية نحو المجتمع الدولي، إنما يجب أولًا أن تعيد تذكير الناس بالمجرم الحقيقي، وطبيعة الحقد الحوثي، وموقع تعز من المعادلة السياسية الراهنة، وكيف أنها تدفع ثمنًا كبيرًا لموقعها وذهنية أبنائها. ويجب أن تهدف الحملة إلى تعيين القاتل والتوجه نحوه، وشحذ همم الناس للتخلص من هذا الشر القاتل بالتذكير بإرادة الناس في تحرير مديريات بجهود بسيطة، وفي لحظة يأس كبيرة، ويمكن أن تتحرر مديريات تعز الباقية بجهود محلية، وتفرض المحافظة واقعًا جديدًا سياسيًا واقتصاديًا بتوظيف الإرادة المحلية والدعم الحكومي والإقليمي.

الأكثر قراءة