المشاهد نت

المال مقابل الإجابة… تسهيل الغش في مراكز الامتحانات  

استمرار الغش في امتحانات الشهادة الثانوية العامة في اليمن
يدفع الطلاب اموالا للجان الامتحانات مقابل السماح لهم بالغش-اليمن

تعز – مجاهد حمود:

“بذلت كل جهودي للاستعداد لاختبارات الثانوية العامة، وانعزلت عن الجميع، وقضيت معظم وقتي مع الكتب. حفظت دروسي، وكنت على يقين بأنه كلما زاد الاجتهاد، زادت الفرصة للحصول على درجات عالية، لكن لم يكن الأمر كما تصورت”. بهذه الكلمات يفصح محمود، طالب في الثانوية العامة، بريف شرعب بمحافظة تعز، عن حسرته بشأن الفوضى التي يلاحظها في مراكز امتحانات الشهادة الثانوية، واعتماد الطلاب على الغش أمام مرأى الجميع.

في حديثه لـ “المشاهد”، يقول محمود: “ما تخيلت أن يحدث الغش في مركز الامتحان بتلك الطريقة، وحدث ذلك من أول يوم في مادة القرآن الكريم. شعرت أن التعب والجهد الذي بذلته لم يكن له قيمة بعد أن رأيت الإجابات تأتي جاهزة للطلاب”. 

يسجل الطلاب في المدارس، بخاصة في الريف، ويذهبون إلى العمل في العديد من المدن، وعندما تأتي الاختبارات، يحضرون لإتمامها. يشير محمود أن العديد من الطلاب يدخلون إلى قاعات الاختبار بعقول فارغة، وجيوب ممتلئة بالمال، والمال يساعدهم في الحصول على إجابات جميع أسئلة الاختبار، وبهذه الطريقة يحققون النجاح في الثانوية العامة، ويدمرون التعليم. 

يواجه قطاع التعليم في البلاد العديد من التحديات الناجمة عن الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 2015، وأبرز تلك التحديات توقف دفع مرتبات قرابة  172 ألف من العاملين في التعليم ، حسب الأمم المتحدة.

 بالإضافة إلى تسرب الملايين من الطلاب للالتحاق بسوق العمل أو جبهات القتال لتوفير متطلبات المعيشة. هذا الأمر أفقد التعليم أهميته في المجتمع، وأسهم في تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات.

الطالبة ه.د. في الثانوية العامة تقول لـ “المشاهد”: “كل طالب يدفع 2000 ريال لرئيس اللجنة مقابل السماح لنا بتصوير ورقة الأسئلة وإخراجها للحل خارج المدرسة أو إرسالها إلى أي شخص للإجابة عليها وإعادتها لنا إلى القاعة”. 

تضيف: “لم يعد الغش في الامتحان شيئاً غريباً، بل أصبح أمر معتاد يفعله الجميع، وغالبية الطلاب لم يحضروا منذ بداية العام لأنهم يعتمدون على دفع المال مقابل الإجابات”. 

سلب حقوق الآخرين

يقول التربوي  محمد علي بأن الغش ظاهرة سلبية في المجتمع، وهو دليل على الخروج عن القيم والمعايير، وهذا يترك اثرًا سلبيًا على المجتمع ومستقبل الوطن، والغش في الامتحانات يعد  خيانة، وسرقة تتسبب في حصول شخص على امتيازات، وهو لا يستحقها.

إقرأ أيضاً  شركات ترفض البطاقة الشخصية "الذكية" في مناطق سيطرة الحكومة

يضيف لـ “المشاهد”: “للغش تبعات كارثية، كعرقلة العملية التعليمية، والإخلال بالنظام التعليمي الذي يسعى إلى إعطاء الطالب الدرجة التي يستحقها. ويعد الحصول على درجات من خلال الغش تزييف وتحريف للتعليم والعملية التعليمية برمتها”. 

يرى علي أن تساهل المراقبين والمعلمين في حصول الطلاب على الإجابات مقابل المال نوع من الفساد، وهذا يتطلب وضع عقوبات رادعة لكل من ينخرط في تسهيل ممارسة الغش في الامتحانات. 

أسباب تفشي الغش

نصر علي، تربوي في مديرية شرعب الرونة بتعز، يقول لـ “المشاهد”: “إن عددًا من الأسباب عملت على تفشي هذه الظاهرة، ومنها عدم استشعار المسؤولية من القائمين على عملية الاختبارات، بدءًا بالمديرية وانتهاءً بمن يرأسون لجان الاختبارات في المدارس”.

بحسب نصر، السبب الآخر يتعلق بضعف العملية التعليمية، وهذا الضعف ناجم عن عدة عوامل، مثل عدم وجود المنهج الدراسي، وتسرب كثير من الكوادر المؤهلة من المدارس، والذهاب للعمل خارج المؤسسة التعليمية، وضعف الأداء لكثير من المعلمين، والوضع الاقتصادي البائس الذي أثر على المدرس والطالب، والفساد المستشري في المؤسسات التعليمية.

ويضيف: “لقد أصبحت ظاهرة الغش متأصلة لدى الطالب وولي الأمر والمدرس، وكأنها حق من حقوق الطالب. الغش جريمة يعاقب عليها كل من يقوم بها ابتداءً بالطالب وانتهاءً بالمراقب ورئيس اللجنة”.

في ظل الحرب والأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد، أصبح التعليم خارج اهتمام الحكومة وأولياء الأمور. يشير نصر إلى أن بعض الطلاب يذهبون إلى العمل من أجل الإنفاق على أسرهم في ظل انقطاع المرتبات وتدهور الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار، وعندما يعودون أثناء الاختبارات، يلجؤون إلى الغش.

حلول مقترحة 

يقترح التربوي عبدالرحمن سعيد عددًا من الحلول، منها تفعيل الرقابة والتفتيش، ورفد المدارس بالكوادر المؤهلة، إضافة إلى توفير الكتاب المدرسي للطالب من بداية العام، وإعطاء المعلم كامل حقوقه ومحاسبته.

يحث سعيد الحكومة اليمنية والمؤسسات التعليمية على اتخاذ إجراءات فعّالة لمكافحة الغش في الامتحانات، بما في ذلك تشديد الرقابة وتعزيز الوعي بأخلاقيات العمل الأكاديمي، بالإضافة إلى تعزيز التدابير الرادعة ضد المخالفين. يختم سعيد حديثه لـ “المشاهد”، ويقول: “يجب أن تكون مكافحة ظاهرة الغش في الامتحانات إحدى الأولويات الرئيسية لتحسين جودة مخرجات التعليم وضمان تحقيق التطوير المستمر في هذا المجال”. 

مقالات مشابهة