المشاهد نت

النقل البري يصارع للبقاء

خفضت بعض شركات النقل البري أساطيلها والبعض الآخر أغلقت نتيجة تداعيات الحرب-الصورة عبر صفحة شركة راحة على الفيسبوك

صنعاء – نبيل شايع

“قبل الحرب كنا ننظم عددًا من الرحلات طوال الأربعة والعشرين ساعة، إلى مختلف المحافظات اليمنية، لكن اليوم لم يعد بإمكاننا إلا تنظيم رحلة واحدة فقط، صباح كل يوم، وإلى محافظات محدودة، والسبب يرجع إلى الظروف الأمنية، ومخاوف من وقوع مشكلات أخرى”، هكذا تصف منى محمد، طريقة عمل شركة النقل البري المحلية التي تعمل فيها من صنعاء، خلال زمن الحرب.

وتضيف في حديثها لـ”المشاهد”: “لقد أتعبتنا الحرب. نحن نسعى إلى الموازنة بين الحفاظ على شركتنا ولقمة معيشتنا وسداد الضرائب والزكاة وما يُطلب منا، وفي الوقت ذاته نحرص على عدم إنهاك المواطن الذي لا يقدر على دفع ثمن تذكرة السفر بسبب غلائها”.

يشهد قطاع النقل البري في اليمن تغييرات كثيرة نتيجة المتغيرات التي طرأت على طرق السفر الاعتيادية. فقد أغلقت مسارات الطرق البرية المعروفة بين المحافظات، من قبل أطراف النزاع، واستبدلت بمسارات خطرة ذات مسافات طويلة.

ليس ذلك فقط، فتدهور الوضع الأمني وفرض جبايات غير قانونية من قبل  أمراء الحرب، جميعها فاقمت معاناة ملاك شركات نقل البضائع والركاب في خطوط السير البرية داخل اليمن، الأمر الذي أدى إلى إفلاس البعض.

ارتفعت تكاليف النقل البري بنسبة تصل إلى 145%، وبالتالي ارتفعت أجور تنقل الركاب والبضائع بين المدن والقرى، حسب دراسة عن قطاع النقل البري، صادرة عن مبادرة إعادة تصور اقتصاد اليمن، نُشرت في مارس من العام الماضي.

وتكبّدت مشاريع الطرق خسائر فادحة تُقدّر بنحو 1.3 مليار دولار أمريكي، بحسب  الدراسة نفسها.

ووفقًا للدراسة ذاتها، فقد بلغ إجمالي الطرق المتضرّرة من الحرب، نحو 6,000 كم، إضافة إلى أن الحرب تسببت بتضرّر أكثر من 100 جسر عبور. علاوة على ذلك، توقّفت مشاريع الطرق بسبب شحة الأوضاع المالية، مما فاقم مشاكل قطاع النقل البري في البلاد.

تدهور وإفلاس

ارتفعت تذاكر سفر النقل البري بعد اندللاع الحرب بنحو 145% -تصوير صفحة شركة راحة على الفيسبوك

كان المسافرون في اليمن، قبل الحرب، يعتمدون في تنقلاتهم بين المدن والقرى، على حافلات النقل البري التابعة للمؤسسة المحلية للنقل، وهي مؤسسة حكومية تحت إدارة وزارة النقل. وكانت هناك حافلات نقل خاصة تتبع شركات تجارية، وباصات متوسطة الحجم، وسيارات نوعي “بيجوت وهايلوكس” لسائقين يعملون لحسابهم الخاص.

وفور اندلاع الحرب، توقف عمل الحافلات الحكومية تمامًا، ولم تصمد عدد من شركات النقل البري التجارية  أمام عواصف الحرب الجارية. إذ تعرضت بعضها للإفلاس، كـ”شركة النقل الجماعي، وشركة النمر، وشركة العيسائي، والمسيلة، والقصوى، وخليج عدن، والميدمة، وسفر، وأجواء، والحاج، وشركة راحة مابين عامي 2015 و2021.

وباع مستثمرون من تركيا، كانوا يمتلكون شركة “النور للنقل البري” في 2016 الشركة لرجال أعمال يمنيين.

وعملت بعض الشركات في فترات متفاوتة ما بين 2017 و2022 على  تقليص أسطول حافلاتها، وتسريح عدد من السائقين والعاملين الإداريين فيها، كـ”شركات “بن معمر، والنورس، والأولى.”

تذاكر باهظة

في الرحلات الداخلية بين المحافظات اليمنية، ارتفعت أسعار تذاكر الركاب إلى أرقام قياسية، فسعر تذكرة السفر للراكب الواحد عبر حافلة نقل من صنعاء إلى مدينة الحديدة، وصل إلى 12 ألف ريال، فيما كان قبل الحرب لا يتعدى ثلاثة آلاف ريال.

أما تذكرة السفر للراكب الواحد عبر حافلة نقل من صنعاء إلى عدن، فقد وصل سعرها إلى 20 ألف ريال، فيما كان سعرها قبل الحرب لا يتعدى العشرة آلاف ريال، في أفضل الحافلات التي توفر وسائل مختلفة لراحة الركاب.

حتى في الرحلات الدولية التي غالبًا ما تكون إلى المملكة العربية السعودية، أو إلى سلطنة عُمان، عبر منافذ “الوديعة وحرض وشحن وصرفيت”،   ارتفعت أسعار التذاكر فيها لأرقام قياسية، منذ اندلاع الحرب. وصل سعر التذكرة من صنعاء إلى منفذ شحن الحدودي مع عمان، إلى ثلاثين ألف ريال (أكثر من 50 دولارًا حسب سعر الصرف في صنعاء).

إقرأ أيضاً  الشاعر الأهدل: خصوصية «اللهجة» جعلت للغناء التهامي لونًا مستقلًا

وخلال أزمات في المشتقات النفطية تتم مضاعفة الأسعار أو إلغاء بعض الرحلات، مما يتسبب بحدوث معاناة لكثير من المسافرين من ذوي الدخل المحدود، وبخاصة المرضى.

عدد من شركات النقل البري توقفت عن صيانة وتحديث حافلاتها بما يتواكب مع المستجدات في قطاع النقل.

وفي هذا الصدد، يرى المواطن سليم القيري، أن الحافلات التابعة لمعظم شركات النقل البري التي ماتزال تعمل،  لم تعد الوسيلة المناسبة له حينما يقرر السفر من محافظة إلى أخرى، وبالتحديد السفر من مناطق سيطرة جماعة الحوثي إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية.

ويرجع القيري سبب ذلك إلى المضايقات التي يتعرض لها ركاب تلك الحافلات من قبل النقاط الأمنية.

وعلى الرغم  من أن تلك الشركات لا تسمح للمسافرين بركوب حافلاتها إلا بعد أخذ بيانات المسافر وإرسالها لوزارة النقل في صنعاء، لأخذ موافقات أمنية قبل موعد السفر بيوم، إلا أن العراقيل دائمًا ما ترافق المسافرين في تلك الرحلات التي تتأخر لساعات طويلة.

ويقول القيري لـ”المشاهد”: “حتى الطرق الطويلة التي أصبحت متهالكة، لم تعد صالحة لمرور الحافلات الكبيرة التابعة لشركات النقل البري التجارية، وهي مشكلة عويصة تفاقمت خلال زمن الحرب، ولا يمكن أن نغامر بسلامتنا، لذا تركنا السفر عبر تلك الحافلات”.

لكن في المقابل، يرى عبدالله الويس، شاب يمني مغترب في السعودية، أن حافلات النقل البري هي الوسيلة الأفضل بالنسبة له خلال زمن الحرب، فقطاع الطرق عادة ما يتجنبون ملاحقة حافلات النقل الكبيرة، كما يقول في حديثه لـ”المشاهد”.

ويضيف الويس: “حينما نقارن تكاليف السفر بين البر والجو، فبالتأكيد أننا نوفر أموالًا كثيرة حينما نسافر برًا، لكن معاناتنا تسوء حينما يتم إغلاق المعابر الحدودية بشكل مفاجئ، حينها نضطر إلى دفع أموال كثيرة مقابل البقاء في الفنادق، وهي مشكلة لا دخل للشركات فيها”.

شركات جديدة

وفي المقابل، تأسست خلال زمن الحرب الجارية، شركات نقل بري جديدة بأساليب ووسائل مختلفة.

وتزايدت أعداد شركات النقل الجديدة، وأضحت منافسة لشركات النقل التقليدية. توفر تلك الشركات خدمات توصيل الركاب عبر سيارات ذات موديلات حديثة، لكن أسعار تلك الشركات باهظة؛ إذ تصل تكلفة سفر الراكب من صنعاء إلى عدن، لما يزيد عن 200 دولار أمريكي.

البحث عن حلول

في الثامن من ديسمبر الماضي، اجتمع  مسؤولون حكوميون ورجال أعمال واقتصاديون وباحثون أكاديميون ومختصون في مجال النقل، في مدينة عدن، ضمن حلقة نقاشية نظمها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، لبحث أبرز المشكلات التي يعاني منها قطاع النقل.

وأوصت تلك الحلقة بضرورة تقييم حقيقي لوضع البنية التحتية لقطاع النقل في اليمن، من منافذ برية، وشبكة طرقات مدمرة؛ باعتبارها أبرز الآثار الناتجة عن الحرب الدائرة في البلاد منذ قرابة تسعة أعوام.

كما أوصت الحلقة بضرورة وضع خطط قصيرة المدى لتعافي القطاع واستعادة نشاطه.

وبدورها طالبت مبادرة إعاد تصور إقتصاد اليمن في دراسة عن قطاع النقل البري في اليمن بتبني النظام الإلكتروني والربط الشبكي لحافلات نقل الرقاب بين المحافظات وشاحنات نقل البضائع.

مقالات مشابهة