المشاهد نت

صحفيو اليمن.. حقوق ضائعة في زمن الحرب

لا يزال العاملون في الإعلام في اليمن عرضة للإعتقال والإخفاء والتهديد

صنعاء – نبيل شايع

يعاني الصحفيون والعاملون في العديد من المؤسسات الإعلامية باليمن، من مشكلات كثيرة فاقمتها الحرب، إما بفعل الأزمات الاقتصادية الناتجة عن تداعيات الصراع، أو بسبب سياسات تكميم الأفواه، ومصادرة الحريات التي تنتهجها جماعة الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء العام 2014.

وتبعها في استخدام أساليب مشابهة عدد من الحركات والجماعات الخارجة عن فكرة الدولة في مختلف المناطق اليمنية، بما فيها الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.

وخلال فترة الحرب الجارية، زاد الإستطقاب الإعلامي وانقسمت وسائل الإعلام في تغطيتها حسب ملكية المؤسسة الأعلامية  بين أطراف النزاع الموالية لدول عربية وأجنبية منخرطة في النزاع، أو لأحزاب وجماعات سياسية ودينية، أو تعود ملكيتها لمؤسسات أخرى مستقلة تتلقى الدعم المادي والمعنوي إما من رجال مال وأعمال أو من منظمات محلية ودولية.

وعلى الرغم من تزايد أعداد القنوات التلفزيونية والإذاعية والمنصات الإلكترونية الإخبارية خلال زمن الحرب، إلا أن الصحفيين العاملين فيها يشكون من تعرضهم للظلم والجور وهضم ومصادرة حقوقهم المالية من قبل القائمين على إدارة تلك المؤسسات. يحدث هذا  وسط غياب للدور الذي من المفترض أن تقوم به نقابة الصحفيين اليمنيين والنقابات العمالية، والمحاكم والمؤسسات القضائية التي يُعول عليها إنصاف أولئك الصحفيين، الأمر الذي دفع البعض من الصحفيين إلى مغادرة اليمن بحثًا عن فرص أفضل.

أما من لم تكن لديهم القدرة المالية للسفر خارج البلاد، فقد تعرضوا لصدمات أدت لإصابتهم بأمراض نفسية وعضوية، فيما فضّل آخرون الابتعاد عن العمل الصحفي، متجهين لمهنٍ أخرى علّها تقيهم آفات الفقر والعوز.

استغلال وتقييد

في صنعاء قدّم عشرات المذيعين والفنيين والإداريين استقالاتهم من قنوات اللحظة الفضائية التابعة لجماعة الحوثي خلال الشهرين الماضيين، لأسباب تتعلق بتعرضهم للظلم ومصادرة حقوقهم المالية من قبل مدير القناة، كما يقول الصحفي منير العمري لـ”المشاهد”.

ويضيف العمري: “أنا وغيري ممن تعرضنا للظلم، لم نستلم مستحقاتنا المالية من مدير القناة، ولجأنا لمكتب العمل في صنعاء لتقديم شكوى ضد عابد المهذري، لكنه امتنع عن استلام الإشعار من مكتب العمل”.

أما محفوظ الشامي، المقيم بين محافظتي صنعاء والضالع، وهو أحد الصحفيين الشباب الذي كان يعمل بنظام الـ”فري لانس” في منصة محلية لم يستمر عمله فيها هناك لأقل من شهر بسبب الاستغناء عنه من قبل القائمين على إدارة تلك المنصة.

كان محفوظ اتفق مع رئيسة تحرير الموقع للعمل على إعداد 12 مادة صحفية شهريًا بمقابل 200 دولار أمريكي، لكن ذلك لم يحدث، كما يقول.

ويضيف: “خرج بعض الزملاء قبل انطلاق الموقع لأسباب لها علاقة بمزاجية وتقلبات رئيسة التحرير، وتم الاستغناء عني لأنني انتقدت مادة لزميلة لنا تعمل في المنصة ذاتها”.

في منصة إخبارية أخرى تعمل في عدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة، يقول أحد الصحفيين إنه اضطر للعمل فيها رغم الظلم الذي يتعرض له، فالمستحقات المالية الخاصة به لا يستلمها إلا بعد مُضي أشهر، وقد استدان أموالًا تزيد عن التي سوف يتقاضاها من إدارة المنصة.

وفي حديثه لـ”المشاهد”، يشكو الصحفي الذي رفض الكشف عن اسمه خشية تعرضه للفصل، بأن القائم على إدارة تلك المنصة التي يعمل فيها، يتعامل معه ومع زملائه بمزاجية واستعلاء، إذ لا توجد لوائح مالية وإدارية تُنظم العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، ولا يحق له أخذ إجازة من العمل حتى في أيام الأعياد، رغم مضي خمسة أعوام منذ أن باشر هذا الصحفي عمله.

إقرأ أيضاً  أمطار متفاوتة الشدة على عدة محافظات يمنية

ومن حضرموت يتحدث ياسر بلحتيش -وهو صحفي يرأس تحرير منصة “المسيلة برس”- بأنه اضطر إلى إغلاق المنصة بعد أن تم إيقاف الدعم عنه من قبل قيادة التحالف، ويقول لـ”المشاهد”: “لم أستطع الإيفاء بمتطلبات العاملين في المنصة، ولا احتياجاتنا في العمل الصحفي كموازنة تشغيلية، ولا حتى الإيفاء باحتياجاتي الشخصية”.

ولا تختلف المعاناة التي يكابدها الصحفيون العاملون في منصات صحفية تُعرف نفسها على أنها مستقلة، إذ يشكو الصحفيون العاملون فيها بنظام القطعة أو الـ”فري لانس” من عدم حصولهم على فرص متكافئة في التعيينات والمكافآت ومنح الدورات التدريبية المقدمة لهم من قبل منظمات دولية داعمة لتلك المنصات.

كما لم تقتصر الانتهاكات بحق العاملين  على المحررين والصحفيين العاملين بنظام القطعة، بل امتدت لرؤساء تحرير عدد من الصحف والمنصات المحلية الذين وجهوا شكواهم إلى منظمات دولية معنية بالصحافة، علّها تعمل على إنصافهم بعد أن عجزت المؤسسات المحلية عن ذلك.

حرمان ولامبالاة

يعمل غالبية الصحفيين والمذيعين والفنيين في المؤسسات الإعلامية اليمنية خلال زمن الحرب، بأجور زهيدة يتقاضونها إما بشكل شهري أو خلال فترات زمنية متباعدة قد تصل إلى أربعة أشهر أو نصف العام.

ففي صنعاء لا يزيد الأجر الذي يتقاضاه المذيع  كراتب شهري خلال الشهر الواحد في معظم الإذاعات المحلية الخاصة والأهلية، عن 150 ألف ريال (250 دولارًا)، بينما لا يزيد أجر الصحفي العامل في الصحف والمنصات الإلكترونية التابعة لجماعة الحوثي، عن 60 ألف ريال (110 دولارات) كراتبٍ يتقاضاه كل شهر، أما الصحفيون العاملون في مؤسسات صحفية حكومية واقعة تحت سيطرة الحوثيين، فلا يزيد الأجر الشهري لهم عن 30 ألف ريال، خاضعة  للاستقطاعات الضريبية والواجبات الزكوية، أو صرف سلال غذائية بديلة عن تلك المستحقات.

أما الصحفيون العاملون في المؤسسات التابعة للحكومة اليمنية ويقيمون في مناطقها، فعلى الرغم من أنهم يتقاضون مرتبات أعلى من التي يتقاضاها نظراؤهم في مناطق سيطرة الحوثيين، إلا أنهم يشكون من تأخر صرفها وتأخير استلامها لفترات قد تصل إلى عام كامل.

يقول الصحفي في قناة عدن عبدالله حاجب لـ”المشاهد”، إنه “بسبب إسقاط مخصصات الرعاية الصحية التي كان يتمتع بها كوادر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومية في عدن، يعجر العاملون في تلك المؤسسة عن حصولهم على العلاج المناسب، وينتهي بهم المطاف إما للموت أو الإعاقة”.

في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، خرج عدد من الصحفيين والمذيعين والفنيين العاملين في إذاعة وتلفزيون عدن، إلى شوارع منطقة التواهي للتعبير عن سخطهم من الأوضاع السيئة التي فُرضت عليهم منذ اجتياح مسلحي الحوثي لمبنى الإذاعة والتلفزيون في مايو/ أيار 2015، واستمرت حتى الوقت الراهن، إذ إن مرتباتهم تكاد تكون متوقفة.

حينها حمل المتظاهرون صورًا لزملائهم المتوفين منذ إغلاق القناة، والذين يقولون إن معظمهم ماتوا قهرًا من الحرمان من كافة مستحقاتهم المادية والمعنوية، حتى إن الكثير ممن وافاهم الأجل لم يجد أهله ما يقومون به من تأجير قاعة لاستقبال العزاء، كما يقول حاجب.

أما في صنعاء فلا يجرؤ الصحفي العامل في المؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، على تنظيم أية مظاهرة أو وقفة احتجاجية للمطالبة بحقوقه خشية تعرضه للاعتقال، بحسب ما أكده عدد من الصحفيين في أحاديث منفصلة  لـ”المشاهد”.

مقالات مشابهة