المشاهد نت

القحوم.. سفير الموسيقى اليمنية إلى العالم

يقوم الفنان محمد القحوم بتقديم التراث الموسيقي اليمني بصيغة عالمية

المكلا – بشرى الجرادي

من سواحل المكلا إلى ناطحات دبي وضفاف النيل بالقاهرة، وصولًا إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور، مسرح مفتوح للأعمال الموسيقية الإبداعية التي صنعها المايسترو اليمني الحضرمي محمد سالم القحوم، ليكون بذلك سفيرًا فوق العادة للتراث الموسيقي اليمني إلى العالم.

بجهود فردية وبإمكانيات شخصية، يقود الشاب القحوم، فرق الموسيقى التي يصل عدد أفرادها أحيانًا إلى 150 عازفًا؛ ليدفع بالتراث الموسيقي اليمني إلى العالمية في سيمفونيات خالدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.

ولادة مبدع

ولد المؤلف والموزّع الموسيقي المهندس محمد القحوم، في مدينة تريم بمحافظة حضرموت، عام 1991، وفيها تشرّب الإيقاعات الحضرمية التراثية الأصيلة، ومنها استلهم أهم مشاريعه الفنية التي أوصلها وأوصلته إلى العالمية خلال فترة قصيرة.

بدأ شغف القحوم بالموسيقى مبكّرًا، فقد بدأ العمل في مجال الهندسة الصوتية والتوزيع الموسيقي منذ العام 2004، وفي 2006 أسس شركة واستديوهات “صدى الإبداع في اليمن”، وشكّل مشروع السيمفونيات خلاصة تجربته الناضجة التي تقدم الفن اليمني إلى العالم بقالب موسيقي عصري يفهمه الجميع.

واشتهر المايسترو الشاب، خلال السنوات الأخيرة، بسيمفونياته اليمنية التراثية التي اشتغل عليها وأكسبها روح العصر، وأخرجها في لوحة إبداعية فريدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، انطلاقًا من شغفه الكبير بالموروث الموسيقي والإيقاعات اليمنية العريقة.

يمثّل القحوم، أول مؤلف موسيقي يدمج بين الموسيقى التراثية اليمنية وثقافات عربية أخرى، ويخرجها في لوحة موسيقية واحدة بأسلوب متميز وفريد، كما أنه أول شاب يمني يشارك في حفلات عالمية، ويحصد جوائز عربية ودولية، ويحوز على لقب سفير الموسيقى اليمنية بجدارة.

سيمفونيات حضرمية في كوالالمبور

في أبريل 2019، خاض المايسترو القحوم، أوّل تجاربه الفنية الدولية في حفلة السيمفونيات التراثية في العاصمة الماليزية كوالالمبور، قاد خلالها فرقة موسيقية مكوّنة من 90 عازفًا، منهم 30 عازفًا يمنيًا للآلات الموسيقية والإيقاعية التقليدية الحضرمية، والبقيّة من الصين والهند وماليزيا واليابان وأوزبكستان.

وقدّم القحوم وفرقته خلال الحفل 6 مقطوعات فنية هي: “الحيرة، مدروف الأصالة، لوحة الحرب والسلام (العدّة)، الوداع المفرح (الهداني)، مزمار الهبيش، صبّوحة”، واستلهمها من روح الموروث الموسيقي الحضرمي، وقدّمها بلغة الموسيقى العالمية بشكل أوركسترا سيمفونية.

وفي مارس 2022، قدم القحوم، حفلًا موسيقيًا في دار الأوبرا بالعاصمة المصرية القاهرة، حمل عنوان “نغم يمني على ضفاف النيل”، ضمن مشروعه “السيمفونيات التراثية اليمنية”، وقاد خلالها فرقة مكوّنة من 120 عازفًا، مجموعة منهم عازفون يمنيون.

مشروع موسيقي

في البداية، كانت شركة “صدى الإبداع” التي يمكلها القحوم، عبارة عن استديوهات، والآن باتت شركة دولية تضم أربعة فروع، ثلاثة منها في اليمن، إلى جانب الفرع الرئيس في مدينة دبي الإماراتية.

يقول القحوم، في حديث طويل لـ”المشاهد” إن هذه الشركات تعمل على ثلاثة محاور رئيسية؛ الأول الأعمال التجارية، وهو الأهم، وينفذ خلاله موسيقى تصويرية لمسلسلات، وتوزيع أغانٍ للفنانين، ونجح القحوم في تأليف العديد من الأعمال والمشاريع الموسيقية المعروضة في مجموعة من القنوات الفضائية والإذاعية.

والمحور الثاني، وفقًا للقحوم، الإنتاج الشخصي، وهنا تعمل شركاته على تأليف موسيقى لأغانٍ عالمية يقوم بتحويلها “للاستايل” اليمني ذي الطابع التراثي، ويتم نشرها على قناته على اليوتيوب (sadaAlebda)، وهو ما اعتبره واجبًا مجتمعيًا يحاول من خلالها إيصال رسالة لليمنيين وعموم الناس، وخلال السنوات الماضية، نشر القحوم أعمالًا موسيقية وفنية عبر قناته على اليوتيوب، وحصدت ملايين المشاهدات.

وفي المحور الثالث، قال القحوم: نعمل أيضًا على خط الحفلات، ومن خلال السيمفونيات التراثية، الذي هو مشروع إعادة تقديم الألوان العربية عمومًا واليمنية خصوصًا، في شكل استايل أوركسترالي يفهمه كل العالم، مضيفًا أن عملاءه من خارج اليمن يمثلون 95%، وبالأخص في دول الخليج.

تقديم التراث بصيغة عالمية

منذ بداية مشواره الإبداعي، كان سؤال كبير يشغل تفكير القحوم، وهو كيف يمكن إيصال “رسالتنا وفننا وتراثنا بشكل يفهمه العالم، ونقدم خطًا آخر لتوصيل الفن الغنائي، باعتباره فنًا حضاريًا ممكنًا، وتوصّل أخيرًا إلى الصيغة المثالية التي تمكن من خلالها من تقديم أعمال فنية في قالب أوركسترالي، وألوان تراثية بصيغة أوركسترالية عالمية.

إقرأ أيضاً  منتدى حول المرأة والسلام في اليمن

وعن طبيعة إنتاج لوحاته الإبداعية، يقول القحوم لـ”المشاهد”: بعض المقطوعات تأخذ مني ساعات تصل بعضها 200 أو 300 ساعة، وبعضها أقل، بحيث تأتي الأفكار استلهامًا من ألوان تراثية معينة.

وعن نجاح فكرته في دمج الموسيقى بهذه الطريقة العجيبة، يقول: كل الحفلات وأيضًا مشروع السيمفونيات لاقت نجاحًا كبيرًا، وأوصلت الرسالة التي كنا نطمح لها، وهي أن يرى الآخرون ما نقدمه بشكل مختلف. مضيفًا: اتضح ذلك من خلال ردود الأفعال والتغطية الإعلامية للحفلات وبعدها.

وكانت الحفلة التي قدّمها القحوم وفرقته في دار الأوبرا المصرية “نغم يمني على ضفاف النيل”، لاقت رواحًا وتفاعلًا يمنيًا وعربيًا واسعًا، وبثتها على الهواء 11 قناة فضائية.

الإبتكار

وعن الصعوبات، يقول إن بعض الأفكار أحيانًا تأخذ منه فترة طويلة، كما أن البيئة تلعب دورًا في التنفيذ، فعلى سبيل المثال: تلاقي لون تراثي معين وتريد تحويله إلى ستايل عالمي وما تلاقي عازفين تراث يستوعبوا الفكرة ويقدموها بطابع عالمي أو يعزفوا مع الأوركسترا، وهذه إحدى الصعوبات،” حد قول القحوم.

ويضيف أن المشروع جديد، وفي ظل وضع حرب ليس سهلًا تقديم بهجة وفرح وشيء مبتكر ومتميز في ظل وضع البلد، إضافةً إلى سؤال كيف تتقبل الناس الفكرة وتعطي وجهات نظرها في الموضوع، خصوصًا وأن ثقافة المجتمع الموسيقية ليست كبيرة، فهو معتمد في ثقافته الفنية على الثقافة الغنائية لا الموسيقية، ونحن نقدم مشروعًا موسيقيًا.

ويتابع: أن تدمج وتقدم ألوانًا تراثية بحتة، وتحافظ عليها في قالب عالمي، هو ليس موضوعًا سهلًا، وإنما يحتاج دراسة وتأنيًا وقدرة على إيجاد نقاط مشتركة بين الفنين الأوركسترا والتراث، وكيف تقدم التراث مثلما هو، وتحافظ على ثقافة الأوكسترا وستايلها، وتحافظ روحها.

ومن أهم الصعوبات التي تواجه القحوم، صعوبة سفر من يعمل معه إلى خارج اليمن، فالفريق يقطع مشوارًا كبيرًا جدًا من خلال السفر عن طريق البر.

ويقول القحوم: جاءتنا فرص كثيرة، لكن للأسف كانت تأشيرات السفر أكبر عائق، نجد صعوبة في الحصول على التأشيرات بسبب أننا يمنيون، وفي الظروف الصعبة التي يعيشها البلد.

التكريم

حصد القحوم المركز الأول بالمناصفة مع مملكة المغرب في المهرجان العربي للإذاعة  والتلفزيون العربية، الذي شاركت فيه معظم القنوات والإذاعات العربية، والتي قدمت حفلة القاهرة كبرنامج عن فئة المنوعات والسهرات، وفاز القحوم بجائزة المهرجان.

في نوفمبر 2022، فاز الحفل “نغم يمني على ضفاف النيل”، الذي قدّمته الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو محمد القحوم، بالجائزة الأولى في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون الدورة الـ22، عن فئة برامج المنوعات والسهرات الفنية.

وعن شعوره تجاه النجاح الذي حققه في حفلات القاهرة وكوالالمبور، يقول القحوم: كان جميلًا جدًا خصوصًا عندما شاهدنا اندهاش وإعجاب العازفين من البلدان الأخرى، خصوصًا بلدان شرق آسيا، وأيضًا إعجاب وانبهار العازفين في دار الأوبرا المصرية بتعدد الألوان عندنا، واستغرابهم من عدم سماعهم لهذا التنوع من قبل.

رسالة الفن اليمني

في حديثه لـ”المشاهد” يقول القحوم، إنه محظوظ لأن مشروعه تلقّى دعم الجهات المعنية، خصوصًا وزارات الثقافة اليمنية والماليزية والمصرية حينما ذهبوا إليها.

ومع ذلك، يشير إلى الحاجة للاهتمام بكل الجهات الموسيقية، وحتى من قبل جهات المجتمع المدني من تجار وشركات خاصة، لدعم مثل هذه المشاريع ورعايتها، مطالبًا القطاع الخاص بالدخول بقوّة في مثل هذا المعترك الثقافي لدعم المشاريع الثقافية سواءً كانت في الجانب الثقافي أو الجوانب الأخرى.

وفي الأخير يقول القحوم: مازلنا في بداية المشوار، ومازال في طريقنا الكثير لنقدمه، خصوصًا وأن ردود الأفعال كانت مشجّعة، واتضح لنا من خلالها أننا نمضي في الطريق الصحيح، ونقدّم أعمالنا بشكل جيد، ونجحنا في إيصال رسالة فننا العريق إلى العالم.

مقالات مشابهة