المشاهد نت

التلوث النفطي يضاعف الإصابة بالسرطان

صورة أرشيفية لتسرب نفطي من أحد الحقول في اليمن

مأرب – إدريس قاسم

سافر عناد المرادي، 29 عامًا، كثيرًا، وأنفق الملايين، وبحث عن الحلول للخلاص من المرض الذي أنهك جسده، وسلب سعادته. منذ 2020، يصارع المرادي مرض السرطان، ومازال ينتظر الشفاء، ويأمل في هزيمة الداء الخبيث.

بعد إجراء الفحوصات الطبية عام 2020، ظهرت النتيجة أنه مصاب بالسرطان. أراد المرادي أن يتأكد، فقرر السفر من مأرب إلى سيئون لمقابلة الطبيب المختص. أُجريت فحوصات إضافية، وجاءت النتجة تؤكد أنه مصاب بمرض سرطان الغدة الدرقية.

قرر الطبيب جلسات جرع كيماوية، وبدأت مرحلة شاقة من الألم والخسائر المادية. يقول المرادي لـ”المشاهد” إن الخسارة التي تكبدها حتى اليوم بلغت تقريبًا ١٢ مليون ريال يمني منذُ بداية مرضه. ويضيف: “معاناة المرض، مشقة السفر، والأوضاع الاقتصادية قصص لا تطاق؛ تبيع بيتك، أرضك، سيارتك وكل ما تملكه، وقد لا يكفيك كل هذا”.

مأرب محافظة غنية بالنفظ والغاز، وفيها تقع عدد من شركات استخراج النفط مثل شركة صافر. بالرغم من أن النفط ثروة وطنية، ومورد مهم للاقتصاد، إلا أن عمليات استخراج النفط دون الالتزام بالمعايير العلمية للحفاظ على البيئة، تصيب السكان بعدد من الأوبئة، بما في ذلك بالسرطان.

عبدالقادر الخراز، أكاديمي يمني مهتم بقضايا البيئة، يقول إن هناك رابطًا كبيرًا وحقيقيًا بين التلوث النفطي وانتشار الأمراض السرطانية في مأرب. يوضح الخراز المناطق التي تُعد الأكثر تضررًا في محافظة مأرب، ويقول لـ”المشاهد”: “المديريات الموبوءة بأمراض السرطان في مأرب قريبة من مناطق استخراج النفط، وهي مديرية حريب ومديرية وادي عبيدة ومديرية الجوبة، وفقًا لدراسات وبحوث بيئية أجريت ما بين 2015 و 2020”.

بدأ إنتاج النفط في مأرب عام 1986، وكانت شركة صافر تنتج قبل اندلاع الحرب مطلع 2015، نحو 40 ألف برميل نفط يوميًا من القطاع 18. وبعد أن تصاعدت أعمال العنف في مأرب انخفض الإنتاج النفطي. وفي السنوات الأخيرة، عملت الشركة على تحسين عملية الإنتاج، حيث قالت  عام 2021 إنها رفعت إنتاجها إلى 10 آلاف برميل يوميًا.

مع تزايد الأنشطة الصناعية النفطية في مأرب، ارتفعت كمية المخلفات الناجمة عن عمليات استخراج النفط. يقول الخراز إن الدراسات البيئية أظهرت وجود عناصر بتركيزات عالية فوق المعدلات المسموح بها عاليمًا في المناطق القريبة من حقول النفظ في مأرب، وتحتوي هذه العناصر على مواد مسرطنة مثل الهيدروكربونات النفطية المتطايرة والمعادن السامة مثل الزرنيخ والكروم والرصاص.

يوجد أكثر من ١٧ نوعًا من أمراض السرطان في مديرية حريب فقط، وتتركز بنسبة كبيرة في الأطفال والنساء، لا سيما سرطان الدماغ، والأمراض التي لها علاقة بالتلوث النفطي، بحسب الخراز.

استعدادات غير كافية

تفتقر محافظة مأرب للمراكز المختصة بمعالجة مرضى السرطان، الأمر الذي يضاعف من معاناة المرضى هناك. في يناير 2023، افتتحت السلطة المحلية بمدينة مأرب وحدة علاج الأورام السرطانية في مستشفى الهيئة العام، بتمويل من منظمة الصحة العالمية، والاتحاد الأوروبي، والمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان.

إقرأ أيضاً  دور النساء في تحسين جودة الدراما اليمنية

تضم وحدة الأورام السرطانية الجديدة 10 أسِرة رقود، وبعض المعدات والأدوية. لكن لايزال المرضى يواجهون تحديات كبيرة، مثل عدم توافر العلاجات المطلوبة، والفحوصات الخاصة، والجرع الكيماوية، بحسب مرضى تحدثوا لـ”المشاهد”.

العديد من مرضى السرطان في مأرب، بمن فيهم المرادي، يأملون أن يكون هناك مركز متخصص بالأمراض السرطانية، بحيث يستطيعون الحصول على الخدمة العلاجية المتكاملة، وتخفيف مشقة وتكاليف السفر إلى صنعاء أو سيئون أو عدن أو الخارج.

هادي محمد غريب، أحد مشايخ وادي عبيدة في مأرب، أبدى استعداده سابقًا للتبرع بقطعة أرض من أملاكه في مديرية الوادي، لبناء مركز خاص بالأورام السرطانية في مأرب. لكنه لم يجد الدعم الكافي لإنجاز ذلك المشروع.

يقول غريب لـ”المشاهد”: “نحن نريد أن نبدأ بأي شيء يخدم مرضى السرطان، وتستطيع الدولة والمنظمات وفاعلو الخير مواصلة الجهود حتى يصير عندنا مركز للأورام السرطانية، يخفف من معاناة الناس”.

ويضيف: “بلغني في 2022 أن هناك أكثر من 67 مريض بالسرطان في مأرب، يذهبون إلى مراكز الأورام في سيئون، والمكلا، والبعض إلى صنعاء. حالة تموت، وحالة تنجو، وحالة تبدأ بالمرض. إن حالة مرضى السرطان في مأرب يرثى لها”.

د. أحمد العبادي، مدير مكتب الصحة والسكان في مأرب، يقول لـ”المشاهد” إن مكتب الصحة والسكان تسلم من أحد الخيرين في المحافظة مبنى مكونًا من ثلاثة أدوار، قبل أسابيع، بهدف دعم وإنشاء وحدة لعلاج الأورام السرطانية في المحافظة، نظرًا للافتقار لمثل هذه الوحدة التخصصية.

ويشير العبادي إلى أن الوحدة، بعد استكمال تجهيزها، ستضم نحو 30 سريرًا، بالإضافة إلى العيادات والأقسام الطبية التخصصية. ويضيف أن مشروع وحدة علاج الأورام السرطانية في محافظة مأرب مجرد حلم يراود الكثير من مرضى السرطان في المحافظة ممن يتكبدون عناء ومشقة السفر إلى مناطق بعيدة للحصول على أبسط الخدمات الطبية المتخصصة.

تهرب من المسؤولية

الشركات النفطية والصناعية لا تقوم بدورها كما يجب، وتتهرب من تحمّل أية مسؤولية تجاه مرضى السرطان في مأرب، بحسب الخراز. هناك مخصصات لما يسمى الضرر البيئي للمناطق التي تقع فيها الشركات والصناعة النفطية، لكنه يتساءل: “لا نعرف أين ذهبت تلك المخصصات، ولا يريدون محاسبة من استلمها أو توضيح من استلمها وكيف تم صرفها؟”.

يرى الخراز أن الدولة والسلطات في مأرب لا تحاول معالجة المخالفات البيئية، ولا تفرض على الشركات النفطية، ومنها صافر، اتخاذ المعايير البيئية للتخلص من النفايات الخطرة، وتركت الشركات تدفن مخلفات إشعاعية خطرة تسبب أمراضًا مختلفة للمواطنين.

مقالات مشابهة