المشاهد نت

منع تصدير الأسماك.. أزمة جديدة لصيادي اليمن

سوق السمك_الحديدة- ديسمبر 2021-صورة خاصة بالمشاهد

عدن – محمد عبدالله

مهدي سليمان، صياد سمك في عدن، يقضي الكثير من وقته في البحر وعلى قاربه، معتمدًا على هذه المهنة لكسب قوته وقوت أسرته.

لم يسأم سليمان من عمله، ولم يشكُ من المتاعب التي واجهها طوال السنوات الماضية.

منذ فبراير/شباط هذا العام، تغيّر الوضع كثيرًا بالنسبة لسليمان، ولم يُعد صيد السمك كافيًا لكسب لقمة العيش، حيث أصدرت وزارة الزراعة والثروة السمكية في الحكومة المعترف بها دوليًا في عدن، قرارًا قضى بمنع تصدير السمك من اليمن إلى دول أخرى.

تعتقد الحكومة أن هكذا قرار سينجم عنه توفر الأسماك في الأسواق المحلية، وسيخفف الأعباء على المواطنين في ظل شح الإنتاج، واعتماد اليمن على الصيد التقليدي.

لكن إيقاف تصدير الأسماك أثار شكاوى وغضب الصيادين اليمنيين، الذين وصفوا القرار بأنه “لا مسؤول”؛ كونه لم يتخذ إجراءات لمعالجة آثار تطبيقه على الصيادين.

يتحدث سليمان لـ«المشاهد» قائلًا: “تسبب قرار منع تصدير الأسماك بمعاناة إضافية للصيادين، وأثر سلبًا على وضعهم الاقتصادي والمعيشي”.

لم يلتزم العديد من الصيادين الصمت إزاء هذا القرار، بل نفّذوا إضرابًا عن العمل في مدينة الخوخة بالحديدة وحضرموت، وخرجوا في وقفات احتجاجية، تنديدًا بالقرار، وطالبوا الحكومة بالتراجع عنه.

بحسب سليمان، بعد تنفيذ القرار، تراجعت كمية الأسماك في مراكز الإنزال، لأن بعض أنواع الأسماك التي يتم اصطيادها لا تتماشى مع متطلبات السوق المحلية نظرًا لارتفاع أسعارها، وكانت قبل القرار تُباع للشركات المُصدرة.

في الوقت الحاضر، عندما يصطاد سليمان كمية من السمك بتكلفة تتجاوز مليونًا ونصف المليون ريال يمني مثلًا، سيبيعها في الأسواق المحلية بنصف المبلغ، ومثل هذه الخسائر يتحملها الصياد وحده.

يضيف سليمان: “هناك أنواع من الأسماك مثل الحبّار الذي يزداد الطلب عليه من دول أوروبا وجنوب شرق آسيا، لكنها لا تحظى بقبول واسع في السوق المحلية”.

وتعد السعودية وسلطنة عُمان وجهة غالبية صادرات اليمن من الأسماك والأحياء البحرية، ويمثل قطاع مصائد الأسماك ثاني أهم مصدر لإيرادات التصدير بعد النفط في اليمن، ويسهم بمعدل 1.7% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.

يعتقد فتح الشميري، بائع أسماك في مدينة تعز، أن ارتفاع أسعار الأسماك يعود إلى انخفاض حصيلة الصيد بسبب الأحوال الجوية وارتفاع الوقود والنقل، وهذا الأمر خارج سيطرة الجميع، ولا يمكن للصيادين إيجاد حل لمشكلة كهذه.

منذ أشهر، تشهد الأسواق المحلية في المدن الخاضعة للحكومة اليمنية، ارتفاعًا في أسعار الأسماك، في ظل انخفاض المعروض من الأسماك واختفاء الكثير من الأصناف.

يرى الشميري أن القرار الذي منع الصيادين اليمنيين من تصدير السمك، غيرعادل. مضيفًا لـ«المشاهد»: “إن غالبية الصيادين الذين نتعامل معهم يصدرون صيدهم للخارج للحصول على مقابل مادي يتناسب مع وضعهم. ولهذا، قرار منع التصدير غير مدروس ولا يراعي وضع الصيادين”.

إقرأ أيضاً  استمرار تراجع مؤشر التنمية البشرية في اليمن

ويشكل الصيد مصدر رزق لآلاف الصيادين، ويعتمد أكثر من نصف مليون شخص بشكل مباشر على الصيد كمصدر رئيسي للدخل في دولة تمتلك شريطًا ساحليًا بطول 2200 كم، وفق بيانات رسمية.

الصيد ليس مجانًا

يتكبد الصياديون مبالغ كبيرة للحصول علي كميات السمك التي يمكن بيعها في الأسواق أو تصديرها إلى الخارج، وبالتالي اصطياد السمك بالطريقة التقليدية ليس مجانًا.

يقول هاشم الرفاعي، رئيس جمعية صيادي المخا، إن الصيادين ينفقون مبالغ باهظة لشراء معدات الصيد.

ويضيف الرفاعي لـ«المشاهد»: “مواد الاصطياد تباع بالريال السعودي. مثلًا شبكة طولها 200 متر، وعرضها 20 مترًا، يتم شراؤها بمليون ريال، فيما أسعار المحركات ارتفعت بشكل كبير. أكبر محرك وصل سعره إلى 30 ألف ريال سعودي، وأصغرها بتسعة آلاف ريال سعودي”.

يتحدث الرفاعي عن المبالغ التي يحتاجها الصياد، ويقول: “أصغر قارب يستهلك أربعين لتر بنزين على الأقل، أما قارب بقوة سبعين حصانًا فيستهلك 240 لترًا”. حاليًا، سعر اللتر الواحد من البنزين 975 ريالًا في عدن.

تكلفة رحلة الصيد الواحدة تصل في الحد الأدنى إلى 300 ألف ريال (أي ما يعادل 240 دولارًا)، لكن المردود المادي للصياد من الرحلة غير كافٍ، بحسب الرفاعي.

تشير التقديرات والبيانات الرسمية إلى أن إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية كان يبلغ سنويًا نحو 200 ألف طن قبل اندلاع الحرب مطلع 2015، ليتراجع إلى النصف بعد نشوبها.

لا يستطيع الصياد ضمان ما يمكن الحصول عليه أثناء رحلة الصيد. يقول الرفاعي: “في أفضل الأيام قد يعود الصياد بستين كيلو ديرك، لكن معظم الأيام يعود بعشرين أو ثلاثين كيلو من رحلتين، وأحيانًا يعود بأقل من هذا، خصوصًا عند هبوب الرياح الشديدة. هذا يؤدي إلى تراكم الديون على الصيادين، وقد يدفع هذا البعض إلى التوقف عن العمل”.

ويرى أن قرار منع تصدير الأسماك لم يكن صائبًا، ويضيف: “كان الأجدر بالحكومة القيام بمعالجات تؤدي لاستقرار أسعار القوارب وقطع الغيار وأدوات الاصطياد والوقود، قبل إصدار هذا القرار”.

محمد فرج، عضو جمعية شباب الخوخة التعاونية السمكية، يتفق مع الرفاعي، ويقول إن القرار انعكس سلبًا على سكان السواحل الذين يعتبرون مهنة الاصطياد هي وسيلة رزقهم.

يتحدث فرج لـ«المشاهد»، قائلًا: “تكبد الصيادون خسائر مهولة بلغت ملايين الريالات نتيجة انخفاض الأسعار وتوقفهم عن العمل، وكان ينبغي على وزارة الثروة السمكية دارسة القرار بحيث لا يتضرر الصيادون”.

مقالات مشابهة