المشاهد نت

عدن.. «حلول المياه» تتحول إلى مشكلات

الحلول المحلية لمواجهة أزمة المياه في عدن لم تخلُ من المشكلات الجانبية - صورة خاصة بالمشاهد

عدن – بديع سلطان

تُصنف اليمن بأنها دولة فقيرة مائيًا، فهي لا تملك أنهارًا لتأمين حاجتها من المياه، كما أن المصدر الرئيسي للماء فيها هي الأمطار الموسمية.

غير أن نسبة الأمطار التي تهطل على البلاد تراجعت بشكلٍ لافتٍ خلال السنوات الماضية؛ بحكم التغيُيرات المناخية الحادة التي ضربت العالم.

لهذا، يلجأ مواطنو اليمن تاريخيًا إلى حفر الآبار لتغطية الطلب المتزايد على المياه، وهو خيار قد يكون مقبولًا في الأرياف والمناطق الجبلية والصحراوية؛ نتيجة هذا الوضع غير المستقر لخدمات المياه في اليمن.

لكن ما ليس طبيعيًا أن يتم حفر الآبار في المناطق المتمدنة والحضرية وكبريات المدن التي طالما استفادت من الخدمات التي تقدمها الدولة، وهي الخدمات التي لم تعد كذلك اليوم، بفعل تبعات الحرب المستمرة منذ 8 سنين.

وهو أمر لم يكن مُتوقع الحدوث في مدينة كعدن، التي رغم انها باتت عاصمة مؤقتة لليمن، مازالت تفتقر لأبسط أساسيات الخدمات العامة، وعلى رأسها المياه، بعد أن كان أهلها يتباهون باستقرار هذه الخدمة لعقود.

تجـــارب

واقعيًا، تجربة حفر الآبار لمواجهة أزمة المياه مرت بها دول كثر عدى عن اليمن، دول تزخر بأنهار تمدها بالاحتياجات الأساسية من هذه الخدمة، كما حدث في العراق، بلاد الرافدين (دجلة والفرات).

لجوء العراقيين إلى حفر الآبار لمواجهة أزمة المياه، جاء بسبب تشييد السدود في الدول المجاورة للعراق؛ والتي تسببت باستنزاف مخزون النهرين، ودفعت العراقيين الى التوجه نحو حفر الابار، وفق تقارير إعلامية عربية.

اليمن الأفقر مائيًا بلد أولى بتكرار مثل هذه التجربة وحفر الآبار في مدنها هي الأخرى، لمواجهة شحة المياه، وتردي الخدمات بشكلٍ حاد في هذا المجال.

فقر مائي مزمن

الفقر المائي الذي ضرب المدن اليمنية أثبتته تحذيرات صادرة عن مذكرة منهجية مشتركة لمنظمات أممية وأخرى تعمل في المساعدات حول أوضاع خدمات المياه والصرف الصحي، في عام 2023.

المذكرة المشتركة ذكرت أن أنظمة وخدمات المياه في جميع أنحاء البلاد تعاني من الأضرار، وخلال العام الحالي، أبلغت عن زيادة عدد الأشخاص ذوي الاحتياجات الماسة بنسبة 29 % تقريبًا، (11.2 مليون شخصًا).

ووفقاً لما جاء في هذه المفكرة، لا يتمتع سوى أقل من ربع السكان في اليمن بإمكانية الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية الآمنة.

حلول مجتمعية

وإزاء هذا الوضع، بادر مواطنو مدينة عدن، إلى إيجاد حلول لمشكلة شحة المياه في مناطقهم، بجهد ذاتي وبعيدًا عن تدخلات السلطات المحلية في البلاد.

كان ذلك هو الحل المتاح أمام أهالي المدينة، حفر الآبار في الحواري والأحياء السكنية، بل وحتى داخل المنازل، كما فعل المواطن فضل محمد سالم، من ساكني مديرية البريقة، غرب عدن.

يقول سالم: ”إن الناس لم يجدوا أمامهم سوى هذا الحل لمواجهة شحة المياه، في ظل توقف كافة الخدمات العامة، وتعطل مؤسسات الدولة الخدمية عن القيام بواجباتها”.

ويضيف: ”لست الوحيد الذي اضطر إلى حفر بئر داخل منزلي لسد حاجتي وأسرتي من المياه، فهناك العشرات في منطقتي فعلوا ذلك”.

وبالفعل، فإن جولة واحدة في أحياء مديرية البريقة بعدن تُبيّن حجم الانتشار الذي باتت تشكله الآبار المستحدثة في شوارع وأحياء المديرية، حتى أن بعض الآبار لا يبعد عن الآخر أكثر من 12 مترًا في أحسن الأحوال.

يشرح سالم ما كابده وعائلته للحصول على المياه، في مدينة يفترض أنها عاصمة تتوفر فيها الخدمات العامة، غير أن حفرةً في منزله (بئر) لا يزيد قطرها عن نصف متر، وعمقها أكثر من 15 مترًا، كانت كفيلة بأن تؤمِّن احتياجاته.

مشاركة مجتمعية

اللافت في هذه الآبار أنها جماعية، وحُفرت بمعاونة مجتمعية، ويتشارك الأهالي منفعتها كونها حلّت لهم إشكالية أزمة المياه التي طالما طالبوا السلطات بمعالجتها، بحسب المواطن عمرو عبدالله حسن، أحد المستفيدين من هذه الحلول

إقرأ أيضاً  محافظ البنك المركزي يدعو للشراكة لتحقيق الشمول المالي

يشير حسن إلى أن فكرة الآبار بدأت تشهدها مديرية البريقة في المناطق المرتفعة نسبيًا والتي كانت لا تصلها المياه حتى وإن توفرت خدمات المشروع الحكومي، غير أن التدهور الذي ضرب الخدمات العامة جعل الفكرة تأخذ طابعًا جماعيًا، وتم تعميمها على مناطق واسعة من المديرية.

ويتحدث أن كثير من الآبار تعاون في حفرها الأهالي والجيران، بعد اختيار منزل أحدهم ليكون منبعًا للبئر، ثم يتم التشارك لشراء خزان مياه كبير بسعة 800 – 1000 لتر يوضع في وسط الحي، لتعبئته بمياه البئر عبر مضخة خاصة.

ويواصل: ”بعد تعبئة الخزان، يعمل الأهالي بجانبه (صنابير وحنفيات) ليستفيد منها عامة سكان الشارع والحي، وهناك من يرغب بعمل توصيلات وتمديدات عبر الأنابيب إلى منزله، حتى يوفر عناء النقل”.

حسن لفت إلى أن مياه الآبار المستحدثة هذه أصبحت تستخدم في المنازل لتنظيف أرضياتها وفرشها والأواني، وحتى لغسل الملابس، ووفرت على الناس جهدًا كانوا يكابدونه نتيجة أزمة المياه وتردي مستوى الخدمة.

حلول تنتج مشاكل

وبرغم كونها مثلت حلًا للأهالي، إلا أن هذه الآبار لم تُخلُ من سلبيات جانبية، حيث استدرك عمرو حسن قائلًا: ”ثمة مشاكل نجمت عن هذا الحل، تكمن في نسبة ”الملوحة” الزائدة لمياه هذه الآبار، بحكم قرب المنطقة من البحر”.

ويزيد: ”بعض الأهالي يضطر للاغتسال بمياه الآبار، ما يسبب له مشاكل جلدية -حدثت لي شخصيًا- بالإضافة إلى تسبب الملوحة بترسبات في الأواني المعدنية وتضرر الملابس عند غسلها”.

تهديد المخزون المائي

المشاكل الجانبية لحلٍ كهذا، لم تقف عند هذا الحد، بحسب أستاذ الجيومورفولوجيا التطبيقية ونظم المعلومات الجغرافية المساعد بجامعة عدن، دكتور فواز عبدالله باحميش، الذي تحدث عن مشاكل عديدة رافقت هذا الحل.

الدكتور باحميش وهو يشغل أيضًا مديرًا لمركز دراسات وعلوم البيئة بجامعة عدن ورئيس اللجنة الوطنية اليمنية للحدائق الجيولوجية، يعتبر أن الآبار التي يتم حفرها في عدن تعتبر سلاحًا ذو حدين.

ويضيف: ”الآبار جاءت لمواجهة نقص إمدادات المياه من الشبكة التابعة للدولة، كرد فعل من السكان لمواجهة هذا النقص وعدم استطاعتهم دفع مبالغ مالية لشراء المياه بشكل يومي”.

لكن هذه المياه غير صالحة للشرب في أغلبها؛ لكونها مالحة والبعض الآخر تكون ملوثة لقربها من مناطق تلوث المياه بالصرف الصحي، يستدرك الخبير الأكاديمي.

ويتابع: ”نحن نرفض هذا الحفر أولًا لأنه يضر بمصادر المياه، وهي مصادر احتياطية لمدينة عدن تُستخدم في فترات الأزمات التي تتعرض لها المدينة”.

مواصلًا: ”كما أن السحب العشوائي للمياه عبر هذه الآبار يؤدي إلى حدوث هبوط في مستوى سطح الأرض؛ مما ينذر بحدوث انهيارات في المباني القريبة من هذه الآبار”.

لكن التحذير الأكبر الذي حمله الدكتور باحميش -وهو الأهم بنظره -”أن بعض الآبار يتم حفرها في مجرى الأودية التي تغذي الآبار الرئيسية الممونة لعدن بالمياه كحقول بئر ناصر والمناصرة”.

ويشير إلى أن هذا يؤدي بالمخزون المائي لعدن إلى النقصان مع عدم تعويض فاقد هذه المياه من الأمطار الموسمية التي قلّت كمياتها مؤخرًا.

وقال: ”لو استمر هذا العمل وبتسارع شديد فإن عدن مقبلة على كارثة انعدام المخزون الاحتياطي للمدينة من الحقول المغذية الرئيسية المتواجدة خارج المحافظة”.

الخبير والأكاديمي باحميش طالب السلطة المحلية في المحافظة بمنع الحفر العشوائي لهذه الآبار المنتشرة الآن وبشكل كبير في شوارع وأحياء عدن، حفاظًا على مستقبل المدينة المائي.

………..

تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي

مقالات مشابهة