المشاهد نت

الشاعر الأهدل: خصوصية «اللهجة» جعلت للغناء التهامي لونًا مستقلًا

الشاعر والباحث اليمني علي الأهدل

صنعاء – محمد المخلافي

ترتبط الأغنية التهامية بجذور أصيلة تمتد إلى ما يزيد عن خمسة قرون، كما أن لها امتداد في التاريخ اليمني وحضور مميز لم يمنعها من أن تكون على مدى عقود طويلة خارج إطار الدراسات الفنية وبعيدةً عن اهتمام الجهات المختصة.

كل ذلك أدى إلى تغييب الأغنية التهامية في وسائل الإعلام؛ مما أدى إلى قلة حضورها في السياقات الفنية والثقافية على مستوى اليمن بشكل عام.

وقبل إندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، كانت هناك جهود بسيطة قام بها بعض الفنانين والشعراء والملحنين التهاميين، في محاولةً منهم لتقديم أعمال غنائية تسهم في الحفاظ على تراثهم اللا مادي، وهويتهم الفنية الممتدة منذُ مئات السنين.

لكن الكثير منهم توقفت جهودهم بسبب الحرب التي أجبرتهم على العزوف عن نشاطهم الفني، والتوجه للبحث عن أعمال أخرى تُدر عليهم دخلًا يساعدهم على مواجهة الواقع المعيشي المتأزم.

عن الأغنية التهامية وخصوصيتها، وأسباب تهميشها، وقلة حضورها في السياقات الفنية والثقافية، أجرى «المشاهد» حوارًا مع الشاعر والباحث علي مغربي الأهدل، أحد أبرز المهتمين بماضي وحاضر الفن الغنائي التهامي، كما أن له عدد من الأعمال الفنية.

البداية

في بداية حوارنا معه بدأ الشاعر علي الأهدل، حديثه عن الخصوصيات المبكرة التي أدت إلى ظهور اللون الغنائي التهامي، ومن أهم تلك الخصوصيات والمميزات التي يتميز بها اللون الغنائي التهامي، بحسب الأهدل، هي (اللهجة)، التي تتمثل في كلمات الأغنية، وكلما كانت كلمات الأغنية بسيطة وجُملها قريبة من لغة العامة وموظفة توظيفا جميلا وبأسلوب إبداعي؛ كلما كان ذلك أجمل في تجسيد اللون.

وأضاف، كما أن هناك ميزة اللحن والإيقاع الذي كلما كان منبثقا من البيئة وتفوح منه نكهة الأرض؛ كلما كان أطرب وأقرب إلى الوجدان، وأكثر تأثيرًا في نفس المستمع، حتى وإن واجه المستمع صعوبة أحيانًا في فهم بعض الكلمات، فالإيقاع بخصوصيته يشده ويجذبه؛ لأن اللون الغنائي التهامي يتميز بإيقاعات رشيقة راقصة في معظمها، وذات تفاصيل نغمية معقدة.

ويقول الشاعر علي الأهدل إن الغناء جزء من ثقافة وهوية أي مجتمع، فهو يتواجد بتواجد الإنسان ويتحرك بحركته ويلبي حاجته في التعبير عن ذاته وإيصال همومه، حتى وإن كان بالطريقة التقليدية الشعبية المتوارثة، ومن الطبيعي أن يظهر اللون التهامي مع بروز الغناء المعاصر مثله مثل أي لون غنائي يمني بدأ بالظهور منذ فترة مبكرة على أيدي بعض الفنانين، ولكن بشكل محدود.

لون غنائي مستقل

ويواصل الأهدل حديثه عن اللون الغنائي التهامي بأنه موجود في البيئة التهامية ذاتها وهو ما يميزه ليكون لونًا غنائيًا مستقلاً، لكن منذ آواخر الستينيات وبداية السبعينيات، وما بعد القرن المنصرم بدأت بعض الأغاني التهامية تظهر على أيدي بعض الفنانين، كالفنان سالم بازغة والعديدين غيره.

كما يوضح الأهدل: أن هناك جانب لون غنائي صوفي تختص به تهامة، وهو فن السماع الذي يضم بعض القصائد التهامية لحنًا وكلامًا، ومن هنا بدأ اللون الغنائي التهامي يظهر كلون يمني متميز عن بقية الألوان الاخرى على الساحة، وقُدِمَت العديد من التجارب الغنائية غير أنها ظلت محدودة، في هذا المجال.

أسباب ضعف الانتشار

تناول علي الأهدل الأسباب التي جعلت الأغنية التهامية أقل انتشارًا من غيرها، وأوضح أن بعضها أسباب داخلية من داخل تهامة، وتتمثل في الظروف الصعبة التي يعيشها الفنانون، وعدم توفر الإمكانيات التي يعاني منها الكثير من المبدعين حتى اليوم، فهناك بعض الفنانين الموهوبين لديهم أفكار جميلة وأعمال فنية، لكنهم غير قادرين على تنفيذها وإخراجها بسبب غياب الدعم والاهتمام من قبل جميع الجهات.

وتابع: “اللون الغنائي التهامي كلون متفرد يحتاج التعامل معه إلى مبدع متمكن يتمتع بموهبة ولديه حس فني في الاستفادة من الموروث، واستلهام الجمل اللحنية وتطويرها، وهذا لا يتوفر عند الكثير، بالإضافة إلى الكلمات، فالنص الغنائي له أدوات فنية وأسلوب في  الكتابة وتوظيف الجمل الشعرية البسيطة والقريبة من لغة الناس توظيفًا إبداعيًا، وقليل من الشعراء من يجيد كتابة النص الغنائي”.

وأشار إلى أن الأسباب الخارجية التي ساعدت على غياب اللون الغنائي مقارنة بالألوان اليمنية الأخرى، هو التغييب المتعمد من قبل جهات معنية وذات علاقة، كغياب الجانب الإعلامي الذي يلعب دورًا كبيرًا في إيصال اللون إلى الجمهور، وهذا كان قبل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن عدم وجود عدد كبير من الأغاني التهامية في الساحة الفنية والثقافية ساعد في غياب دور الكتابات والدراسات، حتى على مستوى ألوان الشعر الشعبي التهامي لا يزال غائبًا وغير موثق، فضلاً أن الدراسات والكتابات حوله قليلة ونادرة.

وعلى الرغم من أن الأغنية التهامية الشعبية من أهم القوالب الموسيقية في البلاد، إلا أنها لم تشهد حضورًا في المجتمع، ووفق الأهدل، فإن ذلك يعود إلى غياب الدور الإعلامي، وخاصة في الفترة السابقة لظهور وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب عدم وجود مؤسسات وجهات تتبنى أعمال فنية تهامية، وظروف الفنانين أنفسهم التي لا تسمح لهم بتقديم مشاريعهم الفنية وإخراجها.

إقرأ أيضاً  محتجون يغلقون الطريق البحري بعدن

الشاعر الأهدل أكد أنه ليس كل الفنانين الموجودين في الساحة التهامية بوسعهم تقديم أعمال نوعية تجسد الأغنية التهامية، وما قدم إلى الآن من أعمال فنية هي نماذج قليلة، والمميز منها أقل ولكنها تجارب استطاعت أن تلفت الأنظار نحو اللون الغنائي التهامي.

وبحسب الأهدل، فإن ماتم تقديمه من أغانٍ تهامية من أبناء المنطقة وخارجها هو قليل جدًا، وأرجع ذلك إلى أن أرضية اللون الغنائي التهامي مازالت بكرًا ومرتبطة بالبيئة والثقافة الشعبية، كالإيقاعات وبعض الجمل الغنائية الشعبية التي بدون الاستفادة منها لا يمكن تأسيس لون تهامي مرتبط بروح البيئة ونكهتها، ولا يمكن أن تكتمل ملامح لون غنائي في أي منطقة دون اتصاله بالبيئة وانبثاقه منها، وهنا ربما أحد أهم المشاكل التي جعلت الأغنية التهامية محصورة في عدد قليل من الأغاني.

مشيرًا إلى أن صنع أغنية تهامية يحتاج إلى الإتكاء على روح الموروث الشعبي، كاستلهام اللحن من جملة شعبية أو إيقاع معين، ومن خلال اللحن والإيقاع والتفاصيل الموسيقية الداخلية للعمل، وقبل أن نسمع حتى الكلمات ندرك أن هذا هو اللون تهامي؛ لأننا نشتم منه رائحة الأرض وخصوصية ثقافة المجتمع، وهذا يمثل أساس اللون، ومنه يتسع ويتطور على أيدي المبدعين من الفنانين والموسيقيين والملحنيين والشعراء المتمكنين.

وحول أسباب قلة الفنانيين الذين قاموا بتأدية الأغنية التهامية من خارج بلاد التهائم، يقول الأهدل: “صحيح أن القدرة على التلحين والإبداع موهبة ينجح فيها الفنان المبدع أحيانًا، كالتجارب التي قدمها الفنان الكبير أيوب طارش، والفنان محمد مرشد ناجي، لكن هذا يعد اجتهادًا إذا نجح به البعض لا ينجح عند آخرين حتى من أبناء المنطقة، لأن هذه الخطوة الإرتجالية هي خطوة لاحقة في الحقيقة يسبقها ما يمكن أن نسميه بـ”الملامح الأساسية للون القادمة من البيئة”.

ويضيف: وهذه الملامح المؤسسة لم تكتمل بعد في اللون الغنائي التهامي، ولن تكتمل إلا من خلال مبدعين وأصحاب خبرة ثقافية وفنية، ولعل الأعمال الأخيرة للفنان عبدالله آل سهل وانتشارها، وكذلك بعض أعمال الفنان أحمد فتحي، وبعض الأعمال الأخرى لفنانين آخرين خير شاهد على هذا.

وعن الشعر الغنائي الحميني، أوضح الأهدل، أنه شعر شعبي (عامي) في مقابلة الشعر الفصيح الذي شاع، وأصبح المنبر الثقافي والإعلامي للعرب، والمتداول على لسانهم منذ الجاهلية وحتى اليوم، ويوازيه من حيث عاميته، وحول ظهوره في اليمن ووجود كتابات وأراء كثيرة للكثير من الباحثين والكتاب والمهتمين حول تسميته بـ”حميني” يعود إلى قرية (الحمينية) في حيس، وحول فترة ظهوره يرى معظمهم أن ظهوره يعود للقرن الثامن الهجري على يد شعراء رواد كان لهم دور في إبرازه.

الصعوبات

وحول أبرز الصعوبات التي يواجهها الفنانون والشعراء والملحنون التهاميون يذكر الأهدل منها تأثيرات الظروف الصعبة التي يعيشونها، وعدم وجود من يهتم بهم ويتبنى مواهبهم؛ ولهذا تظل معظم الأفكار الجميلة لدى الكثير حبيسة الأمل والتمني، وانتظار الفرصة المناسبة لإبرازها، تمر الأيام والسنين ويموت الكثير من أصحاب هذه المواهب، وبموتهم تموت الكثير من الأعمال الجميلة قبل أن تولد، وهذا هو حال الفنان والمبدع في بلادنا عامة وفي تهامة خاصة، رغم الخير الوفير الذي فيها إلا أن أبناءها ومبدعيها يكابدون أصعب الظروف.

بالإضافة إلى أن الحرب أثرت على كل شيء في الحياة، ولاشك أن الجانب الأدبي والثقافي والفني أكثر تأثرًا من هذه الحرب التي شُنت ضد اليمن، فالكثير من المؤسسات الثقافية والإبداعية توقفت ولم يعد لها أي دور، ومع ذلك كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور في تعويض مالحق بالمبدع من تغييب، فعلى المستوى الفني ظهر عدد من الأعمال الفنية، لاسيما في اللون التهامي، مثل الأعمال التي قدمها الفنان: عبدالله آل سهل، والتي لاقت صدى واسعًا، وانتشرت بشكل كبير على منصات التواصل، وأعادت اللون التهامي إلى الواجهة في الساحة الفنية، وعرّفت المتلقي عليه بشكل أفضل من قبل، وكان لي شرف التعاون معه في معظم هذه الأعمال ضمن مشروع “تهاميات” ولا يزال التعاون مستمرًا وهناك أعمال جميلة في طريقها للظهور.

وتحدث الشاعر والباحث الأهدل عن العوامل التي ستؤدي إلى النهوض بالفن التهامي، كعيش المبدع بكرامة حتى يتهيئ ويتوفر له الجو المناسب للإبداع، وكذلك الاهتمام من الجهات الرسمية بالإبداع والمبدعين، ووجود مؤسسات وجهات داعمة لديها حس ومسؤولية بقيمة الثقافة والفن والتاريخ اليمني، والعمل على إبراز كل جميل.

مقالات مشابهة